إلى أين تتجه الجزائر؟!

نوفل البعمري

منذ أسابيع راسل أعضاء من الكونغرس الأمريكي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لمطالبته باتخاذ عقوبات اقتصادية ضد الجزائر، وهي الرسالة التي تفاعل معها الإعلام الأمريكي، بشكل كبير، بحيث طالبت العديد من النخب السياسية الأمريكية بضرورة فرض عقوبات وحصار اقتصادي على الدولة الجزائرية بسبب اختيارات الجنرالات الجزائريين في المنطقة، سواء بدعم التنظيمات الانفصالية الإرهابية التي تهدد السلم والأمن في المنطقة أو بسبب انحيازها الكلي لروسيا في حربها ضد أوكرانيا والغرب، وكذا تحولها لامتداد للنظام الإيراني في شمال إفريقيا، وهي اختيارات لن تجر غير الويلات على الشعب الجزائري.
نفس المطلب اليوم جدده أعضاء بالبرلمان الأوروبي في رسالة تم توجيهها لجوزيب بوريل وصل عدد الموقعين عليها إلى 17 برلمانيا أوروبيا من كتل سياسية مختلفة، يطالبون فيها باتخاذ إجراءات ضد الجزائر بسبب تبني جنرالاتها لاختيارات تغذي التوتر والتصعيد في المنطقة المتوسطية، خاصة مع تخندق النظام الجزائري مع روسيا بشكل غير متوازن، بل أصبحت الجزائر تعتبر الامتداد السياسي للصراع الروسي الغربي في المنطقة، وهو ما لم تقبله العديد من الشخصيات السياسية الأوروبية الوازنة، خاصة مع استغلال النظام الجزائري لأزمة الغاز العالمية واتجاهها نحو ابتزاز دول أوروبية كفرنسا وإسبانيا، وهو ابتزاز لم يقبله الشارع الأوروبي وشكل صدمة للطبقة السياسية الأوروبية.
في كلتا الحالتين هناك إجماع غربي اليوم يتشكل حول تبني فكرة فرض الحصار الاقتصادي والسياسي على الدولة الجزائرية وعلى هذا النظام، وهو حصار نحن كمغاربة لا يمكن إلا أن نكون متحفظين عليه، لأننا نعلم أن من سيدفع ثمنه ليس رموز النظام الجزائري ولا جنرالاته، بل الشعب الجزائري، الذي يعيش في وضعيته الحالية تحت حصار سياسي واجتماعي فرضه النظام الجزائري منذ تأسيس الدولة الجزائرية وزاد من حجمه في السنوات الأخيرة مع تزايد سطوة الجنرالات وتمكنهم من التحكم في كل مفاصل الدولة، وتم تحويل هذه الأخيرة إلى أداة فقط للسيطرة على مدخرات الشعب الجزائري وثرواته ونهبها لصالحهم، وما الأزمة الخانقة الاجتماعية التي تعيشها الجزائر إلا خير دليل على ذلك رغم أنها بلد مصدر للغاز الطبيعي، منذ سنوات، دون أدنى انعكاس إيجابي على وضعية الجزائريين والجزائريات.
النظام الجزائري اليوم، باختياراته التي يُعبر عنها سواء بتحوله لامتداد إيراني في شمال إفريقيا وتغاضيه عما تقوم به أذرع هذا النظام داخل الجزائر، خاصة بمخيمات تندوف، من خلال تجنيد عناصر مليشيات البوليساريو وتدريبهم، ثم أيضا انحيازه الكامل والمطلق لروسيا في حربها ضد أوكرانيا وأزمتها ضد الغرب في منطقة متوسطية تعرف حضوراً قويا للغرب، مع استغلال هذا النظام لأزمة الغاز للضغط على أوروبا ومحاولة دفعها لتبني مواقف سياسية ضد المغرب مقابل تصدير الغاز لهذه البلدان، رغم أن الجزائر عمليا غير مؤهلة لا اقتصادياً ولا تقنياً لتزويد أوروبا بهذا الغاز، كل هذه الاختيارات تشكل اليوم وبالاً على الشعب الجزائري، فهو من سيدفع ثمن أي حصار أو عقوبات اقتصادية على الدولة الجزائرية لأن جنرالات قصر مرداية راكموا من الثروات التي تم نهبها طيلة سنوات ما يجعلهم في منأى عن أي حصار سيكون الشعب الجزائري هو ضحيته الأولى اقتصاديا واجتماعيا.
لا يمكن إلا أن نتعاطف مع الشعب الجزائري، ونحن نرى تصاعد هذه الأصوات الغربية بضرورة فرض الحصار الاقتصادي على الجزائر، وهي أصوات ستصل لليوم الذي ستفرض فيه رغبتها، خاصة وأنها تتابع عن كثب تحركات النظام الجزائري المعاكسة لطبيعة المنطقة، ولمصالح أوروبا المشتركة مع شمال إفريقيا، وتتزايد هذه الرغبة الغربية مع تحول الأراضي الجزائرية لنقطة خلفية للنظام الإيراني بعد أن حوصر تنظيم «حزب الله» في جنوب لبنان، ولم يعد له ذلك الدور الإقليمي، الذي كان له سابقاً، ويريد تعويضه بخلق بؤرة بديلة لجنوب لبنان في شمال إفريقيا، بمحاولة نقل إيران لمليشياتها وتجربتها القتالية التخريبية إلى شمال إفريقيا عن طريق الأراضي الجزائرية التي كشف بعضها ما نقله المغرب من صور وفيديوهات لتدريبات مليشيات البوليساريو على يد الحرس الثوري الإيراني.
يبقى السؤال: هل القيادة الجزائرية تعي طبيعة اختياراتها السياسية هاته وانعكاسها على الشعب الجزائري؟ أم أن عمى الحقد السياسي تجاه المغرب وتجاه كل ما هو مغربي جعلهم يتغافلون عن الطريق التي سلكتها الجزائر، وهي طريق ستتجه بها نحو العزلة أكثر مما هي معزولة اليوم عن محيطها العربي والإقليمي والمتوسطي، ونحو حصار اقتصادي سيكون خياراً غربياً متوقعا في مواجهة الاختيارات التي يقوم بها النظام الجزائري في المنطقة، وانحرافه عن مبادئ حسن الجوار.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 21/11/2022

التعليقات مغلقة.