الأمني، السياسي والحقوقي في زيارة دي ميستورا للصحراء

نوفل البعمري

 

مع اقتراب موعد تقديم ستافان دي ميستورا لإحاطته، وكذلك رئيس بعثة المينورسو لتقريره حول الجانب التقني/العسكري في مهمة البعثة، لابد من العودة إلى الزيارة التي نظمها المبعوث الأممي للمنطقة، وهي تعتبر أول زيارة له للصحراء منذ تعيينه في مهمته، وهي الزيارة التي تأتي في إطار سياق عادي مرتبط بإعداد إحاطته إلى جانب رئيس بعثة المينورسو، والتي ستسبق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة ثم صدور القرار الأممي.
الأكيد أن هذه الزيارة تعاطى معها المغرب من خلال وضعها في سياقها الأممي، لكن أيضا طرحت عدة تحديات مختلفة كانت المنطقة على موعد معها في ظل البروبغاندا التي قام بها تنظيم البوليساريو وبعض بقايا عناصره داخل الأقاليم الصحراوية الجنوبية، وهي تحديات يمكن إجمالها في التحدي الأمني ثم التحدي السياسي.
1- التحدي الأمني:
منطقة الصحراء وقد استقبلت ستافان دي ميستورا كانت أمام تحد أمني كبير غير مرتبط بتأمين الزيارة بل بضمان عدم قيام أية حوادث أمنية قد تؤثر عليها ويكون لها انعكاس سياسي سلبي.
لقد استطاعت المؤسسات الأمنية محليا أن تضمن مرور الزيارة ببرنامجها الحافل بدون أن تكون هناك أية احتكاكات مع العناصر الانفصالية، التي كانت تراهن، من خلال الاستفزازات التي قامت بها بعض بقايا البوليساريو في الصحراء، على خلق توتر في الشارع يُعطي انطباعا كاذبا وخاطئا لستافان دي ميستورا بأن الشارع الصحراوي متوتر، وهو رهان فشل أمام التحرك الأمني الاحترافي الذي تم القيام به ليس فقط لتأمين الزيارة، بل في التعامل مع هذه الاستفزازات التي تم القيام بها بحيث كانت العناصر الأمنية المختلفة بالعيون ومركزيا، أمام هذا التحدي الكبير، لماذا نقول تحديا كبيرا لأنه كانت هناك بروبغندا موازية تُحاول إظهار العيون وكأنها تعيش حالة «طوارئ» أمنية ووضعية غير طبيعية، خاصة وأن زيارة ستافان تضمنت أيضا القيام بجولة في مدينة العيون وشوارعها التي مكنته من معاينة طبيعة الحياة بهذه المدينة وحقيقة الوضع الاجتماعي قبل الأمني.
لقد كسب المغرب رهانه الأمني في هذه الزيارة الذي كانت تحدياً حقيقيًا ومجال صراع مع خصوم المغرب الذين فشلوا في جعل المدينة تعيش توترًا مصطنعًا وحوادث مفبركة كانت تهدف توريط الأجهزة الأمنية بالمدينة لمحاولة إحياء طرح « الانتهاكات الجسيمة الحقوقية بالصحراء»، التي كانت محور مداخلات العناصر الانفصالية التي التقت ستافان دي ميستورا مما يؤكد وجود تنسيق مسبق بين من تم دفعهن للشارع بمقابل مادي لالتقاط الصور وبين العناصر التي التقته، لكن هذا المخطط انهار أمام حكمة الأجهزة الأمنية واحترافيتها في التعاطي مع هذه الحوادث الصغيرة، كما انهار سابقا طرح «توسيع مهمة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان».
هذا المكسب الذي تحقق كان له ارتباط بتحد آخر لا يقل أهمية هو التحدي السياسي المرتبط بالملف ككل.
2- التحدي السياسي:
كان لزيارة ستافان دي ميستورا وجهها السياسي الرئيسي الذي له علاقة بالمسار السياسي الأممي الذي أطلقته الأمم المتحدة بالمعايير الجديدة، التي وضعتها لطي الملف، وهي معايير تلتقي وتتبنى مبادرة الحكم الذاتي كأرضية وحيدة للتفاوض والحل، لهذا كان للقاءاته هذا الطعم السياسي من خلال تلك التي جرت مع مختلف الفعاليات خاصة منها المنتخبين بالمؤسسات المحلية والوطنية من برلمانيين وبرلمانيات، الذين كان لهم خطاب واضح ليس فقط على مستوى تبني مبادرة الحكم الذاتي بل من خلال تقديم مختلف التطورات التي شهدتها المنطقة، وكانوا جزءاً منها باعتبارهم ممثلين للساكنة الصحراوية ومنتخبين ديموقراطيا من طرفهم.
