إننا في حاجة ماسة لحلبة سباق سياسي نظيفة

عبد السلام المساوي

إن مؤسسات الجماعات الترابية ليست ملكا للمنتخبين الفاسدين، كي يُتركوا يعبثون ويهدمون تراكماتها ومساهمتها في البناء الديمقراطي. لذلك، فقد آن الأوان لتطبيق القانون بالصرامة المطلوبة، لأن ما وصلنا إليه من اعترافات بالفساد والرشوة أمام العموم، وتصوير ذلك ونشره بتقنية البث المباشر، فاق كل التصورات. وطموح المملكة، ملكا وشعبا، في مستقبل زاهر ، لا يمر حتما من الطريق التي يسلكها هؤلاء الفاسدون المبتزون، الذين يوجد مكانهم في السجن، وعندما يغادرونه فإلى مزبلة التاريخ، لا إلى العودة لممارسة المهام ومجالسة المنتخبين والمسؤولين في وزارة الداخلية جنبا إلى جنب، مع كل ما يحمله ذلك من معانٍ سياسية كارثية ترسخ في أذهان المواطنين.
لقد تجاوزت التصريحات الخطيرة بالفساد والرشوة والنصب والاحتيال وجرائم المخدرات وغيرها، كل الحدود خلال انعقاد الاجتماعات الرسمية والتداول في نقاط جداول أعمال الدورات، ما يتطلب تدخل النيابة العامة المختصة لإعادة الأمور إلى نصابها. فالمزايدات الانتخابوية لا تعني الفوضى، وتشمل انتقاد تسيير الشأن العام المحلي، مع تقديم ما يُفيد بشأن كل اتهامات الفساد، لا تدمير وجه المؤسسات الرسمية بالتصريحات الخطيرة، والدفع في اتجاه التطبيع مع الفساد داخل المجالس الجماعية وأثناء انتخاب المكاتب المسيرة والحملات الانتخابية.
ومع اقتراب الحملة الانتخابية، يجب الحسم في شأن الملفات القضائية التي يُتابَع فيها أعضاء ورؤساء جماعات وبرلمانيون، والوضوح بشأن عودة منتخبين إلى ممارسة مهامهم بشكل عادي بعد قضاء العقوبة السجنية، وكأنهم كانوا في عطلة استجمام، بينما الحقيقة هي تورطهم في جرائم خطيرة مثل التزوير في محررات رسمية، والنصب والاحتيال، وبيع أحكام قضائية، والاتجار في المخدرات.
وعندما نتحدث عن الحاجة إلى تشريعات قانونية جديدة، فإن الأمر ليس ترفا قانونيا، وإنما يتعلق بمواكبة فعالة للتحولات السياسية المتسارعة، ومحاصرة فيروس الفساد المتحوّر، ومنع تزكية الفاسدين الذين سبق أن تمت متابعتهم قضائيا، وذوي السوابق العدلية، وتوقيف الأعضاء الذين يغادرون السجن عن ممارسة مهامهم، وضمان عدم عودتهم إلى التسيير.
يجب تقدير تبعات تمييع دورات المجالس الجماعية على المديين القريب والمتوسط، وردع اختيار منتخبين وبرلمانيين ربطوا علاقات مع شبكات للتشهير والابتزاز على المنصات الاجتماعية. وقد تطور الأمر سريعا لينتقل من مهاجمة الفرقاء السياسيين والصحافيين إلى مهاجمة مسؤولين كبار في الداخلية، والتشهير بهم، وإقحامهم في تسريبات خطيرة، دون اعتبار للمنصب وهيبة المؤسسات التي أصبحت على المحك.
وفي ظل السعي لتخليق الحياة السياسية بالمغرب، أصبح من الضروري تحرك السلطات المختصة استباقيا لمنع استغلال المال العام في الحملات الانتخابية، مع الانتباه لتدبير كواليس التطاحنات الحزبية التي لا تحترم أدنى الأخلاقيات والتنافس الشريف، بعيدا عن المساس بالسلم الاجتماعي، وتدمير وجه المؤسسات العمومية، وكسر ما تبقى من ثقة بين المواطن والمجالس المنتخبة.
لقد عادت الأحزاب إياها لعادتها القديمة في ركوب مآسي الأحياء الشعبية، وتهييج الاحتجاج على سوء الخدمات وغياب المرافق الضرورية، علما أن المجالس المعنية هي السبب في كل المشاكل، لتورط رؤسائها في التشجيع على الفوضى والعشوائية، حيث تلتحق جل القيادات الحزبية في كل مناسبة انتخابية بجوقة المحتجين على سوء الخدمات، وترمي بالكرة في مرمى الدولة التي يُلقي الكل بثقل فشله عليها ليخادع الرأي العام ويربح الأصوات، متهافتا على سباق الأرقام الانتخابية، لا البرامج التنموية.
يجب العمل على ضمان تكافؤ الفرص في التنافس الانتخابي في المرحلة المقبلة، ومحاربة الأموال السوداء في استمالة الناخبين، بالشكل الذي يُغري الشباب بالمشاركة السياسية، واستقطاب الطاقات والكفاءات التي يمكنها إحداث الفارق في تجويد الخدمات العمومية بنكران للذات، عوض إعادة تدوير العاهات السياسية بمبررات واهية، وتجريب المجرّب سابقا رغم ثبوت فشله وتورطه في قضايا الفساد.
إننا في حاجة ماسة إلى حلبة سباق سياسي نظيفة واحترافية، بروح وطنية عالية، وبرامج وأهداف واقعية، وتنافس انتخابي خال من الضربات تحت الحزام، واحترام للمتنافسين، واحترام للقوانين التي تؤطّر اللعبة السياسية في كل الأحوال، والقبول بالخسارة، والعودة لانتقاد الذات وترتيب البيت الداخلي، لا الخروج للبحث عن مشجب يُعلّق عليه الفشل، والحديث عن كائنات غير مرئية تتحكم في الكواليس، مع التزام الصمت عند الفوز بالمنصب وتذوق حلاوة السلطة.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 20/05/2025