الإسلام‭ ‬السياسي ؟ ‬ديكتاتورية «الفكرة‮»

عبد السلام المساوي

إشكالية‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬أنه‭ ‬وصل‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الشعوب،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الانقلابات،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حد‭ ‬من‭ ‬بسطه‭ ‬لسلطته‭ ‬التي‭ ‬يتمناها،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬بسطها‭ ‬فعلا،‭ ‬فلن‭ ‬يتمكن‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬نزعه‭ ‬منها‭.‬
‭ ‬تتعارض‭ ‬فكرة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬مع‭ ‬الديموقراطية،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬بعكس‭ ‬ذلك،‭ ‬فالمجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬يخطط‭ ‬له‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬أبدا‭ ‬بالتعددية،‭ ‬ولا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالرأي‭ ‬الآخر،‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تشريعات‭ ‬كثيرة،‭ ‬تضعه‭ ‬والتنظيمات‭ ‬والجمعيات‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬له‭ ‬أمام‭ ‬حرج‭ ‬كبير،‭ ‬فمن‭ ‬الحرية‭ ‬الفردية‭ ‬إلى‭ ‬حرية‭ ‬الاعتقاد،‭ ‬إلى‭ ‬مبدأ‭ ‬تداول‭ ‬السلطة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬أحد‭ ‬بقبول‭ ‬‮”‬‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬‮”‬‭ ‬له،‭ ‬لأنه‭ ‬لو‭ ‬قال‭ ‬بذلك‭ ‬فهو‭ ‬تلقائيا‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬الذي‭ ‬يولده‭ ‬وهو‭ ‬‮”‬‭ ‬الولاية‭ ‬الإسلامية‭ ‬‮”‬‭ ‬و‭ ‬‮”‬‭ ‬إقامة‭ ‬الشرع‭ ‬والشريعة‭ ‬‮”‬‭ ‬،‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬بأنه‭ ‬هو‭ ‬الصواب‭ ‬الوحيد‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬وفكرة‭ ‬قيام‭ ‬المشروع‭ ‬نفسه‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬هذا،‭ ‬ومبنية‭ ‬على‭ ‬ولايتها‭ ‬المطلقة‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬‮.‬
‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬للجماعات‭ ‬والتنظيمات‭ ‬الإسلامية‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬قامت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬غير‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬فيها‭ ‬الشعوب‭ ‬للمطالبة‭ ‬بالحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬والكرامة،‭ ‬لذلك‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬لهذه‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الصبر‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬يؤمن‭ ‬بأنه‭ ‬صاحب‭ ‬الحق‭ ‬المطلق،‭ ‬وأنه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬المطلق‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التمهيد‭ ‬لذلك‭ ‬عبر‭ ‬إجراء‭ ‬تغيير‭ ‬تام‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬ليتناسب‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬‮…‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬وضع‭ ‬فيها‭ ‬الفقهاء‭ ‬نظاما‭ ‬بالغ‭ ‬الدقة‭ ‬والتعقيد،‭ ‬يوحي‭ ‬بديموقراطية،‭ ‬ولكنها‭ ‬أشد‭ ‬ديكتاتورية‭ ‬من‭ ‬أعتى‭ ‬الديكتاتوريات،‭ ‬أي‭ ‬ديكتاتورية‭ ‬‮”‬‭ ‬الفكرة‭ ‬‮”‬،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬مقبلة‭ ‬عليه‭ ‬مصر‭ ‬لولا‭ ‬ثورة‭ ‬30‭ ‬يوليوز‭ ‬2013،‭ ‬حيث‭ ‬سئل‭ ‬مرشد‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬السابق‭ ‬مهدي‭ ‬عاكف‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المقابلات‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬مشروعهم‭ ‬قد‭ ‬استتب،‭ ‬فقال‭ ‬إن‭ ‬المشروع‭ ‬الإخواني‭ ‬لا‭ ‬يستتب‭ ‬سوى‭ ‬بأخونة‭ ‬الدولة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينجز‭ ‬سوى‭ ‬بتغيير‭ ‬القوانين‭ ‬لتتناسب‭ ‬وفكرة‭ ‬‮”‬‭ ‬الولاية‭ ‬‮”‬‭ ‬‮.‬
