الأممية الإشتراكية بعنوان الصداقة المغربية- الإسبانية
عبد السلام المساوي
إن مركز الثقل، في الأممية الاشتراكية وتحديث الفكرة الإشتراكية، يوجد حاليا في شبه الجزيرة الايبيرية، حيث الحزب الإشتراكي الإسباني والحليف الجار في البرتغال، جددا الإشتراكية الديموقراطية، وأعطاها قوة إثبات الجدوى، بعد خفوت، إن لم نقل خبو الفكرة في معظم أوربا …
ولا بد من التذكير بأن الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يظل الحزب الوحيد في شمال إفريقيا، العضو في الأممية الإشتراكية الذي حافظ على تواجده المؤسساتي .
فهو عكس العديد من الأعضاء في هذه الأممية، الذين رحلوا برحيل أنظمتهم، كما في تونس ومصر، ظل قائما ، وحافظ على وجوده المؤسساتي الذي يجعله شريكا فعليا لكل الاحزاب المتواجدة معه في المنظمة الدولية الأكثر حضورا …
خلال إجتماع الأممية الاشتراكية المنعقد يومي 7 و 8 يوليوز 2022، قدم الوفد المغربي رسالة من الأستاذ إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الإشتراكي الى رئيس الحكومة وزعيم الحزب الإشتراكي العمالي بيدرو سانشيز، يشكره على ؛
شجاعته أمام الشعب الإسباني والعالمي؛
دعمه للوحدة الترابية المغربية؛
تأكيده على أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي الأساس والأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية النزاع المفتعل، في إطار تسوية ترضي جميع الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة .
الوفد المغربي شكر رئيس الحكومة الإسباني على موقفه، باعتباره رافعة حقيقية للدفع بين الشعبين المغربي والإسباني لمنحى جديد بسياسة أكثر شفافية بين الجارين .
رئيس الحكومة وزعيم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني عبر عن سعادته بلقاء وفد الاتحاد الاشتراكي الممثل بعضوي المكتب السياسي، الأختين خولة لشكر وعائشة الكرجي، كما أكد سانشيز أنه يعتبر نفسه أكبر صديق للمغرب، وأكبر مدافع عن العلاقة بين الشعبين الإسباني والمغربي، وعن مصيرهما المشترك، في إطار التآخي، التآزر والعمل سويا يدا في يد لتحقيق الإزدهار للشعبين.
ادريس لشكر:
إسبانيا اختارت الجانب الصحيح من التاريخ
تذكير؛
يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأستاذ إدريس لشكر في حوار أجرته معه اليومية الاسبانية الواسعة الانتشار ABC نشرته في عددها ليوم الأربعاء 7 أبريل 2022، يقول « …نحن سعداء أن أصدقاءنا الإسبان، وخاصة بالحزب الاشتراكي العمالي، تمكنوا من تجاوز الإرث الفرنكاوي وطي صفحته الإمبريالية. فالقادة الاشتراكيون بإسبانيا لهم معرفة دقيقة بتاريخ الصراع وحيثياته، كما أنهم يعون أن التنمية والاستقرار لخدمة الانسان أولا، والإنسان هنا هم بنات وأبناء الصحراء وساكنتها التي تنعم بالاستقرار والأمن والنماء الذي تعرفه كافة مناطق المغرب الجنوبية .
وبالنسبة لنا فقد امتلكت اسبانيا الذكاء الاستراتيجي في قراءة التحولات التي تطرأ على غرب المتوسط، الشيء الذي جعلها تختار الجانب الصحيح من التاريخ، المفتوح على المستقبل والازدهار والسلام .»
استوعبت جارتنا الشمالية بمنطق الصداقة الدائم أن البقاء في المكان كله للأصلح، وفهم أصدقاؤنا هناك (والمغرب ظل دائما وأبدا يعتبرهم أصدقاء رغم كل شيء) أن الرهان يكون لدى الدول العاقلة على الجدية، وعلى الالتزام، وعلى روح المسؤولية، وعلى مراعاة المصالح المشتركة مراعاة حقيقية .
العالم تغير أو في طريق التغيير الجذري، وما كان في السابق مناطق رمادية في تدبير المواقف والاتجاهات والتحالفات، ينبغي اليوم أن يخرج الى شمس الوضوح .
فلم يعد ممكنا تخيل «رجل هنا ورجل هناك «، في سباق دولي متوتر وسريع التحول، ينذر بكثير من المفاجأت .
هذا بالضبط ما فعلته إسبانيا، وما تفعله دول أخرى اقتنعت أن الموقف الحاسم والخروج من منطقة الحياد السلبي، هو الطريق المستقيم إلى العالم الجديد والتموقع فيه .
ففي الموقف السياسي من الصحراء، لا تعرض إسبانيا ، في الواقع، جديدا حين اعتبرت مبادرة الحكم الذاتي، مبادرة ذات مصداقية وجدية وواقعية لحل النزاع في الأقاليم الجنوبية، وهو موقف عبر عنه المنتظم الدولي منذ 2007، وتأخرت مدريد في تبنيه . لكن ما نعتبره لافتا للانتباه هو اعتراف اسبانيا، لأول مرة، بأهمية الصحراء بالنسبة إلى المغرب، وهو اعتراف يمكن قراءته من وجهة نظر التحليل الجيوستراتيجي، بمثابة اعتراف بسيادة كاملة للمغرب على جميع أراضيه من طنجة الى الكويرة، وهو الموقف نفسه المعبر عنه من قبل أمريكا .
