هل غاب التوزيع العادل للقاح عن عالمنا في مواجهة كورونا
باريس يوسف لهلالي
من المقرر إطلاق حملات للتلقيح في الأسابيع المقبلة في العديد من البلدان الفقيرة بفضل أولى شحنات اللقاح، ولا سيما تلك التي طورتها شركة فايزر، وأطلقت الأمم المتحدة بدعم من أوروبا وفرنسا على الخصوص، العام الماضي آلية «ايه سي تي – ايه» الهادفة إلى تسهيل الوصول للقاحات والعلاجات أمام الجميع، وتتضمن آلية كوفاكس لشراء وتوزيع اللقاحات، لكنها لا تزال تحتاج إلى مزيد من التمويلات. وهذا التأخر في التمويل هو بسبب عدم دفع كل الدول الغنية للدعم الذي وعدت به لهذه العملية. وكذلك السباق بين القوى الكبرى لتأمين اللقاح أولا لسكانها، وأكد مدير منظمة الصحة العالمية د. تيدروس أهمية «التوزيع العادل» للقاح في إفريقيا وأمريكا الجنوبية بشكل خاص.
ومن أجل «تسريع» حملات التلقيح في الدول الناشئة لا بد من تضامن حقيقي على المستوى الدولي خاصة أن التلقيح ثمنه باهض جدا بالإضافة إلى ندرته، ما عدا بعض المختبرات مثل استرازينيكا البريطاني الذي التزم ببيع اللقاح بثمن مقبول وفي متناول مختلف البلدان، لتجنب حرب جديدة للقاحات واستغلال بعض الدول له كسلاح ديبولوماسي,
واعتبر ماكرون أن تأمين وصول عالمي للقاحات سيشكل «اختبارا مناسبا جدا « لنظام تعددي جديد» يجمع بين الدول والشركات، معربا في الوقت نفسه عن خشيته من اتجاه بعض الدول إلى اعتماد «دبلوماسية اللقاحات»، وذلك في إشارة إلى ديبلوماسية الأقنعة الواقية التي تصارعت حتى الدول الحليفة على الحصول عليها بعد أن افتقدها العالم.
وتم إعطاء أكثر من 132,3 مليون جرعة لقاح ضد كوفيد-19 في 87 دولة أو منطقة على الأقل في العالم، وفق إحصاء قامت به الوكالة الفرنسية للأنباء استناد إلى مصادر رسمية حتى حدود بداية الأسبوع الماضي، وحصل على ما يقرب من ثلثيها (64%) سكان البلدان «ذات الدخل المرتفع» (بحسب تعريف البنك الدولي)، والتي يقطنها 16% فقط من سكان العالم، ولم تبدأ بعد أي دولة «دخلها منخفض» حملة تلقيح واسعة.
ودعا نحو مئة طبيب وعالم أحياء ومحام في مقال نشر في أسبوعية «لو جورنال دو ديمانش» الفرنسية، الأحد، ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى الوفاء بوعدهما بجعل اللقاح «سلعة عالمية عامة»، وذلك بهدف تأمين تلقيح سريع وشامل للعالم أجمع، خاصة أن اللقاح الذي ساهمت بتمويله عدد من الدول الغنية بأموال دافعي الضرائب، أصبح بعد اكتشافه ملكية لمختبرات خاصة، التي تقوم ببيعه لمختلف بلدان العالم مع إعطاء أسبقية للبلدان التي قامت بالتمويل، وذلك من خلال عقود سرية لا يعرف تفاصيلها حتى برلمانات الدول المساهمة. فحسب تصريح منصف السلاوي، الرجل الأول والمسؤول عن تصنيع اللقاح في إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي تمكن فريقه من إيجاد لقاح أمريكي في أقل من سنة، أنفقت الإدارة الأمريكية تقريبا 20 مليار دولار مكنت العديد من مختبرات البحث وشركات الصيدلة من إنتاج للقاح بسرعة فائقة ولأول مرة في تاريخ الإنسانية. فهل خصصت هذه المقاولات العملاقة جزءا من لقاحها رهن إشارة الدول الفقيرة بإفريقيا وأمريكا اللاتينية. حتى الساعة هناك وعود وخطابات جميلة لكن أغلب هذه الدول لم تتوصل بعد باللقاح.
رأينا كيف أصبح اللقاح سلاحا في العلاقات الدولية، وكيف حرصت الدول الكبرى على التوفر على لقاحها وتوفيره لسكانها أولا ثم حلفائها، ورأينا بلدا مثل روسيا يوفر اللقاح لحلفائه المقربين والذين يشترون سلاحه مثل الجزائر وإيران، اللتين حصلتا على لقاح سبوتنيك، وايران مازالت تجرب لقاحا كوبيا من أجل الإفلات من العقوبات الأمريكية.
المغرب لم يعول على حليفته فرنسا من أجل الحصول على اللقاح، التي لم يتمكن معهد باستور أو عملاق الأدوية العالمي سانوفي حتى كتابة هذه السطور من الوصول إليه، وهي سابقة في بلد كان رائدا في هذا المجال.
المغرب راهن على إمكانياته وعلاقاته المتنوعة، التي مكنته من أن يكون من الأوائل الذي حصلوا على اللقاح من خلال شراكة مع الصين ولقاح سينوفار، وبنفس الطريقة حصل على اللقاح البريطاني استرازينيكا، في الوقت الذي لم تتمكن حليفته فرنسا من الحصول على أي لقاح حتى الآن، وهو ما جعلها تعتمد على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال.
وفي الوقت الذي انطلقت فيه عملية اللقاح بالبلدان الغنية وفي البلدان النامية مثل المغرب وجنوب إفريقيا وبلدان الخليج، فإن عددا من البلدان الفقيرة بإفريقيا لم تتوصل بأي شيء حتى الآن وبعضها لا تتوفر على الوسائل لتنظيم هذا النوع من الحملات، وهو ما جعل منظمة الصحة العالمية تعبر عن قلقها.
ومن الواضح أنه أصبح من الضروري الإسراع بتنظيم حملات التطعيم في الدول الفقيرة والناشئة، خصوصا في إفريقيا، من أجل تحقيق العدالة في الوصول إلى اللقاح وتجاوز هذا الوضع غير الطبيعي الذي يعيشه عالمنا اليوم، وهو تلقيح سكان البلدان الغنية والمتوسطة في حين لا يتمكن باقي سكان العالم من الحصول على اللقاح، خاصة أن عودة العالم إلى الحركة العادية لما بعد وباء كورونا والحجر الصحي بمختلف البلدان وعودة النقل الدولي إلى سابق عهده سوف تدفع العديد من البلدان الغنية وشركات الطيران إلى المطالبة باستقبال الأشخاص الملقحين فقط مما سيجعل باقي السكان على الهامش على مستوى التنقل والتجارة الدولية.
دول مثل السويد والدنمارك أعلنتا عزمهما تطوير «جواز سفر إلكتروني يثبت تلقي اللقاح» لتسهيل السفر إلى الخارج وأيضا حضور الأحداث الرياضية والثقافية وحتى دخول المطاعم في الدنمارك مثلا، وهو ما يشكل عقبة أمام البلدان التي لا تتوفر على اللقاح وعلى حركة تنقل سكانها.
وباء كورونا والسباق نحو اكتشاف وتصنيع اللقاح وإعطائه للسكان كشف مرة أخرى اللامساواة التي يعيشها عالمنا، وأماط اللثام عن حرب اللقاحات على المستوى الديبلوماسي,
الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 13/02/2021