الأغلبية الحكومية لم تصوت على مشروع وزارة العدل
عبد الكبير طبيح
فهل ستسحبه الحكومة؟
تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي مقالا يحمل توقيع وزير العدل ويظهر أن محرره كتبه بقلق كرد فعل غير مفهوم على نقاش عادي هم مشروع قانون المسطرة المدنية. كان من المفروض عليه أن يثمن وأن يشجع مثل هذه المبادرات، لأن تشجيع تداول النقاش العمومي في أي نص من القانون من شأنه تحقيق مبدأ التشاركية المنصوص عليها في الدستور، ويرفع من قيمة بلدنا بين الدول الديموقراطية التي تولي أهمية بالغة للرأي العام فيها.
كما أنه من غير المتنازع فيه أن الدولة الديموقراطية هي دولة الحق والقانون، أي أن القانون الذي تريد حكومة معينة أن تطبقه على المواطنين يجب أن يكون حاميا لحقوق المواطنين ومحصنا ومطورا لها لما فيه خير الدولة والمجتمع، ولسنا في دولة القانون التي تفرض فيه حكومة معينة قانونا على المواطن حتى ولو كان مخالفا للدستور، معتدة فقط كونها تملك أغلبية عددية في البرلمان، علما أن النقاش الذي دار حول مشروع قانون المسطرة المدنية شارك فيه خيرة أساتذة كلية الحقوق المتخصصين في قانون المسطرة المدنية وقضاة ومحاميات ومحامون وعدد من المهتمين بمجال القانون سواء بواسطة مقالات أو محاضرات، في الجامعة وفي البرلمان وفي غيرهما من الأماكن.
وجه الانفعال والقلق يتجلى في العبارات التي استعملها محرر المقال، وهي عبارات تغرف مما يتجنبه الراشدون في التعامل مع الغير، أي التعامل بتواضع العارف المتسم بالاحترام عندما يتوجه بالكلام إلى غيره، وليس التعامل الذي لا يتحكم حتى في قلمه ويتركه ينفلت عن التعقل والرزانة ليكتب عبارات لم تعد تتداول حتى في الدرك الأسفل من ثقافة أي مجتمع.
وكمثال على هذه العبارات التي نجد أن محرر المقال قد أثث بها مقاله نذكر:
(التأويلات الشاذة….) و(تقديم قراءة شاردة….) و(التشكيك في دستورية المشروع…) و(تسفيه عمل المؤسسات…) و(ممارسة نوع من الوصاية على ممثلي الأمة…). و(الفئوية الضيقة…..). «. وغيرها من العبارات التي لا تليق لا بالصفة ولا بالاسم الذي وقع بهما ذلك المقال.
علما أن استعماله لعبارة (الفئوية الضيقة…) قصد بها محرر المقال المحاميات والمحامين، بشكل متعمد، وبدأ بها مقاله في الفقرة الأولى منه، وختم بها نفس المقال في الفقرة الرابعة قبل الأخيرة منه، وهو ما سأعود إليه في ما بعد.
مع العلم أن النقاش الذي عرفه مشروع قانون المسطرة المدنية هو نقاش من مستوى عال، لا نقول بأنه يترجم الحقيقة إذ لا أحد من بيننا يملكها كاملة، بل هو نقاش فيه تعبير عن الآراء قد تكون صائبة وقد تكون غير ذلك، لكنه نقاش يريد تشغيل مقتضيات الدستور، فكان لزاما على محرر المقال أن يرتقي بعقله ويحاول أن ينهل مما هو أعلى وأرقى من التعابير والكلمات والجمل، وهو يحاول الإجابة عن تساؤلات المواطنين، وليس أن يرجع إلى عبارات مصدرها الدرك الأسفل من الكلمات !
وحتى لا نقف عند هذه الملاحظة ذات الصلة بآلية الخطاب الأخلاقي التي يجب أن يسلكها الإنسان العادي، فإن محرر المقال أراد الرد على الانتقادات التي وجهت للمادة 17 الجديدة، فحاول استعمال بعض الصيغ التي يستعملها المجلس الدستوري والمحكمة الدستورية، وهما صيغة (إن القانون غير مخالف للدستور). وصيغة (ليس في القانون ما يخالف الدستور)، وكأنه يريد أن يسبق لإصدار حكم دستوري على المشروع غير ملتفت لدور المحكمة الدستورية.