والواقع أن إسبانيا أدركت، متأخرة، أنه يستحيل بناء أي علاقة سوية مع الجارة الجنوبية، دون المرور من الطريق السيار للصحراء المغربية، وتفادي أساليب الالتفاف التي ظلت تستعملها مدريد في العقود الماضية، وكانت تستغل من قبل الأعداء، لإدامة عمر نزاع مفتعل .
يقول الأستاذ إدريس لشكر: « …إسبانيا والمغرب جاران وشريكان استراتيجيان، والتطور الإيجابي في الموقف الإسباني سيسمح بفتح صفحة جديدة في هذه الشراكة، وستكون مثمرة للشعبين الصديقين «.
الأكيد أن هناك خطوات جادة متبادلة ورغبة مشتركة لتعزيز التعاون بين البلدين تضمن أمن واستقرار وازدهار منطقة حوض المتوسط، وهو مسار طبيعي ناجم عن الرغبة الصادقة في طي صفحة الماضي، وتجاوز نقاط الخلاف والتطلع الى الأمام، في إطار مرحلة جديدة، قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة، والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق .
إن التكامل والعمل المشترك بين المغرب بثقله الإفريقي وأهميته الاستراتيجية والأمنية ومحوريته في منطقة جنوب المتوسط، مع الجارة الإسبانية بموقعها الأوروبي شمال المتوسط، وحجمها داخل الاتحاد الأوروبي وموقفها الإيجابي المحايد والنزيه من وحدتنا هو في صالح الدولتين والمنطقة والعالم بأسره .
كل شيء إذن يدل على أننا بصدد صفحة جديدة تماما في علاقات البلدين، قوامها التفاهم المشترك، والحوار لحل مختلف القضايا، فضلا عن التنسيق والتشاور في ما يتصل بشتى القضايا الإقليمية والدولية، وبما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، وهذا يعني أن علاقات الأمس ليست علاقات اليوم وغدا .
كان الأولى أن تحذو الجزائر حذو إسبانيا
يقول الأستاذ إدريس لشكر « …إنها فرصة للنظام الجزائري لتجاوز أخطاء الماضي والتوجه نحو المستقبل. «
أنا أتساءل: لماذا هذه الرعونة في التعامل مع إسبانيا في حين أن دولا أخرى سبقت الإسبان لنفس الموقف كفرنسا وألمانيا، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية ودول الجامعة العربية وعديد الدول بإفريقيا وأمريكا اللاتينية تعترف بمغربية الصحراء ولم يقم النظام الجزائري بأي رد فعل تجاه هذه الدول؟ إذن لماذا المزايدة على الإسبان ؟
كان الأولى أن تحذو الجزائر حذو اسبانيا في موقفها الشجاع والحكيم والواقعي، وتساهم في جعل حوض البحر الأبيض المتوسط بحيرة للسلام والمستقبل المشترك. « طبعا الزلزال الدبلوماسي الذي أحدثه الموقف الاسباني الذي طبخ على نار هادئة، أخرج حكام الجزائر عن طوعهم، ودخلوا في هستيريا دبلوماسية دفعت نظام «الكابرانات» الى استدعاء سفيرهم في مدريد للتشاور دون مراعاة القرارات السيادية للدول ، ودون احترام حتى سمفونية الحياد الدبلوماسي التي ظلت ترددها أكثر من أربعة عقود، فلطالما اعتبر النظام الجزائري أنه طرف غير معني بتاتا بملف الصحراء المغربية، بل إنه يرفض في كل مرة المشاركة في جلسات التفاوض السياسي بحضور المغرب وجبهة الانفصال والجارة موريتانيا، لكن الموقف الإسباني أثبت لمن كان يتعلق بذرة من الشك أن الجزائر هي الطرف الوحيد في نزاع اختلقته، ورعت أداته الانفصالية والارهابية، ماليا وعسكريا، للمس بوحدة أراضينا أما الباقي فتفاصيل غير مهمة .
لكن ما لم يستوعبه النظام الجزائري البائد، هو أن الخريطة الجيواستراتيجية تغيرت جذريا على المستوى العالمي، وأن العالم أصبح في حاجة إلى لدول مدنية موثوقة ومستقرة وذات مصداقية، وليس الى دول هشة تبني شرعيتها على اختلاق توترات إقليمية ودفع رشاوى دولية للمس بسيادة جيرانها، والخلاصة أن الجزائر فاتها القطار ومن صرف ماله على تقسيم الدول، مات غما وحسرة بقرارات صادمة وهذا حال الجارة الشرقية. وطبعا لن تستطيع فعل أي شيء لتغيير ما يجري بكل بساطة لأنها دولة هامشية وهشة، وحتى استدعاء سفيرها بمدريد أو ربما اختلاق أزمة مع إسبانيا، لا يعدو أن يكون فصلا آخر من فصول مسرحية كوميدية، ويكفي أن نتذكر إهانة فرنسا للدولة والتاريخ الجزائري، حيث استدعى الكابرانات سفيرهم بباريس، وبعدها بأسابيع أعادوه بدون ماء وجه وأنى لهم أن يملكوا ماء الوجه .
أما الحركات البهلوانية المبتذلة لجماعة البوليساريو، فنحن أكبر من الرد عليها في هذا المقام، لأن الحديث يكون، في العادة، مع الشيوخ، وليس مع المريدين التابعين .
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 09/07/2022