أزمة صامتة بين الرباط وباريس على خلفية تراجع تأثيرها بالمنطقة

باريس: يوسف لهلالي

يبدو أن السحابة التي تجتازها العلاقات بين الرباط وباريس مازالت مستمرة حتى الآن وسط صمت في الأوساط الرسمية في العاصمتين. لم يكسر هذا الصمت، إلا تصريح يتيم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمواطنين مغاربة على هامش مهرجان موسيقي بتوكي، عبر من خلاله عن رغبته في زيارة المغرب في شهر أكتوبر المقبل، وهواقتراح لم ترد عليه الرباط حتى الآن. وهي زيارة إذا تمت، ستعيد هذه العلاقة التي كانت متميزة في الماضي إلى مسارها الطبيعي، وذلك بعد أن تدهورت في الشهور الأخيرة، خاصة بفعل موضوع التأشيرة الذي أربك التعاون في العديد من المجالات بين البلدين.
وإذا كان الصمت هو السائد على المستوى الرسمي بين الجانبين، وهو ما جعل المتتبعين يطلقون عليها «الأزمة الصامتة»، فإن الحرب مشتعلة على مستوى الشبكات الاجتماعية، حيث يتمتع «المؤثرون» في هذه الشبكات بحرية أكبرفي تأويل المواقف دون الاعتماد على تصريحات رسمية، حيث «يتهم عدد من الناشطين المغاربة فرنسا الرسمية بالضلوع في أغلب الأزمات التي تعرض لها المغرب في الآونة الأخيرة»، بما فيها الأزمة مع تونس. وحسب نفس الشبكات الاجتماعية، فإن فرنسا تستعد «لنشر تسريبات كثيرة تمس رموزا وشخصيات مغربية». وهذه «التسريبات» المفترضة التي تم تداولها بشكل واسع على شبكة الواتساب، حول تسريب وثائق رسمية للمخابرات الخارجية، تبين «استعداد» بل» قرار» الأجهزة الفرنسية «شن حملة من العمليات ضد شخصيات مغربية متهمة بالتوفر على ممتلكات وحسابات بفرنسا غير مصرح بها»، بالإضافة إلى حديث هذه الشبكات عن غضب فرنسا من إقصائها من مشتريات السلاح التي قام بها المغرب في السنوات الأخيرة، والتي استحوذت عليها الولايات المتحدة الأميريكة وكذلك منح مشروع بناء القطار السريع الى الصين بدل فرنسا التي بدأت هذا المشروع، وأنجزت شطره الأول الرابط بين طنجة والدار البيضاء.
طبعا كما يقول المثل المغربي « ما كاين دخان بلا عافية»، من المؤكد أن هناك أزمة في العلاقة بين الرباط وباريس، رافقها غياب التواصل على المستوى الرسمي، والذي أججته الفترة الانتخابية التي شهدتها فرنسا من أجل إعادة انتخاب الرئيس والمؤسسة التشريعية.
وقد تم إقحام المغرب وباقي البلدان المغاربية في هذا السجال الانتخابي، من خلال إعلان فرنسا المفاجئ عن تقليص التأشيرات، بدعوى أن المغرب وباقي بلدان المنطقة لا تقبل المهاجرين بدون إقامة الذين تحاول فرنسا ترحيلهم، واتهمت السلطات المغربية بعرقلة هذه العملية، وهو ماردت عليه باريس بتقليص نصف التأشيرات الممنوحة للمغاربة ما تسبب في عرقلة التبادل بين البلدين، خاصة في الجانب الاقتصادي والعلمي بين البلدين.بالإضافة الى الاتهامات التي تداولتها بعض صحف فرنسا للمغرب، وبدون دليل، بالتجسس على الرئيس والنخبة الفرنسية بواسطة برنامج «بيغاسوس».
ومنذ تخلص المغرب من عقد الحماية، شهدت العلاقة بين البلدين أزمات بشكل دوري، كان أولها في عهد محمد الخامس والجنرال ديغول بسبب التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الشرقية والدعم الشعبي والرسمي المغربي لحرب التحرير التي قادتها المقاومة بالجزائر، وهو ما أغضب فرنسا لتعرف العلاقات بين البلدين استقرارا الى حدود وصول الاشتراكيين الى الحكم سنة 1981، حيث تأزمت العلاقة من جديد حول قضايا حقوق الإنسان وحول دعم زوجة الرئيس ميتران للانفصال ضد المغرب، لكنها تحسنت في عهد جوسبان وشيراك في عهد التناوب التوافقي الذي قاده الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، وهو نفس التحسن الذي عرفته العلاقات في عهد نيكولا ساركوزي، وعادت لتتدهور من جديد في عهد فرنسواهولاند بعد زيارة الشرطة لمقر الديبلوماسية المغربية وهو ما تسبب، إذاك، في أزمة بين البلدين.
اليوم من المفترض أن تعرف العلاقات نوعا من الاستمرارية، حيث يحكم فرنسا رئيس من الوسط وقريب من اليمين، وهي عائلة سياسية كانت دائما قريبة من المغرب ومن المصالح المتبادلة بين البلدين.
لكن يبدو أن هذه العلاقة تعرف صعوبات بفعل التحول الجيوسياسي الكبير الذي تعرفه المنطقة، والذي تميز بظهور قوى جديدة تؤثر بالمنطقة مثل الصين، تركيا وإسرائيل، والدور الذي أصبحت تلعبه روسيا ولو بشكل غير مباشر بمنطقة الساحل وانسحاب الجيش الفرنسي من مالي.
الاتفاق الثلاثي الذي عقده المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والذي اعترفت بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الأقاليم الصحراوية، وهو تحول جعل السياسة الخارجية بالمنطقة متجاوزة، كما أن سقف العلاقات المتميزة مع المغرب تحول هو الآخر والتي حددها الخطاب الملكي الاخير في أن المغرب اليوم يطالب من حلفائه الحقيقيين، الاصطفاف في الموقف الأمريكي من قضيته، والابتعاد عن المواقف المزدوجة، و أن دعم مبادرة المغرب للحكم الذاتي كحل وحيد التي تبنتها باريس منذ 2007 لم يعد كافيا اليوم لعلاقات متميزة مع الرباط، خاصة في ظل التحول الذي تعرفه منطقة الساحل الافريقي، ووضعية عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه أغلب بلدان شمال إفريقيا، حيث أصبح المغرب هو الركيزة الوحيدة لاستقرار كل المنطقة.
من المؤكد أن رسالة الرباط وصلت إلى باريس، وأن الرئيس الفرنسي يعرف جيدا ما الذي يمكن أن يرضي الرباط، لتستمر العلاقة المتميزة ولتعود الحرارة إلى خط باريس – الرباط، ويعرف ما يجب قوله في حالة التوافق على زيارة في شهر أكتوبر المقبل لأن التحول الذي يعرفه العالم والمنطقة، يقتضي تجديد هذه العلاقة على أسس واضحة.

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 07/09/2022