ومع ذلك فإن محرر المقال لم يميز بين الصيغتين، أي لم يعلن هل مقتضيات المادة الجديدة 17 هي مطابقة للدستور أم أنها فقط ليس فيها ما يخالف الدستور، بل استعمل عنفا لفظيا غير مسبوق وغير مقبول أن يصدر باسم من عهد له بأكبر وزارة في أي حكومة في الدول الديموقراطية.
وبما أن المقال موقع باسم عضو في الحكومة، أي رجل سياسي بحكم مهامه، فإن ما ورد في ذلك المقال يستلزم ردا سياسيا، وبعد ذلك ردا حول حقيقة خرق المشروع للدستور.
حول الرد السياسي على ما ورد في المقال
الملاحظة السياسية الأولى
من غير المفهوم، سياسيا، أن ينشر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل للرأي العام في اليوم الموالي الذي حضر فيه رئيس مجلس النواب المنتمي لنفس الأغلبية الحكومية، وهو المقال الحامل لرأي مخالف لرأي رئيس مجلس النواب، لا في أسلوب التعامل ولا في الخلاصات التي انتهى إليها رئيس مجلس النواب.
ولقد استمع كل المتتبعين للإذاعة الخاصة التي استقبلت السيد رئيس مجلس النواب، وهي إذاعة محترمة ويديرها صحافيون معترف لهم بالمهنية وباهتمامهم بالشأن العام في دقائقه التي تلامس حياة المواطنين.
والكل لاحظ التفاعل المسؤول لرئيس مجلس النواب مع نقاش المجتمع المتعلق بمشروع قانون المسطرة المدنية، كما لاحظ الجميع استعماله للعبارات والكلمات والهدوء الذي يترجم وعي الرجل بالمسؤولية التي يجب أن يراعيها من يعهد له بتدبير الشأن العام.
ذلك التفاعل الإيجابي مع النقاش المجتمعي ترجم من قبل رئيس مجلس النواب بإعلانه على قرار إحالة مشروع القانون على المحكمة الدستورية بعد أن تنتهي مسطرة التصويت عليه في المجلسين، وهو موقف يسجل بإيجابية لرئيس مجلس النواب، ويشكل تجاوبا عاليا ومختلفا كل الاختلاف عن الأسلوب والعبارات والكلمات التي اختارها محرر المقال الموقع باسم وزير العدل في رده على نقاش مجتمعي راقي.
ومن الملاحظ أن محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل اختار التموقع في موقف معاكس بشكل واضح لموقف رئيس مجلس النواب، مع أن هذا الأخير يعتبر الشخصية الثانية في الأغلبية الحكومية بعد رئيس الحكومة، والشخصية الثالثة في هرم الدولة، وصاحب صوت مسموع في القرارات السياسية للحكومة بحكم موقعه كذلك في الحزب الأول في الحكومة.
هذا الموقف المعاكس الذي اتخذه محرر المقال يطرح إشكالا سياسيا كبيرا وسؤالا حول مدى انسجام تدبير وزارة العدل مع السياسة العامة للحكومة في مجال العدالة التي يترأسها رئيس الحكومة.
ويمكن مقارنة الأسلوب والعبارات التي رد بها رئيس مجلس النواب على أسئلة الصحافيين، ومع الأسلوب والعبارات التي استعملها محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل، الذي ردد عدة مرات جملا وعبارات أراد أن يحتمي خلفها من أجل إعطاء شرعية مزعومة لمنع أي نقاش حول مشروع القانون، مثل استعماله لعبارات: (التشكيك في دستورية المشروع…)-(تسفيه عمل المؤسسات…)-(ممارسة نوع من الوصاية على ممثلي الأمة…).
هذه العبارات المتسمة بالعنف اللفظي البالغ الأثر السيء، ما كان على محرر المقال أن يوجهها لمن يبدي رأيه في مشروع قانون، لأنها عبارات تخدش الحياء العام، في العمق، وتتعارض مع واحد من الحقوق الأساسية التي أتى بها دستور 2011 وهو حرية الرأي والتعبير.