‭ ‬الديموقراطية‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬قائمة‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬عدد‭ ‬أنصاره‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬أغلبية‭ ‬صارت‭ ‬الصندوق،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬صارت‭ ‬‮”‬‭ ‬الشرعية‭ ‬‮”‬،‭ ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬أقلية‭ ‬صارت‭ ‬‮”‬‭ ‬الشرع‭ ‬‮”‬‭ ‬أو‭ ‬‮”‬‭ ‬الشريعة‭ ‬‮”‬‭ ‬‮…‬ومثل‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬الهلامي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقبض‭ ‬عليه‭ ‬شيء،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يقول‭ ‬سوى‭ ‬ما‭ ‬يحدد‭ ‬مصلحته‭ ‬‮.‬‭ ‬إذ‭ ‬لحد‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬يحدد‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬فهما‭ ‬واضحا‭ ‬للديموقراطية‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬‮”‬‭ ‬و‭ ‬الشريعة‭ ‬‮”‬‭ ‬التي‭ ‬يتبناها،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬لدى‭ ‬دخول‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬السياسي‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الواضح‭ ‬للديموقراطية،‭ ‬ليس‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬صندوق‭ ‬الانتخاب‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬حقوق‭ ‬الأقليات‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬مواطنة‭ ‬عادلة،‭ ‬تكفل‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬لهم‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنهم‭ ‬مواطنون،‭ ‬لا‭ ‬رعايا‭ ‬أو‭ ‬‮”‬‭ ‬أهل‭ ‬ذمة‭ ‬‮”‬‭ ‬‮.‬
‭ ‬إن‭ ‬فشل‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬إبان‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭ ‬يأتي‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬عليه،‭ ‬فالشرع‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬عليه‭ ‬فكرة‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬يوجب‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يمكنوا‭ ‬لدولتهم‭ ‬قبل‭ ‬التمكين‭ ‬للمواطن‭ ‬فرص‭ ‬العيش،‭ ‬فانشغل‭ ‬الإسلاميون‭ ‬بأسلمة‭ ‬دولهم‭ ‬،‭ ‬قبل‭ ‬توفير‭ ‬الفرص‭ ‬الكريمة‭ ‬للمواطنين‭ ‬للعيش‭ ‬‮….‬انشغلوا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬لإدخال‭ ‬كوادرهم‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬العامة،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬بإعداد‭ ‬قوانين‭ ‬ومواد‭ ‬دستورية‭ ‬يرونها‭ ‬ممكنة‭ ‬لهم‭ ‬ولشرعهم،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينشغلوا‭ ‬بالإنسان‭ ‬‮….‬الأولويات‭ ‬التي‭ ‬رأوها‭ ‬والتي‭ ‬أوجبها‭ ‬عليهم‭ ‬الشرع‭ ‬الذي‭ ‬يعتقدونه،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬قضت‭ ‬عليهم‭. ‬
