الأزمات بين سؤال المعطيات وأوهام الرغبات

عبد السلام المساوي

 

كثيرا ما يجد المرء نفسه، وهو في معرض تقديم رؤيته وتصوره لأزمة من الأزمات السياسية، امام من يبادره بالسؤال حول مدى تفاؤله او تشاؤمه تجاه مستقبل او واقع حل تلك الأزمة. وهو سؤال غير دقيق، على ما يبدو، لأنه ينقل المحلل السياسي، من التعامل مع معطيات الأزمة الموضوعية ومحاولة التعرف على رهاناتها الضمنية او المعلنة بالنسبة لمختلف اطرافها بغاية استشراف مستقبلها من حيث الحل او من حيث التعقيد والتفاقم، الى مجال الحالة النفسية لمن يقوم بهذا التحليل، في مرحلة ما من مراحل مقاربته للازمة. مع العلم انها حالة لا تغير شيئا، ولا يمكن ان تغيره في اي وقت من الأوقات على مستوى معطيات الأزمة ورهاناتها المختلفة، باعتبارها مستقلة تماماً عن رغبات المحلل السياسي.
ويبدو ان إخراج أي أزمة من ارضيتها الموضوعية وربطها بعوامل نفسية ما، لا يجانب الصواب في الرؤية اليها فحسب، وإنما يساهم، ايضا وأساسا، في ابعاد المهتمين بها عن الطريق الوحيدة القادرة على معالجتها بشكل فعال، وهي النظرة اليها بما هي أزمة سياسية لا علاقة لها بالنوازع الشخصية والأهواء التي تكون لدى هذا الطرف او ذاك تجاهها، وخاصة اذا كان هذا الطرف يتموقع خارج حلبة الأزمة كما هو شأن اي محلل سياسي او ما هو مفترض فيه على اقل تقدير.
صحيح ان العوامل العاطفية والنفسية قد تلعب أدوارا غير قابلة للتجاهل في كل عمل تعبوي وتجييشي للمؤيدين والأنصار لدفعهم الى الانخراط بمزيد من القوة والثبات في أتون الأزمة، لتقوية حظوظ كل طرف في كسب رهاناتها، بقدر ما يتوفر له من عناصر القوة والتأثير في مجريات احداث الأزمة، خاصة في مراحلها المفصلية، غير ان هذا يندرج ضمن إطار آخر تماما ولا علاقة له بمدى جرعة تفاؤل لدى هذا الطرف او جرعة تشاؤم لدى الطرف الآخر.
من هنا، فإن السؤال الحقيقي تجاه كل أزمة، ومحاولة تحليلها، ينبغي ان يتمحور بالأساس حول طبيعتها واسبابها الموضوعية والسياسية، وحول توافق او عدم توافق هذا التحليل او تلك المقاربة مع ما هو جوهري من تلك الأسباب، ومدى امتلاك أدوات مقاربتها، وبلورة حلول ممكنة لها، ضمن شروط الصراع الحقيقية وموازين القوة الفعلية بين اطرافها المباشرة او غير المباشرة، في ضوء تصور محدد لتبادل المصالح بين فرقاء الأزمة، عندما يتم التوصل الى حل يراه الجميع محققا لما هو جوهري من حقوقه او مطالب يرى انها من صميم تلك الحقوق.
غير ان هناك حالات تصبح فيها الازمة عبئا لا يطاق بالنسبة لأطرافها جميعهم او لأطرافها الأكثر تأثيرا في مجرياتها بحيث يستحيل عليها مواصلة العمل على تغذيتها ماديا وسياسيا بما يزيد من تفاقمها ويطيل من عمرها إدراكا منها ان الأزمة لم تعد مثمرة على صعيد تحقيق مصالحها الأساسية وانما تحولت على العكس من ذلك الى مصدر خطر حقيقي عليها ما لم تتم المبادرة الى محاصرتها والعمل على إنهائها بما يحد من تلك المخاطر.
وبهذا المعنى، يمكن التأكيد على ان الأزمة قد تتغير مظاهرها وبعض ابعادها مع مرور الزمن ينبغي للمقاربة المعتمدة في التعامل معها ان تظل ضمن مجال رؤيتها لمواكبتها ورصد التغيرات الممكن ان تحدثها على صعيد مفردات الأزمة وقابليتها او عدم قابليتها للحل على هذا المدى او ذاك. ذلك ان منطق التطور الخاص للنزاعات السياسية والمسلحة لا يخضع دائماً وأبدا لإرادة المبادرين الى تحريكها وانما يقوم على قواعد تحدثها تطورات الصراعات السياسية والميدانية مع مرور الوقت بحيث تصبح هذه الاخيرة هي التي تملي على مختلف الأطراف كيفية التعامل مع تلك التطورات وغالبا ما يكون ذلك بخلاف المنطق الذي تحكم فيها عند انخراطها في الصراع وفق تصور ليس بالضرورة متوافقا مع التصورات التي تمليها عليها محددات ميادين الصراع والمواجهة.
وعلى أساس هذا التصور في النظر الى الأزمات والصراعات السياسية والميدانية فقط يمكن فهم مدى التباين في مساراتها والتنوع في نتائجها بالشكل الذي رأيناه في مصر وليبيا وسورية واليمن والعراق بأحد المعاني. اي ان حسابات الحقل. في المجالات السياسية والعسكرية. لا تتطابق دائماً مع حسابات البيدر. وهذا ما يفرض ضرورة الالتزام، ما أمكن، بالتحليل الموضوعي للواقع ومعطياته خارج سيطرة رغبات لا تنفع بالتأكيد بل وستكون ضارة أيضاً.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 30/11/2023