الملاحظة السياسية الثانية
هي مستخلصة من كون محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل، وهو يحاول اتهام الغير بفرض وصاية على ممثلي الأمة نسي أنه هو من أراد فرض وصايته على ممثلي الأمة.
ذلك أن محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل يعلم بكون مشروع قانون المسطرة المدنية لم تعترض عليه فرق المعارضة فقط بل لم تصوت عليه الأغلبية المطلقة من الأغلبية الحكومية.
وأنه يظهر أن محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل لا يعلم بأن الأغلبية الحكومية في مجلس النواب تتكون من 292 عضوا، بينما الذين صوتوا لفائدة المشروع من نواب الأغلبية الحكومية لم يتجاوز 103 أعضاء، أي أقل من ثلث الأغلبية الحكومية، وتضامن معهم صوت لعضو واحد مسجل مع المعارضة.
وهو ما يعني أن 189 من نواب الأغلبية الحكومية لم يصوتوا على مشروع وزير العدل، أي أن هذا الأخير لم يستطع إقناع أغلبيته الحكومية التي ينتمي إليها في مجلس النواب بكون مشروعه مطابق للدستور ويحمي حقوق المتقاضين.
فكيف يحتج محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل على من يوجد خارج مجلس النواب ويكتفى فقط بمناقشة ذلك المشروع.
إن ممثلي الأمة الذين يتكلم عنهم محرر المقال لم يصوتوا على مشروع قانون المسطرة المدنية، لأن 189عضوا من الأغلبية الحكومية يضاف لها 35 من المعارضة لم يصوتوا على مشروع قانون المسطرة المدنية. أي ما مجموع 224 عضوا من أعضاء مجلس النواب، أي أكثر من الأغلبية المطلقة لمجلس النواب، بينما عدد الذين صوتوا من الأغلبية هو أقل من ثلث أعضاء مجلس النواب.
محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل إما أنه لا علم له بالسياسة ولا بمشروع القانون ولا كيف تم التصويت عليه، أي أنه خارج دائرة تتبع الشأن العام، أي أنه طلب منه كتابة ذلك المقال، فقام بتحريره بناء على ما سمع به فقط أي ب «الدمغي»، كما يقول المغاربة، وهذه مصيبة سياسية، وإما أن محرر المقال الذي يحمل توقيع وزير العدل هو عالم ومتتبع لذلك المشروع وعارف بكون المشروع لم تصوت عليه الأغلبية الحكومية، ومع ذلك أخفى هذه المعلومة عن الرأي العام في مقاله، وهنا تكون المصيبة السياسية أعظم.
وبما أن المشروع لم تقبل به الأغلبية المطلقة للأغلبية الحكومية، فإن ذلك يفسر في علم الفكر السياسي والتقاليد البرلمانية بكون ذلك المشروع فاقد للشرعية السياسية، أي فاقد لقبول ممثلي الأمة به، كيف يمكن لمحرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل الادعاء بكون مشروعه يمثل إرادة ممثلي الأمة، بينما العكس هو الصحيح، أي أن ممثلي الأمة لم يصوتوا على ذلك المشروع.
وفي نظر محرر المقال: من الذي يفرض الوصاية على إرادة ممثلي الأمة؟ هل الذين يناقشون مشروع القانون أم الذي ينسب لممثلي الأمة أنهم وافقوا على ذلك المشروع؟ بينما الحقيقة هي عكس،ي أن ممثلي الأمة لم يصوتوا على ذلك المشروع.
والخلاصة التي يريد محرر المقال التعتيم عليها هي الفشل في إقناع ممثلي الأمة بمشروعية قانونه، سواء ممثلي الأمة المنتمين إلى أغلبيته الحكومية أو ممثلي الأمة المنتمين للمعارضة.