لقد كانت هذه اللقاءات في جوانبها السياسية تشكل أكبر دعم للمبادرة المغربية لأنها سمحت لستافان دي ميستورا بمعاينة التحولات المؤسساتية البنيوية التي شهدتها الأقاليم الجنوبية، والتي مكنته من متابعة مباشرة لمختلف البنيات المحلية القادرة على استيعاب المنتخبين المحليين وجعلهم في صلب البناء الديموقراطي المحلي، مما شكل دعمًا سياسيا للمبادرة المغربية ليس فقط على المستوى النظري بل على المستوى العملي المؤسساتي، مما سيساهم في دفع ستافان دي ميستورا إلى تبني رؤية سياسية واضحة ليس فقط تلك المستندة إلى قرارات مجلس الأمن، أيضا على مستوى قدرة المغرب بشكل عام على تهيئة بنية مؤسساتية محلية تتميز بالاستقرار والفعالية وتعكس التعددية السياسية التي تتواجد بالمنطقة، هذه البنية التي تعتبر اليوم المؤهلة لتنزيل مبادرة الحكم الذاتي من خلال تطور التجربة الديموقراطية المحلية.
3- التحدي الحقوقي :
التحدي الثالث الذي شهدته الزيارة بشكل عام هو التحدي الحقوقي على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، من خلال إبراز المشاريع التنموية والمهيكلة للاقتصاد الاجتماعي المحلي، الذي يبرز استفادة المنطقة على مستواها البشري والبنية التحتية من المشاريع الاقتصادية التي دشنها المغرب في مدينتي العيون والداخلة، ومن خلالهما كل الصحراء، تدشين هذه المشاريع يُعتبر الرد الاجتماعي على كل دعاوي أطروحة الخصوم المرتبطة بدعاية « استنزاف المغرب للثروات الطبيعية للصحراء»، وهي دعاية اصطدمت بهذا الواقع الذي عاينه دي ميستورا على مستوى زيارته لمدن الكفاءات واستماعه لعرض المدير الجهوي للتكوين المهني وإنعاش الشغل، ثم زيارته للمستشفى الجامعي بالعيون وكلية الطب التي تم تشييدها والتي ستستوعب الطاقات الشابة الجامعية الصحراوية، وغيرها من المشاريع التي زارها المبعوث الأممي بما فيها زيارته للمدينة التي عاين بها طبيعة الحياة العادية التي يعيشها الصحراويون كدلالة على اندماج الساكنة المحلية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية محلياً.
إلى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كانت لقاءات ستافان، التي تمت برمجتها، مناسبة ليطلع فيها على دور اللجان الجهوية لحقوق الإنسان سواء بالعيون أو الداخلة، وهي اللقاءات التي استمع فيها لمجال تدخل هذه اللجان الذي يتم وفقا لمعايير باريس، وفي استقلالية وحيادية عن مؤسسات الدولة الرسمية، وهو ما ساهم في دفع وضعية حقوق الإنسان إلى التطور خاصة مع لعب هذه المؤسسات دورها في النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها وتدخلها في هذا الإطار ضمن حالات، بغض النظر عن الموقف السياسي لأصحابها، إن هذه اللجان وعملها إلى جانب المجتمع الحقوقي الحقيقي المستقل عن الدولة وعن الأطروحة الانفصالية التي استمع لها ستافان دي مستورا ولعروضها حول مجال اشتغالها في حماية حقوق المرأة والطفل والمعاقين ومختلف الحقوق المدنية أصبحت تقاريرها الحقوقية تعتبر إطارًا مرجعيا في عدة لجان أممية.
بالمقابل كان دي ميستورا على موعد مع عناصر انفصالية تدثرت بغطاء حقوق الإنسان، لكنها حولت اللقاء إلى خطاب سياسوي يعكس فشل هذه التنظيمات الذيلية للبوليساريو في تقديم أطروحة حقوقية حقيقية حتى لو كانت متبنية «لطرح استفتاء تقرير المصير»، بحيث كل ما قدمته هذه العناصر من خلال التصريحات والفيديوهات التي عممتها على وسائل التواصل الاجتماعي مجرد «خطب» سياسوية تعكس حالة التسابق والهرولة نحو وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق «سبق سياسي»، في إطار الصراع الدائر بين هذه العناصر حول الغنائم القادمة من المخيمات.
لقد استطاع المغرب في هذه الزيارة أن يخرج منتصراً من الناحية السياسية من خلال حالة التفوق التي جسدها على الواقع، وهو واقع عكسته مختلف الإصلاحات السياسية والاقتصادية ذات الطابع الاجتماعي، التي تمت معاينتها سواء بالعيون أو الداخلة، هذا الانتصار السياسي يجب أن يكون مقدمة لانخراط الأمم المتحدة بشكل أكثر جدية ووضوحا في طي هذا الملف بشكل نهائي ووضع جدولة زمنية واضحة لحله وإنهاء معاناة ساكنة المخيمات سواء سمحت الجزائر للبوليساريو لينخرط في هذا المسار السياسي أم لا، فالواقع اليوم يقول إن المغرب استطاع أن يُنجز في هذه المنطقة مشاريع تنموية كبيرة وأن يبني مؤسسات قوية مؤهلة لتنزيل مبادرة الحكم الذاتي.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 09/10/2023

التعليقات مغلقة.