إضراب المحامين ومسؤولية الحكومة
ذ.محمد المموحي
في الوقت الذي كان يتوقع المحامون المغاربة أن تكون هذه السنة مناسبة لتخليد الذكرى المئوية لصدور أول قانون ينظم المحاماة بالمغرب، وأن تعمل الحكومة على معالجة الاختلالات التي تعرفها العدالة وطرح مقاربات تقوي هذه المهنة العظيمة وتوسيع اختصاصاتها تقديرا للمهام الإنسانية والحقوقية التي تقوم بها في ميدان العدالة والدفاع عن الحريات والحقوق، وتوفير شروط وضمانات المحاكمة العادلة كرافعة أساسية لدولة الحق والقانون والمؤسسات، بدل ذلك عمدت حكومتنا الليبرالية جدا، وبجرعات زائدة، إلى الدفع بالعديد من القوانين المهيكلة لضبط الولوج إلى العدالة والتحكم في شروطه، وفق معايير مالية وفئوية تضرب في الصميم العديد من المكتسبات الدستورية والديمقراطية التي ناضلت من أجلها أجيال من المحامين مع القوي الديموقراطية عبر عقود من الأزمنة الصعبة، وفي سياق النضال من أجل المشروع المجتمعي الديموقراطي.
في هذا السياق وجد المحامون المغاربة أنفسهم مضطرين إلى إعلان خوضهم لإضراب عام وشامل مفتوح حتى تحقيق ملفهم المطلبي، الذي طرحه مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب مع مختلف الشركاء المؤسساتيين، وتنكر له وزير العدل أمام وسائل الإعلام الوطنية، بشكل صادم وغير مسؤول، وهو يتهرب من أي حوار جدي مع مكتب الجمعية مما يدفع بالوضع إلى المزيد من التأزيم والقلق على مصالح الناس وعلى صورة العدالة بلادنا، وعلى مسؤولية القضاء في التعاطي مع هذه الأزمة غير المسبوقة في حالتنا الوطنية.
سؤال يطرحه الرأي العام، بقلق كبير، حيث من المفروض أن يبادر رئيس الحكومة باعتباره المسؤول الأول في السلطة التنفيذية ويفتح قنوات الحوار مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب، التي بحت أصوات رئيسها ونقبائها في مناشدة وزارة العدل للجلوس إلى طاولة الحوار، وسحب المقتضيات الماسة بالمكتسبات الدستورية والمهنية في القوانين المطروحة أمام البرلمان، تقديرا للمصالح العليا للبلاد، وحتى لا يعاد إنتاج نفس الأوضاع التي عاشتها البلاد في التسعينيات، والتي فجرها التقرير الشهير لصندوق النقد الدولي، والإعلان الشهير الذي أعلنه آنذاك المغفور له الملك الحسن الثاني بأن الأوضاع قد تؤدي بنا إلى السكتة القلبية، وهو ما تطلب التسريع بإجراء إصلاحات سياسية عميقة .
قرار الإضراب العام الشامل أصبح نافذا لا رجعة فيه وعرف نجاحات قياسية في اليومين الأولين ومارسه المحامون بأسلوب حضاري مشرف، وعرفت فضاءات المحاكم أجواء من الكآبة لم يسبق لنا أن شاهدناها حتى في أوقات الجائحة .
ولاحظنا تفهما كبيرا من المواطنين والمتقاضين الذين يتمسكون بحضور دفاعهم في مناقشة ملفاتهم وقضاياهم وحتى المعتقلين أصروا على حضور دفاعهم وتشبثوا بحقهم في مؤازرة محاميهم .
والآن، الكرة في ملعب الحكومة أن تقدم مبادرات حكيمة لحل الأزمة، لأجل صورة عدالة بلادنا وسمعة المغرب،
وإلى ذلك الحين، ستبقى المحاماة صامدة ومستقلة
مناضلة لأجل عدالة نزيهة وشفافة، ومن أجل المصالح العليا للوطن.
الكاتب : ذ.محمد المموحي - بتاريخ : 06/11/2024