والحقيقة السياسية المرة التي أراد محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل التستر عليها هي أن الأغلبية المطلقة لجميع أعضاء مجلس النواب لم تصوت على مشروعه،
فكيف يتهم محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل من أبدى رأيه فقط في مشروع القانون بكونه يشكك ويسفه ممثلي الأمة والمؤسسات بينما الأغلبية المطلقة لممثلي الأمة كذبوا هذا الادعاء بعدم تصويتهم على المشروع أصلا.
من المفروض أن محرر المقال يعلم بأن القوانين العادية لم يشترط الدستور للتصويت عليها أي نصاب حضور أعضاء مجلس النواب لا في حده الأعلى ولا في حده الأدنى، بخلاف الأمر عندما يتعلق بالتصويت على القوانين التنظيمية.
وعدم نص الدستور على نصاب معين بالنسبة للتصويت على القوانين العادية ليس راجعا لسهو أو خطأ من قبل المشرع الدستوري، بل هي إرادة واعية ومؤسسة على مبدأ إلزامية حضور كل أعضاء مجلس النواب بمجرد افتتاح السنة التشريعية بخطاب لجلالة الملك.
فحضور أعضاء البرلمان هو حضور قائم ومحقق إما بالحضور الفعلي في الجلسة العامة أو بحضور مفترض دستوريا، لهذا لا يوجه رئيس المجلس استدعاء فرديا وشخصيا للنواب لحضور الجلسات العادية.
ومن المفروض كذلك على محرر المقال، وهو يخوض في مجال السياسة أن يعلم أن غياب عضو من أعضاء مجلس النواب أثناء عملية التصويت يفسر سياسيا، في كل البلدان الديمقراطية، بكونه تعبيرا عن رفض العضو للمشروع برفض التصويت لإجازته.
لهذا تابع الرأي العام الموقف الحازم والمسؤول الذي أعلن عنه رئيس مجلس النواب في نهاية التصويت بكونه سينشر أسماء أعضاء مجلس النواب الذين لم يحضروا للتصويت لفائدة مشروع وزارة العدل، واعتبر أن الحاضرين سيدخلون التاريخ، بينما في رأيي فإن الذين سيدخلون التاريخ هم 224 عضوا من مجلس النواب الذين لم يصوتوا لفائدة مشروع وزارة العدل، وهذا العدد الكبير من أعضاء الأغلبية الحكومية الذين لم يصوتوا على مشروع وزارة العدل يشكل سابقة برلمانية وفشل في إقناع الأغلبية الحكومية بما ورد في المشروع.
لهذا فإن الحكومات في الديموقراطية عندما تعارضها أغلبيتها ولا تصوت لها على مشروع قانون معين فإنها تقوم بسحب ذلك القانون، وتعتبر، أي الحكومة، أن الوزارة التي كلفت بذلك المشروع قد فشلت في إقناع أغلبيتها، فما بالك بإقناع المعارضة أو المجتمع بكامله، مع أن ما يطالب به المجتمع بخصوص مشروع قانون المسطرة المدنية ليس فيه مطالبة تكاليف مالية إضافية على الميزانية سترهق مالية الدولة بل فقط المطالبة بالإبقاء على حق المواطن في اللجوء الحر إلى القضاء بدون تهديده بالحكم عليه بالغرامة، وبدون تمييز بينه وبين من يملك مالا أكثر منه، وبدون تمييز بين جهات المملكة، لأن الدستور يمنع التمييز بين المواطنين في ما بينهم، وبينهم وبين الإدارة.، وبين جهة وأخرى، كما هو واضح من الفصل 6 من الدستور.
وعندما يدعي محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل بأن النقاش لم يقدم أي أمثلة على خرق المشروع للدستور فإنه يؤكد، مرة أخرى، جهله المطلق بالنقاش الدائر حول المشروع وكذا عدم اطلاعه المطلق بمجرياته وبكونه لم يتابع على الإطلاق ما دار فيه، لأن الأساتذة الجامعيين والقضاة والمحاميات والمحامين والحقوقيين تناولوا المشروع فصلا فصلا من كل جوانبه، وقدموا الأمثلة الدامغة على خرق بعضها للدستور.
فمحرر المقال كان عليه، كما تفرضه ممارسة السياسة بالأخلاق، أن يستفسر أولا لماذا الأغلبية الحكومية المطلقة في مجلس النواب لم تصوت له على مشروعه، وليس أن يواجه بالعنف اللفظي كل من أبدى رأيه في ذلك المشروع.
