هل تندلع حرب اللقاح بين بريطانيا والاتحاد الأوربي؟
باريس- يوسف لهلالي
هل تندلع «حرب اللقاح بين الاتحاد الأوربي وبريطانيا بسبب النقص الكبير في اللقاح بالبلدان الأوربية، في الوقت الذي تتوفر فيه بريطانيا على اللقاح الكافي لسكانها؟ كل البلدان الأوربية، لا تجد مراكز اللقاح بها ما تقدمه لمواطنيها، ويتعلق الأمر بمشكلة الإمدادات، وتأخر عمليات التسليم، مما دفع هذه البلدان إلى تغيير المواعيد التي قدمت لمواطنيها إلى تاريخ أبعد لغياب اللقاح.
في نفس الوقت، تمكنت لندن من تلقيح حوالي 9 ملايين من سكانها، أما مجموع بلدان الاتحاد الأوربي 27 فلم تتجاوز هذا العدد.
هذه الوضعية، جعلت الانتقادات من كل صوب بالبلدان الأعضاء تتوجه إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، التي أعلنت منع تصدير اللقاح المصنع فوق أراضيها نحو الخارج، والمقصود من هذا المنع، هو بريطانيا و شركة استرازينيكا التي تنتج اللقاح ببلجيكا .
وتركزت الانتقادات في بروكسل ودبلن ولندن على القرار الذي اتخذته المفوضية بفرض ضوابط على تصدير اللقاحات عند الحدود بين ايرلندا وايرلندا الشمالية، وهي خطوة تم إجهاضها لاحقا، لما لها من حساسية سياسية.
حرب اللقاح هاته، دفعت الاوربيين إلى إخراج سلاحهم» الفتاك « ضد بريطانيا ، وهو مراقبة الحدود. وهو ما يعني أن بريطانيا في هذا الوضع وهو اغلاق الحدود الأوربية ومنع تصدير اللقاح نحوها، سوف يحرمها من التوصل بباقي اللقاح الذي اشترته أي فايزر وموديرنا الذي يتم إنتاجه ببلدان الاتحاد الأوربي، خاصة أن رئيس الوزراء بوريس جونسون زادت شعبيته بسبب النجاح الكبير لحملة التلقيح في بلده، بعد أن فشل في وقت سابق في تدبير وباء الكوفيد ببلده، الذي سجل أكبر نسبة من الوفيات بأوربا( أكثر من 100 ألف ضحية)، وأطول فترة من الحجر الصحي، بالإضافة إلى صعوبة مفاوضات البريكسيت والمراقبة على حدود الاتحاد الاوربي، التي زادت من إضعاف الاقتصاد البريطاني وتعطيل الصادرات، مما جعل الوزير الأول البريطاني يجد تعويضا لهذه الوضعية في سياسة التلقيح،واشترت بريطانيا حوالي 400 مليون لقاح رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز 65 مليون نسمة. وكانت سياسة شراء اللقاحات والرهان على مختبرات ناشئة في مختلف البلدان بما فيها فرنسا سياسة ناجحة.
رد فعل الاتحاد الاوربي،كان عنيفا.وهدد بإفشال هذه السياسة البريطانية من خلال منع التصدير اللقاح الذي يتم إنتاجه بأوربا نحو بريطانيا، وهو ما يعني اندلاع حرب تجارية بين الجانبين على خلفية الحرب من أجل اقتناء اللقاح.
رئيسة المفوضية الأوربية، تعرضت لوابل من الانتقادات بسبب هذه الوضعية. وهي قلة اللقاح ببلدان الاتحاد الاوربي، وحملها الإعلام الأوربي المسؤولية خاصة النسبة القليلة من اللقاح التي تم شراؤها، و مخاوف تتعلق بالإستراتيجية التي تتبعها بروكسل لتأمين لقاحات لسكان التكتل.
وأمام الانتقادات التي تعرضت لها، قالت فون دير لايين، في مقابلة مع صحيفة لوموند «بدأت بعض الدول التطعيم قبل أوروبا بقليل، هذا صحيح. لكنهم لجأوا إلى تدابير طارئة لترخيص طرحها، في غضون أربع وعشرين ساعة. لقد اتفقت المفوضية والدول الأعضاء على عدم التنازل عن متطلبات السلامة والفعالية المتعلقة بالموافقة على اللقاح». وهي محاولة منها حسب بعض الصحف الأوربية أن إجراءات التأكد من سلامة التلقيح، هي التي تفسر هذا التأخر، لكن هذا التأخير يعود أيضا إلى تاريخ تقديم الطلبات للمختبرات المصنعة. والمفارقة الكبيرة، أن البريطانيين كانوا سباقين لشراء اللقاح منذ شهر أبريل الماضي في حين أن أوربا قامت بوضع طلباتها منتصف شهر غشت الماضي فقط.
