وساطة ملكية
نوفل البعمري
ليست المرة الأولى التي يقود فيها الملك، باعتباره رئيسا للجنة القدس ويحمل هَما حقيقيا تجاه فلسطين وشعبها سواء في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني أو في حماية القدس من كل عمليات التهويد التي تطالها، مبادرة تجاه القضية الفلسطينية وشعبها ولن تكون المرة الأخيرة، التي يقود فيها مثل هذه المبادرات تجاه فلسطين، من منطلق الواجب التاريخي للمؤسسة الملكية تجاهها، ومن منطلق كذلك الاختيارات الملكية الواضحة تجاه النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهي اختيارات كانت دائما منسجمة مع الشرعية الدولية التي تطالب بحل الدولتين على أساس حدود67، والحفاظ على الثوابت الفلسطينية، ومنسجمة أيضا مع طموحات المنطقة والعالم على إحلال السلم.
مناسبة هذا الحديث هو ما أعلنته وزيرة المواصلات والنقل الإسرائيلية ميراف ميخائيلي، في تدوينة لها، عن الوساطة الملكية التي تُوجت بالإعلان عن فتح معبر «اللنبي» أو معبر الملك حسين، أوكما يحلو للفلسطينيين تسميته بمعبر الكرامة، بقولها «بعد جهود بذلتها بوساطة المغرب، تم الاتفاق على بدء التحضيرات لفتح معبر «اللنبي» على مدار 24 ساعة يوميا، عند الانتهاء من كافة الترتيبات اللازمة».
فهذا المعبر الذي سيفتتح بفضل التدخل الملكي له أهمية كبيرة بالنسبة للفلسطينيين، فهو يعد المنفذ الوحيد للضفة الغربية تجاه العالم، بحيث يربط الضفة الغربية بالأردن من فوق نهر الأردن على بعد 60 كلم من عمان وخمسة كيلمترات من أريحا، كما يعد المعبر الذي ظل الحجاج الفلسطينيون بالضفة الغربية يستعملونه للحج لأنه الممر الوحيد الذي يوصلهم لمطار علياء الدولي بالأردن، أضف لكل ذلك فإن إغلاقه الذي دام لسنوات كان يُعتبر بمثابة حصار حقيقي على الشعب الفلسطيني المقيم بالضفة الغربية، الذي كان قد أصبح معزولا عن العالم وممنوعا من الدخول والخروج منها بسبب إغلاقه، أضف لكل ذلك تأثيرات هذا الإغلاق على الاقتصاد الفلسطيني بسبب غياب أي نشاط اقتصادي خاصة المبادلات التجارية على صغر حجمها، التي كانت تتم سابقاً بين الضفة الغربية والأردن وتزويد السوق الفلسطينية بالمواد الأساسية، والتي يُنتظر أن تعود بعد فتحه وانتهاء كل الترتيبات اللوجيستيكية والبشرية، لهذا فقد كان لهذه الوساطة الملكية وقع إيجابي كبير على الداخل الفلسطيني، الذي ذاق ويلات هذا الحصار، ولاقت ترحيبا كبيرا في صفوفه، فالوساطة الملكية مكنت ولأول مرة في تاريخ هذا المعبر من فتحه بالشكل الذي أعلنت عنه الوزيرة الإسرائيلية منذ نكسة 67، أي أنه منذ النكسة والمعبر لم يشتغل 24 ساعة كاملة، وهذا ما أعطى رمزية كبيرة لهذه الوساطة ولقيمتها الإنسانية والتاريخية التي تعد نقلة في تاريخ المنطقة متجاوزة واحدة من آثار النكسة على حقوق الشعب الفلسطيني، وحدثاً تاريخياً غير مسبوق، وهو ما عكسته طبيعة التعاطي الإعلامي والأكاديمي والسياسي معها، سواء داخل فلسطين التي عبرت كل مكونات الشعب الفلسطيني عن شكرها للملك رئيس لجنة القدس على هذه الوساطة، وفي الداخل الأردني حيث نفس الموقف تم التعبير عنه في مختلف وسائل الإعلام الأردنية التي رحبت بالخطوة وبالمبادرة الملكية لفتح المعبر نظرا للارتباط التاريخي الموجود بين الشعبين الأردني والفلسطيني.
الوساطة الملكية التي تمت بهدوء، هي أكبر رد على كل الدعاية الإعلامية التي استهدفت الملك مؤخراً مستغلة إصابته بكوفيد19 التي كان قد أعلن عنها الديوان الملكي، ولم تكن سراً، من أجل محاولة النيل من المغرب ومؤسساته ببث سموم دعائية، وأبرزت أن الملك يشتغل من أجل فلسطين والقضايا الكبرى في كل الأوقات وفي جميع الظروف بعيداً عن التقاط الصور أو تصيد المناسبات لالتقاط صور بئيسة كالتي شاهدها الجميع في استعراض عسكري بالجزائر.
الوساطة الملكية هي رد حازم على كل الدعايات التي ظلت تردد أن المغرب قد تخلى عن فلسطين، وعن القضية، وقد ثبت في عدة مناسبات وفي هذه أن علاقة المغرب بإسرائيل سيستفيد منها الشعب الفلسطيني أكثر مما سنستفيد منها نحن، وستكون انعكاساتها الإيجابية لصالح القضية الفلسطينية أكثر من ذي قبل، أي في مرحلة القطيعة المغربية-الإسرائيلية.
الوساطة الملكية هي إعلان عن التزام ملكي واضح تجاه فلسطين، وأن فلسطين، كما سبق أن تم التعبير عن ذلك، هي انشغال ملكي دائم باعتباره أميراً للمؤمنين، ورئيسا للجنة القدس ومساهما في السلم والأمن العالميين، وهي انشغال ملكي صادق يعكس تفكيراً مستمراً في كيفية التدخل لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
الوساطة الملكية وجه آخر من أوجه مكانة المغرب خارجياً وفي بؤرة توتر حقيقية، هذه المكانة التي حظي بها هي نتيجة هذا العمل الدؤوب والكبير الذي يقوم به الملك وتقوم به المؤسسة الملكية تاريخياً وخارجيا، تعكس حجم ثقلها الدبلوماسي روحيا وسياسيا، وتأثيرها الإيجابي في النزاعات ذات البعد الإقليمي خدمة للإنسانية والسلام.
الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 18/07/2022