أما بخصوص الأمثلة على خرق الدستور في مشروع القانون فسنعرض بعضا منها لتذكيره.
حول التمييز بين المواطنين المبني على المال
عندما ينص المشروع على أن المواطن الذي يطالب بدينه بمبلغ 30.000.00درهم، أي ثلاثة ملايين سنتيم، فإن المدعي إذا رفضت المحكمة طلبه فلا يحق له استئنافه، وأن المدعى عليه الذي صدر الحكم ضده يمنعه المشروع من الحق في ممارسة الاستئناف، بينما من يرفع دعوى أو ترفع عليه دعوى بأكثر من ذلك المبلغ يمكنه ممارسة الحق في الاستئناف، أليس هذا تمييزا بين المواطنين الممنوع بمقتضى الفصل 6 من الدستور؟
حول التمييز بين المواطن والإدارة
عندما يتضمن المشروع كون الطعن بالنقض الذي تمارسه الجماعات الترابية وغيرها من المؤسسات المنصوص عليها في المادة 383 من المشروع، يوقف التنفيذ عندما يصدر الحكم ضد هذه المؤسسات لفائدة المواطن، بينما عندما يصدر الحكم ضد المواطن لفائدة هذه المؤسسات فإن طعنه لا يوقف تنفيذ الحكم ضده، أليس هذا تمييزا بين المواطن وبين تلك المؤسسات، الممنوع بمقتضى الفصل 6 من الدستور؟
قد يقال إن ذلك التمييز مبرر بكون تلك المؤسسات تتصف بما يعرف بـ «ملاءة الذمة»، وهو الأمر الذي لا نختلف حوله لذا كان على المشرع أن يضيف جملة في تلك المادة تمنع التمييز بين المواطن وتلك المؤسسات، بأن يعتبر الطعن بالنقض الذي يمارسه المواطن ضد تلك المؤسسات موقفا للتنفيذ بعد إيداع المبلغ المحكوم به بكتابة الضبط في انتظار بت محكمة النقض، كما يمكن للحكومة أن تجتهد في خيارات أخرى باعتبارها هي صاحبة المشروع لتحترم الفصل 6 من الدستور !
حول التمييز بين الجهات
الأكيد أن محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل يقطن في مدينة الرباط، المدينة التي أصبحت اليوم من أجمل مدن العالم إلى أن سميت بمدينة الأنوار، لهذا وبينما هو في مكتبه المكيف، أخذ قلمه وخط وحكم بكون المواطن ليس من حقه ممارسة الطعن بالاستئناف عندما يتعلق الأمر بمبلغ 30.000.00 درهم.
وهذا يثبت أن محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل لا علم له ولا يتتبع كون عدة مناطق ببلادنا تعتبر هذا المبلغ مبلغا كبيرا، وأن عدد القضايا التي تعرض على محاكم في بعض الجهات تتعلق بمبلغ يقل عن مبلغ 30.000.00 درهم، أي أن كل مواطني هذه الجهات والأماكن سيحرمون من الحق الدستوري في ممارسة الاستئناف لحكم أضر بهم.
هذه بعض الأمثلة التي ادعى محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل بأن النقاش لم يذكر أي مثال على خرق المشروع للدستور.
.,
حول الشق المتعلق بخرق مسطرة التشريع
يتبين بكل وضوح أن محرر المقال خصص مقاله فقط لمحاولة الرد على الانتقادات التي وجهت للمادة 17 التي فرضتها وزارة العدل في الجلسة العامة، وهي الانتقادات التي تعددت بتعدد المهتمين الذين اعتبروا أن تلك المادة مخالفة لأبسط قواعد مسطرة التشريع، كما هي منصوص عليها في الدستور، ومن بين تلك الانتقادات المقال الذي نشرته تحت عنوان (الحكومة تعيد الحياة لكل ما من شأنه).
في رده على تلك الانتقادات اعترف محرر ذلك المقال بكون المادة التي صوت عليها مجلس النواب هي مادة جديدة، وهو نفس ما عبرت عنه في مقالي ذاك.