وأكدت فون دير لايين «أن الاتحاد الأوروبي لا يزال عازما على تحقيق هدفه المتمثل في تلقيح سبعين في المئة من البالغين بحلول «نهاية الصيف، بعد إعلانه أن مختبر أسترازينيكا، سيزيد كمية اللقاحات المخصصة للاتحاد في الربع الأول من العام بنسبة ثلاثين في المئة.
هاته البداية المتعثرة للقاح بأوربا، جعلت انتقادات كثيرة تتوجه إلى رئيسة المفوضية الأوربية خاصة من صحافة بلدها الأصل ألمانيا، وطالب بعضها بالاستقالة. واعتبر ما حدث «إعلان إفلاس لبروكسل، ودليلا على عجز الدول الأعضاء الـ 27 «وأخرى تساءلت من جانبها «كيف يمكننا، في أخطر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية، أن نهمل إلى هذه الدرجة التزود باللقاح.وتساءلت بعض الصحف الألمانية إنه «من الصعب تبرير» كيف خصص الاتحاد الأوروبي حزمة دعم للاقتصاد بقيمة 750 مليار يورو لمواجهة مضاعفات الوباء على الاقتصاد، ولم يستثمر سوى ثلاثة مليارات فقط لشراء اللقاحات.»
المستشارة الالمانية انجيلا ماركيل، التي تتعرض للانتقادات هي الأخرى ببلدها بسبب الوضعية الصحية جراء مواجهة الموجة الثانية من وباء كرونا، التي اتسم تدبيرها بالفشل مقارنة مع الموجة الأولى، التي كان تدبيرها هو الأحسن بأوربا، حاولت الدفاع عن رئيسة المفوضية، وحملت المختبرات المسؤولية في هذه الوضعية. وهددت برلين الأسبوع الماضي بإطلاق إجراءات قانونية في حال ما كانت المختبرات «لا تحترم التزاماتها» بتسليم اللقاح للاتحاد الأوروبي في الوقت المحدد لها، وتم تهديدها بالعواقب القانونية.
وتجنبا لحرب اللقاح، فإن الشركات المصنعة التزمت برفع وتيرتها من الإنتاج ومن الحصة المخصصة لبلدان الاتحاد سواء مختبر فايزر/بايونتيك و مختبرموديرنا واسترازنيزيكا التي تعرضت منذ أيام لانتقادات أوروبية حادة، بسبب تأخر كبير في الإنتاج، «ستبدأ عملية التسليم قبل أسبوع من الموعد المقرر لها أصلا» و»ستوسع أيضا قدرتها الإنتاجية في أوروبا.
حرب اللقاح،التي يعرفها العالم اليوم من أجل الاستحواذ على أكبر كمية منه، وتلقيح أكبر عدد من السكان، لم يتمكن الاتحاد الاوربي من الفوز بها، بل فازت بها بلدان مثل الولايات المتحدة الامريكية،اسرائيل وبريطانيا. وهي بلدان فشلت في سياسة الحجر الصحي، وهو ما بينته أرقام الوفيات بهذه البلدان الثلاثة. وبلدان الاتحاد الاوربي منها فرنسا، لم تتمكن صناعتها أن تكون في النادي الضيق للبلدان التي اكتشفت اللقاح ضد كورنا: وهي الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، الصين وروسيا، وهي نفس البلدان الأعضاء بمجلس الأمن والتي غابت عنها فرنسا في هذا السباق العالمي من أجل لقاح له قيمة استراتيجية في العلاقات الدولية.
مؤيدو البركسيت بأوربا، اعتبروا أن نجاح بريطانيا في التطعيم ، يعتبر من مزايا هذا الخروج، لكن بريطانيا ورئيس وزرائها كسب السبق في التطعيم. وعلى المدى البعيد، لا يمكن أن ينتصر في حرب اللقاح على اوربا. فاغلب الشركات المصنعة للقاح، توجد مراكز إنتاجها فوق التراب الأوربي إلا إذا أرادت بريطانيا الاعتماد على نفسها قط و على اللقاح الصيني أوالروسي لتعويض النقص، وهي عملية جد صعبة على المستوى السياسي،لأن حلفاءها السياسيين هم بالاتحاد الأوربي رغم البريكسيت وعلى مستوى التحالفات الدولية والقرب الجغرافي بين الطرفين لا يمكن لهما تجاوزه.
الكاتب : باريس- يوسف لهلالي - بتاريخ : 09/02/2021