هل تفوز الصين وروسيا بديبلوماسية اللقاح أمام الغرب؟
باريس- يوسف لهلالي
يبدو أن مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون بتخصيص 13 مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا إلى الحكومات الإفريقية في أسرع وقت ممكن، لم تلق النجاح أمام بلدان مجموعة السبع في الأسبوع الماضي.
كانت مبادرة باريس تصبو إلى تخصيص هذا العدد للعاملين بالقطاع الصحي. وتأتي دعوته بعدما تعهدت فرنسا مع باقي دول مجموعة السبع بمبلغ قدره 7,5 مليار دولار لدعم عملية إطلاق اللقاحات في الدول الأفقر. وذلك بعد عودة إدارة جو بايدن إلى التعاون مع حلفائها ومع المنظمات الاممية.
باريس، التي لها حضور قديم بإفريقيا الغربية والساحل وبلدان المغرب العربي، واعية بدور ديبلوماسية اللقاح، خاصة أمام عجز مختبراتها سواء معهد باستور أومختبر سانوفي على إيجاد لقاح بسرعة كباقي القوى الكبرى والمتوسطة.
وتراقب فرنسا التسابق الدولي على إفريقيا، لتقديم المساعدة واقتراح اللقاح الصيني والروسي ضد وباء الكوفيد، إلى عدد من الدول الافريقية. وأضاف «إذا أردنا أن تنجح عولمتنا… علينا التعامل مع مشكلة عدم المساواة في مجتمعاتنا ومع جيراننا».وتابع «هذا في مصلحة الفرنسيين والأوروبيين» لأن «لدي أكثر من 10 ملايين مواطن لديهم عائلات على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط.وشدد على ضرورة «ممارسة ضغوط شديدة جدا» على المختبرات الدوائية الكبرى لزيادة إنتاج اللقاحات.
في وضعية السباق الدولي على اللقاح الذي تجاوز أغلب البلدان بافريقيا، خاصة التي لا تتوفر على منظومة صحية قوية، أخذ الاتحاد الافريقي مبادرة رغم محدوديتها ، و قام بشراء 270 مليون لقاح من المختبرات الانجلوسكسونية، بفضل البنك الدولي. لكن هذا العدد غير كاف لسد حاجيات افريقيا وبلدانها الكثيرة.
وأمام عدم قدرة المصانع الغربية على تزويد افريقيا، كان لا بد من اللجوء إلى حلول أخرى أقل كلفة، وهي الصين وروسيا والهند التي تصنع لقاحا في متناول الجميع ،هكذا فان التلقيح بشكله الكلاسيكي والذي يعتمد على التكنولوجيات القديمة هو الذي سوف يكون بإمكان الافارقة الاستفادة منه، خاصة أن تخزينه ونقله لا يكلف كثيرا.
ومن بين المختبرات الغربية فقط المختبر الأمريكي نوفاكس والانجليزي-السويدي استرازينيكا اللذان التزما مند البداية بتخصيص جزء من إنتاجهم إلى البلدان ذات الدخل المحدود. وتم تكليف مصانع ببلدان مثل الهند بإنتاج كمية منه سوف تخصص لهذه البلدان.
الصين وعدت افريقيا عن طريق رئيسها كسي جينبينع في قمة الصين افريقيا في يونيو من العام الماضي، بأنها ستخصص لقاحات للبلدان الافريقية، كما أن الصين أعطت أولوية لبلدان مثل المغرب ومصر في الحصول على اللقاح لمشاركتها في التجارب الاكلينيكية. وحصلت مصر على 50 ألفا، في حين حصل المغرب على مليون لقاح حسب الأرقام التي تتوفر حتى الآن.
وتستعمل الصين الديبلوماسية الناعمة للقاحات وتوزيع الأقنعة في افريقيا من أجل توطيد حضورها أمام غياب الأوربيين والولايات المتحدة الأمريكية، ما جعل التطعيم ضد وباء كورنا يتحول إلى سلاح جيوسياسي بالمنطقة.