اعتراف وإقرار محرر المقال بكون مقتضيات المادة 17 هي مقتضيات جديدة ليس تخيلا ولا تأويلا بل هو الحقيقة التي كتبها بخط يده في الفقرة 8 من مقاله، والذي نجد فيه ذلك الاعتراف ممثلا في الجمل التالية:
1-… تعديل جديد تحت اسم «المادة 17»، تعديل جديد بصيغة جديدة، ولم يكن تعديلا على المادة 17 غير الموجودة أصلا، وبالتالي لم «يبقى» (كما كتبها محرر المقال بينما الصحيح هو لم يبق) لها أي وجود لا فعلي ولا قانوني».
2-عند خروج المشروع من اللجنة، لذلك لم تقدم الحكومة تعديلا على المادة 17 «غير الموجودة أصلا»
3- قررت رفع تعديل جديد إلى الجلسة العامة تحت اسم «المادة 17» بشكل جديد وصيغة جديدة.
المادة 17 التي صوت عليها أقل من ثلث الأغلبية الحكومية هي مادة جديدة، لم تخضع للمسطرة الدستورية الواجبة المتمثلة في عرضها أولا على مكتب المجلس، وثانيا في مناقشتها في لجنة العدل، قبل عرضها في الجلسة العامة،
فالدستور يلزم عرض كل مقتضى قانوني جديد على مسطرة التشريع التي تنص عليها الفصول 80 و82 و83 منه. وهو ما لم تقم به الحكومة.
فهل من ينبه لوجوب سلوك مسطرة التشريع التي يلزم الدستور بالخضوع لها يوصف بالتشكيك وتسفيه ممثلي الأمة والمؤسسات، وبكونه يدافع عن الفئوية الضيقة، هل يعقل أن يصدر هذا الاتهام الخطير في مقال يوقعه وزير العدل.
وفي مجال محاولة تبرير محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل حقه في عرض مقتضيات جديدة على الجلسة العامة دون احترام لمسطرة التشريع التي ينص عليها الدستور، استشهد محرر المقال، في الفقرة 13 من مقاله، بقرار للمجلس الدستوري يحمل رقم 931 بتاريخ 10/12/2013، بدون أن ينتبه إلى كون ذلك القرار يعاكس ما ذهب إليه محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل، ولا يؤيد ما ذهب إليه.
وبالفعل فإن المجلس الدستوري فسر مفهوم التعديل المسموح به للحكومة ولأعضاء مجلس النواب بكونه يشمل (التنقيح والتغيير والتصحيح والحذف والإضافة…)، وأنه من غير الحاجة لعلم كبير فإن عمليات التنقيح والتغيير والتصحيح والحذف والإضافة تنصب كلها على مادة موجودة فعلا في المشروع المعروض على الجلسة العامة.
وأن عدم وجود أي مادة أو مقتضيات قانونية تحت رقم17 في المشروع، كما أحيل على الجلسة العامة، هو ثابت بإقرار محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل نفسه، عندما كتب في الفقرة 8 من مقاله بكون المادة 17 غير موجودة لا فعلا ولا قانونا.
وأنه ينتج عن قرار المجلس الدستوري أن مفهوم التعديل يجب أن ينصب على مادة موجودة، أما المواد الجديدة فلا يمكن اعتبارها تعديلا، مما يعني أنها يجب أن تخضع لمسطرة التشريع الدستورية من عرض على مكتب المجلس وعلى اللجنة المختصة، وبعد ذلك على الجلسة العامة، وهو ما لم تقم به الحكومة عند عرضها للمادة 17 الجديدة.
بل إن محرر المقال استشهد بقرار آخر للمجلس الدستوري يلزم الخضوع لمسطرة التشريع الدستورية المنصوص عليها في الفصول 80و82 و83، وهو القرار الذي قضى بكون رقابة المجلس تنصب على محاضر الجلسات العامة وليس على عمل اللجان البرلمانية.
وأن محرر المقال وهو يستشهد بهذا القرار لم يلتفت إلى كونه يعاكس ما يحاول الدفاع عنه.
