«إصلاحات تعليم عالٍ… أم ارتجال مؤسساتي؟»

فادي وكيلي العسراوي
منذ سنوات قليلة فقط، عاشت الجامعة المغربية على وقع ما يشبه الزلزال البيداغوجي المتكرر، إذ شهدت ثلاث إصلاحات كبرى خلال أربع سنوات، في مشهد لا يمكن وصفه إلا بالارتباك المؤسساتي الخطير الذي لا يمس فقط بهيكل التكوين الجامعي، بل يضرب في العمق استقرار المسارات الأكاديمية للطلبة، والمهام البيداغوجية والعلمية للأساتذة الباحثين، ويزيد من تيه الإدارات الجامعية التي تُرهق بتطبيق إصلاحات لم تكتمل بعد حتى يتم التخلي عنها أو تعديلها من جديد.
الإصلاح الأخير الذي طُبق تحت مسمى “نظام الباشلور”، تم التراجع عنه دون تقييم حقيقي، رغم ما رُصد له من ميزانيات ضخمة في عهد الوزير الأسبق سعيد أمزازي، حيث تم تنظيم عشرات اللقاءات والورشات والمشاورات التي استهلكت المال والوقت والجهد، لكن الحصيلة كانت كارثية. أكثر من 9000 طالبة وطالب وجدوا أنفسهم أمام مسارات دراسية غير واضحة، ومستقبل أكاديمي غامض. الأساتذة بدورهم عاشوا مرحلة من الارتباك التكويني، فرضت عليهم إعادة النظر في مضامين التكوين، قبل أن يُطلب منهم العودة من جديد إلى نقطة الصفر، بسبب رؤية أخرى جاء بها الوزير السابق عبد اللطيف الميراوي وكذلك انعقد فيها عدد كبير من اللقاء ولم يكن الفرق كبيرا بين مضمون الإصلاحين، وهو الآخر صرفت فيه ميزانيات كبيرة، والذي خلف اختلالات كبيرة خاصة في ما يتعلق بنظام «روزيطا «الذي خلق تفاوتات ومشاكل تقنية وبيداغوجية داخل المؤسسات الجامعية .
اليوم، ومع الوزير الحالي ميـداوي، نعيش المشهد ذاته تقريبًا: إصلاح بيداغوجي جديد يُطرح على مجالس الجامعات، في غياب رؤية استراتيجية واضحة ومعلنة، وفي ظل صمت مريب من طرف الفاعلين الأساسيين، وعلى رأسهم مجالس الجامعات التي تُفترض فيها المسؤولية والاستقلالية واليقظة والتقييم العلمي والموضوعي لأي تغيير هيكلي.
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: هل تملك الحكومة فعلاً رؤية استراتيجية متكاملة لإصلاح التعليم العالي؟ أم أننا أمام مبادرات فردية لكل وزير، يتعامل مع الجامعة بمنطق أنا هو العارف بما تحتاجه الجامعة وهذا هو المنطق الذي عمل به الوزير عبد اللطيف الميراوي في عهد هذه الحكومة بعد توقيفه للباشلور، وكأن التعليم العالي حقل تجارب، لا ضحايا فيه سوى الطالب والأستاذ والإدارة، ولا كلفة تُحسب سوى ما يُصرف من المال العام؟
إن الهدر الجامعي لا يُقاس فقط بعدد المنقطعين عن الدراسة، بل أيضًا بعدد السنوات الضائعة، والطاقات المعطلة، والبحوث المتوقفة، والأساتذة المحبطين، والطلبة الحائرين في مستقبلهم. وهو ما يستدعي مساءلة حقيقية لمدى جدية السياسات الحكومية في هذا الورش الحساس، واسترجاع الثقة داخل الفضاء الجامعي، لا من خلال تغيير الأشكال البيداغوجية، بل عبر بلورة سياسة تعليمية وطنية، تُبنى على استمرارية الإصلاح لا على نزوات وزارية متقلبة.
الكاتب : فادي وكيلي العسراوي - بتاريخ : 11/07/2025