روسيا التي لم يأخذها أي أحد بجدية ، خاصة بلدان الغرب في سباقها نحو اللقاح ،عندما أعلنت توصلها إلى لقاح ضد كورنا في الصيف الماضي تحت اسم سبوتنيك5، نجحت في رهانها، وأصبحت من القوى التي نجحت في الحصول على هذا السلاح الديبلوماسي ، وهو ما يذكر بالسباق بين القوى الكبرى نحو الفضاء.
الهند، هي الأخرى دخلت هذا السباق كمصنع لتلقيح لعدد من المختبرات الغربية ومصدر للأدوية بأثمنه ملائمة، لكن تصنيعها للقاح استرازنيكا مثلا بدأ بالجدل وبمنع الحكومة الهندية من تصدير اللقاح إلى الخارج لحاجتها إليه، نظرا للعدد الكبير من الإصابات بالوباء وسط سكانها، الذين يصل عددهم إلى مليار و300 مليون نسمة، وهو ما نفته هذه الأخيرة. لكن تبقى حاجة الهند الكبيرة للقاح حاجزا أمام التصدير للخارج.
والمغرب، تمكن حتى الآن من الحصول على 6 ملايين من لقاح استرازنيكا مصنعة بالهند . والصناعة الهندية الصيدلية يعول عليها برنامج كوفاكس الأممي من أجل تزويد بلدان افريقيا وبلدان العالم باللقاحات الضرورية.
ويعمل المغرب من جهته، من أجل نيل ترخيص تصنيع اللقاح الصيني فوق أراضيه من خلال مختبرات محلية وكذا مع روسيا، وهو نفس الأمر تسعى لتحقيقه مصر وجنوب افريقيا باعتبارهما من البلدان الافريقية المرشحة لهذا السباق من أجل إعادة تصنيع اللقاح الروسي والصيني فوق أراضيها.
هذا السباق وديبلوماسية اللقاح التي تتم بإفريقيا وتحضرها بقوة الصين وروسيا، جعلاالرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون ينبه بقوة، ويدلي بالعديد من التصريحات في تنبيه للبلدان الغربية إلى خطورة تجاهل قضية توزيع اللقاح مع باقي العالم خاصة افريقيا، والصورة التي سوف يخلفها هذا الأمر. لهذا قدم عدة اقتراحات منها تخصيص نسبة من لقاحات البلدان الغربية إلى البلدان الافريقية لتمكينها من مواجهة الوباء، وحذر من أنه في حال لم تصل الجرعات التي تعهدت بها الدول الأغنى في غضون أقل من 6 إلى 12 شهرا، «سيتعرض أصدقاؤنا الأفارقة إلى ضغوط من قبل شعوبهم، وبشكل محق، لشراء جرعات الصينيين والروس أو مباشرة من المختبرات»، وتابع «وستكون قوة الغرب بذلك مجرد مبدأ لا واقع». وهو الأمر الذي يحدث الآن بأفريقيا. ففي غياب البلدان الغربية، والسباق فيما بينها للحصول على اللقاح لمواطنيها، لم تجد افريقيا إلا الصين وروسيا والهند للحديث في هذا الموضوع. بل إن البلدان الافريقية التي حصلت على اللقاح منها المغرب، مصر، السنغال وجنوب افريقيا حصلت على اللقاح الصيني . في حين تبدو البلدان الغربية منغلقة على ذاتها ومشغولة بمشاكلها الخاصة للحصول على لقاح لمواطنيها في إهمال كبير لديبلوماسية اللقاح، والتي يتبعها الرأي العام الافريقي، والذي يرى من يتضامن معه بشكل حقيقي لمواجهة الوباء.
الكاتب : باريس- يوسف لهلالي - بتاريخ : 02/03/2021