ذلك إذا كان المجلس الدستوري يراقب عملية التشريع من خلال محاضر الجلسات العامة فإن محضر الجلسة العامة الذي صوت فيها على مشروع القانون يتضمن أن لجنة العدل عندما أحالت المشروع على الجلسة العامة كان المشروع لا يتضمن أي مقتضيات قانونية تحت رقم 17 في ذلك المشروع لأنها لم يبق لها أي وجود لا قانوني ولا فعلي بعدما حذفتها لجنة العدل بإجماع المعارضة والأغلبية، وكذلك الحكومة، كما أقر بذلك محرر المقال، ويضمن أن الحكومة أحضرت مباشرة للجلسة العامة مقتضيات قانونية جديدة بدون علم مكتب المجلس ولا علم لجنة العدل، أي تشهد على خرق واضح لمسطرة التشريع المنصوص عليها في الفصول 80و82و83 من الدستور.
حول الشق المتعلق بمضمون المقتضيات الجديدة تحت رقم 17
إن المقتضيات الجديدة تحت رقم المادة 17 قدمها محرر المقال وكأنها آلية جديدة لحماية النظام العام ولحماية المتقاضين.
لكن سرعان ما سيكتشف محرر المقال أن تلك الآلية موجودة فعلا منذ 1974، عندما نقل الفصل 382 من قانون المسطرة الحالية، التي تعطي لوزير العدل صلاحية مطالبة الوكيل العام بإبطال بعض الأحكام، لكن من الملفت للنظر أن محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل استشهد بالفصل 382 من قانون المسطرة الحالي الذي ألغاه مجلس النواب، ولم يلتفت إلى المادة 407 من نفس المشروع التي أبقت على نفس المقتضيات وتم تعديلها فقط بأن أعطت نفس الاختصاص لوزير العدل وللوكيل العام معا، وكان يكفي لمحرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل أن تصاغ المادة 407 بصياغة تشريعية محكمة بمهنية المشرع لتجيب عن الغرض المطلوب بدون هذا الضعف في صياغة المشروع.
إننا نعيد التذكير بخرق الدستور الذي تحمله صياغة المادة 17 والمتمثل في ما سبق لي أن ضمنته في المقال تحت عنوان (الحكومة تعيد الحياة لكل ما من شأنه) مع التركيز أكثر على ما يلي:
1-إن المادة 17 الجديدة كلفت الرئيس المنتدب للسلطة القضائية بمهمة جديدة لم يكلفه بها لا الدستور ولا القانون التنظيمي المتعلق بالسلطة القضائية، ولا القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساس للقضاء، وهي مهمة طلب التصريح ببطلان حكم أصدره قاضي صدرت في حقه عقوبة تأديبية.
وهذه المهمة الجديدة هي تغيير لمهام الرئيس المنتدب، كما هي منصوص عليها حصريا في الدستور وفي القانونين التنظيميين.
وبما أن محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل يدافع عن تعديل الدستور وتعديل القانونين التنظيميين بواسطة قانون عادي، أليس هذا هو الخرق الواضح للدستور.
2-إن الأخطر من ذلك هو أن محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل لم يتوقف عند تغييره لمهام الرئيس المنتدب الدستورية بواسطة قانون عادي بل إنه وضع للرئيس المنتدب قيودا على ممارسة هذه المهمة الجديدة، وهي قيود لا وجود لها في المادة 17 بل ضمنها محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل في الفقرة 20 من مقاله.
وأنه بالرجوع إلى تلك الفقرة يتبين منها أن محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل أصبح هو المشرع والمحكمة الدستورية، وفسر للرئيس المنتدب الكيفية التي يتعين عليه الخضوع لها عندما يريد ممارسة المهمة الجديدة التي أسندها إليه، إذ ورد في ذلك أن الرئيس المنتدب ممنوع عليه مبدئيا ممارسة المهمة الجديدة إلا في الحالات النادرة. كما ورد في تلك الفقرة:
(….لا يمكن أن تستعمل إلا في بعض الحالات النادرة…).
