إسرائيل موجودة بغيرها لا بِها

محمد بودويك

 

لا يختلف اثنان في أن إسرائيل كيان غاصب ومغتصب. كيان طارئ ودخيل ، اسْتَتَبَّ له الأمر، وصارت له أرض الغير.. أرض الفلسطينيين، وطناً. لكنه وطنٌ مستزرع جيءَ بالمهندسين والعسكر و» التوراتيين «، وشذاذ الآفاق من كل جنس ولغة وتاريخ وعادات ودين مُسْتَبْضَع، ليعمروه، ليعمروا ـ فيما قالوا ظلما وجورا وزوراً ـ «أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض». صدق الغرب الكذبة الفاضحة أو تظاهر بذلك، وبلورها مع أمريكا ضمن أخادع « قانونية»، وفبركات توتولوجية وخرافية ليقنع ذوي العقول المهزوزة، والعواطف المريضة، بأن اليهود شعب مشرد مشتت يعيش التيه منذ قرون، وعاش التصفية الجسدية والاستئصالية، والعنصرية المقيتة الإقصائية بين الحربين العالميتين الكُبْرَيَيْن في القرن العشرين. اضطهاد عاناه كما لم يعانه شعب في الكون، وطرد ممنهج حشره في « غيتوهات « مضغوطة خانقة تليق بالحيوان لا بالإنسان. لُفِّقَتْ الملفات، وعقدت مؤتمرات متلاحقة بليل، وتعالت البكائيات. أدبيات وفذلكاتٌ بررت ما حدث حينها، فجَدَّ الجِدُّ من أجل إيجاد مخرج لهؤلاء المضطهدين وهم خليط غير متجانس من أمريكان وألمان وروس، وفرنسيس، وبلجيك، وإنجليز، وهولنديين، ويهود يمانيين وعراقيين وسوريين ومصريين وتوانسة ومغاربة..و,,و. أما المخرج فكان أرض الكنعانيين الفلسطينيين. وأما تثبيت القدم الصهيونية المجذومة، فتحققت تماما العام 1948 عام النكبة والتراجيديا. صِيرَ إلى طرد الساكن الأصلي بمقتضى التاريخ والجغرافيا والثقافة واللغة، والماضي والحاضر، وإسكان الطارئ الوافد القادم من كل فج عميق، ومَصر سحيق بمقتضى الظلم ومنطق القوة والغلبة الإمبريالية.
هكذا، تولى غرس الكيان الصهيوني بما توافر واخترع من أساليب المكر والاحتيال والخديعة الأوروبية والأمريكية، وما انتسج خلف الستائر العربية التي فرطت في حق ومصير شعب، بعض ذيول ذاك التفريط المأساوي، ما يعيشه الفلسطينيون إلى يوم الناس هذا. ما يعيشونه من اضطهاد وقمع وقتل وسحل وتجريف لمزروعاته وأشجار زيتونه، ومنازله، وما يكابدونه من ضنك وجوع وفقر وإبادة ممنهجة يقودها « العم سام «، والألمان، والمستوطن الإنجليزي بالأمس، وفرنسا النادمة المتذبذبة. يعيشون تحت نار فاتكة هالكة طورتها التكنولوجيا الماحقة، وبالتفرج والحوقلة التي تؤديها بنجاح، جوقة الصامتين القانتين الشاجبين على الأوراق، الباصمين على ذلك بالأقلام الذهبية اللامعة التي يباركها الإعلام المخدوم وينشرها في الناس، برهانا على « دعم لا مشروط « للشعب الفلسطيني المستهدف ليل نهار بالإبادة منهجيا في غزة وشمال الضفة.
إسرائيل كيان مصنوع ومزروع وقائم في تلك الرقعة من الكون، ب» فضل « أمريكا والغرب جملة وتفصيلا. قائم بغيره لا بنفسه إذ هو خليط هجين، ومَزْج مَسْخٌ، ومسرح لوبيات، ويمين متطرف أرعن، ودين توراتي منحول ومحرف، ومصنع تُرَّهات وأكاذيبَ وتلفيقات. كائن غير طبيعي: مدسوس وملموس في آن. وجهٌ وقفا للّوبي الصهيوني، والمسيحية المُتَصَهْينة، ومُدْيَة مسمومة ناشبة في خاصرة الشرق الأوسط بَلْهَ العالم العربي. لاحظوا كيف فرِح نتنياهو مقوس الشفة العليا الخائف من ظله، وعاد الدم إلى وجهه، بعد أن كان مخطوف اللون، حين بارك جرائمه وفاشيته، أمريكا « العظيمة « في شخص رئيسها تْرامْبْالشعبوي العريض الشاسع الذي تطوق ذراعاه الكونَ مثل « أب « يحضن أبناءه، سوى أن الفرق بينهما يكمن في أن الأول يخنق ويستل روح من يشاء متى يشاء، وأن الثاني يُغْرق فَلْذات كبده بالرأفة والمحبة والحنان. فرح نتنياهو مفهوم لأن انتصار ترامب له المعهود المعدود كباقي رؤساء أمريكا المتعاقبين، يزيد في « عمر « دولته الوالغة في دم الفلسطينيين، ويحميها من كيد « الشركاء العرب «، ومن العواصف والرعود والبروق. وهو فرح مفهوم ـ أيضا ـ لأن أمريكا تضمن له تدجين المحيطين بدولته الغاصبة، وإخراجهم من المسرح، ومن كل ما يمكن أن تُسَوِّلَه لهم أنفسُهم به، أو يوسوس الشيطان لبعضهم بأن يُقْدِمَ على « نصرة « فلسطين، النصرة الحق.
وترتيبا عليه، وأوفاق أوسْلو قد عَبثتْ بها الرياح، لا عودة للروح الفلسطينية في أفق بناء الدولة إلا بالوحدة والتوحيد: الوحدة المصيرية راهنا ومستقبلا بين منظمة التحرير الفلسطينية: الممثل الشرعي والتاريخي الوحيد للشعب الفلسطيني كما أقرت بذلك القمة العربية التي عقدت في الرباط تحت رئاسة ورعاية المغفور له الملك الحسن الثاني؛ ومعها.. مع المنظمة ، حركة حماس بطبيعة الحال.

تــــنــــــويـــــه:
* إسرائيل بها.. بنفسها: هواء فاسد وغبار. أتحدث هنا عن إسرائيل العنصرية المغتصبة الاستيطانية التي حاولت أن تُهَوِّد جرائمها، لا عن اليهود بما هم شعب مثل بقية الشعوب.

الكاتب : محمد بودويك - بتاريخ : 26/02/2025