فمحرر المقال أضاف من عنده شرطا وجه به إنذارا للرئيس المنتدب بعدم استعمال ما تنص عليه المادة 17 إلا في الحالات التي سماها محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل بالنادرة.
وهو ما يدفعنا إلى فهم الفكر الذي حرر تلك المادة، وكذا الفكر الذي حرر به المقال الحامل لتوقيع وزير العدل.
3- إن محرر المقال اتهم من انتقد صياغة تلك المادة بكونهم يمسون باستقلال القضاء، مع أن الذي صاغ تلك المادة وضمن فيها أن القاضي أو الهيئة سواء أكانت ابتدائية أو استئنافية أو محكمة النقض الذي سبق لها أن أصدرت الحكم هي نفسها التي يجب عليها ان تصرح ببطلان حكمها إذا ما طلبه الوكيل العام لمحكمة النقض أو الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
فمن الذي يمس باستقلال السلطة القضائية، هل الذي يدافع عن قدسية الأحكام القضائية وفق ما ينص عليه الفصل 126 من الدستور الذي ورد فيه («الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع) واحترام القاضي الذي أصدرها، أم محرر المقال الذي صاغ المادة 17، وألزم بها نفس القاضي بأن يصرح ببطلان الحكم الذي أصدره سواء أصدره بشكل فردي أو جماعي، ابتدائي أو استئنافي، من طرف غرفة واحدة من محكمة النقض أو من طرف جميع غرف محكمة النقض.
حول استعمال محرر المقال لعبارة (الفئوية الضيقة)
من المؤسف أن يختار محلل المقال الحامل لتوقيع وزير العدل هذا المستوى من العبارات التي يقصد بها نساء ورجال مهنة المحاماة، وهي العبارة التي بدأ بها محرر المقال مقاله في الفقرة الثانية منه وأنهي بها نفس مقاله كما يتبين من الفقرة الرابعة قبل الأخيرة منه.
لكن الذي لا يعرفه محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل هو أننا- المحاميات والمحامين- لسنا أصحاب فئوية ضيقة، بل نحن نجسد حقوق الدفاع التي ينص عليه الدستور والقوانين في المغرب وفي أرقى الدول الديموقراطية.
ونسجل، بكل أسف، أنه لم يسبق لأي وزير للعدل من الوزراء الذين عرفتهم بلادنا أن وصف المحاميات والمحامين بهذا الوصف القبيح، وهو وصف يترجم جرأة زائدة عن اللزوم غير مفهوم الغرض منها، قد يراد من ورائها محاولة إثبات سلطة على المحامين هي سلطة معدومة من أصلها.
وهذا النعت القبيح لا يضير المحاميات والمحامين في شيء، بل نحن نفتخر بمن هو أكبر من محرر المقال الحامل لتوقيع وزير العدل، نفتخر بكون جلالة الملك الحسن الثاني، رحمه الله، اختار أن يكون محاميا لو لم يكن ملكا، وعززنا ذلك الافتخار كون جلالة الملك محمد السادس ارتدى بذلة المحاماة وهذا انشراح كبير.
إن عبارة (الفئوية الضيقة) هي عبارة ذات محتوى قبيح لا يليق بأن تكتب في مقال يحمل توقيع وزير العدل، لأنه إذا كان وزير العدل في فرنسا يسمى حافظ الأختام، فإن وزير العدل في المغرب يختاره جلالة الملك لنحر الكبش بمناسبة ازدياد ولي عهد المملكة، كما فعل وزير العدل المرحوم محمد بوزوبع، فأين نحن من هذا وذاك؟
وكما هو ملاحظ من المقال المذكور فإنه وقف فقط على التعليق على الانتقاد الذي وجه للمادة 17، بينما لم يبرر كيف حافظ على مواد تعاقب المواطن على حقه في الولوج للقضاء بتهديده بالحكم عليه بالغرامة من جهة، وعليه أن يؤديها ليس لفائدة المتضرر المزعوم من سوء نية المحكوم عليه، بل لفائدة الخزينة التي ليست طرفا في الدعوى ولا متضررة من التقاضي بسوء نية !؟
وللحديث بقية…
الكاتب : عبد الكبير طبيح - بتاريخ : 09/08/2024