‭ ‬اللصوصية‭ ‬والانتهازية‭ ‬بدت‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الإسلاميين‭ ‬منذ‭ ‬البدايات‭ ‬المبكرة‭ ‬‮.‬‭ ‬وحين‭ ‬وجدت‭ ‬الشعوب‭ ‬نفسها‭ ‬بين‭ ‬مطرقة‭ ‬الإسلاميين‭ ‬وسندان‭ ‬الديكتاتوريات،‭ ‬تمسكت‭ ‬بحلم‭ ‬دس‭ ‬في‭ ‬عسله‭ ‬سم‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬وحين‭ ‬تسنموا‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬ويا‭ ‬الغرابة‭ ‬ويا‭ ‬للفاجعة،‭ ‬استخدموا‭ ‬نفس‭ ‬أساليب‭ ‬الديكتاتوريات‭ ‬من‭ ‬إقصاء‭ ‬وتهميش‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬بخبث‭ ‬يرتدي‭ ‬لبوس‭ ‬الدين‭ ‬‮/‬‭ ‬الزاد‭ ‬المخدر‭ ‬للبسطاء‭ ‬المنتظرين‭ ‬ربا‭ ‬يعدل‭ ‬في‭ ‬معاملتهم‭ ‬‮…‬وكانت‭ ‬وقاحتهم‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬‮.‬‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكد‭ ‬حبر‭ ‬كلمات‭ ‬شعاراتهم‭ ‬وخطاباتهم‭ ‬يجف‭ ‬حتى‭ ‬انقلبوا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وتحولوا‭ ‬من‭ ‬قيمين‭ ‬على‭ ‬مصير‭ ‬شعب‭ ‬وأمة‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬أو‭ ‬جماعة‭ ‬تقيس‭ ‬الناس‭ ‬بطول‭ ‬لحاهم‭ ‬وسبحاتهم،‭ ‬وتصدر‭ ‬‮”‬‭ ‬فرمانات‮”‬‭ ‬التحريم‭ ‬والتحليل‭ ‬ناسفة‭ ‬عقودا‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬تبدو‭ ‬قمة‭ ‬في‭ ‬المدنية‭ ‬والعلمانية‭ ‬والتواشج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬قياسا‭ ‬بما‭ ‬سعوا‭ ‬إليه‭ ‬ونشره‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬‮.‬
‭ ‬نعم‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬منطقيا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ديموقراطية‭ ‬إسلامية،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬جوهر‭ ‬وروح‭ ‬الأديان‭ ‬كلها‭ ‬واحدة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬رجالاتها‭ ‬وأوصياء‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬‮(‬‭ ‬كما‭ ‬يدعون‭ ‬‮)‬‭ ‬لا‭ ‬يعترفون‭ ‬بآخر‭ ‬أبدا‭ ‬‮.‬
‭ ‬دولة‭ ‬الخلافة‭ ‬التي‭ ‬ينادون‭ ‬بها‭ ‬كانت‭ ‬لزمن‭ ‬وأقوام‭ ‬وثقافة‭ ‬واقتصاد‭ ‬درست‭ ‬مظاهرها‭ ‬وانتهت‭ ‬صلاحية‭ ‬موجبات‭ ‬قيامها،‭ ‬الدين‭ ‬جوهر‭ ‬ثابت‭ ‬بالمطلق،‭ ‬والحياة‭ ‬كرة‭ ‬تدور‭ ‬وتدور،‭ ‬فتتبدل‭ ‬أقوام‭ ‬ومعطيات‭ ‬وعلوم‭ ‬واكتشافات‭ ‬علمية‭ ‬‮…‬من‭ ‬الحمق‭ ‬تطبيق‭ ‬قواعد‭ ‬الماضي‭ ‬الثابت‭ ‬المنقضي‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬متحرك‭ ‬ديناميكي‭ ‬حي‭ ‬‮.‬
‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬وصول‭ ‬الإسلاميين‭ ‬إلى‭ ‬مبتغاهم‭ ‬كان‭ ‬مرحلة‭ ‬ضرورية،‭ ‬لنكتشف‭ ‬ضحالة‭ ‬مشروعهم،‭ ‬هذا‭ ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬لنا‭ ‬تسميته‭ ‬بالمشروع‭ ‬‮.‬‭ ‬ففيما‭ ‬خلا‭ ‬كرسي‭ ‬السلطة،‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬مشروع‭ ‬واضح‭ ‬ومتكامل‭ ‬لدولة‭ ‬يؤسسونها،‭ ‬ولم‭ ‬نر‭ ‬برامج‭ ‬أو‭ ‬خططا‭ ‬لحل‭ ‬مشكلات‭ ‬معقدة‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬معظم‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬فقر‭ ‬وبطالة‭ ‬وأمية‭ ‬واحترام‭ ‬الفرد‭ ‬واحترام‭ ‬الفرص‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الكفاءة‭ ‬لا‭ ‬الولاءات‭ .‬
‭ ‬لا‭ ‬ديموقراطية‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬‮…‬فثمة‭ ‬ديموقراطية‭ ‬الأكثرية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬أكثرية‭ ‬وأقلية‭ ‬‮…‬هناك‭ ‬لعبة‭ ‬ديموقراطية‭ ‬عبر‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع‭ ‬‮…‬ما‭ ‬نحلم‭ ‬به‭ ‬اكبر‭ ‬وأنبل‭ ‬من‭ ‬لعبة‭ ‬الصناديق‭ ‬وكواليس‭ ‬السياسة‭ ‬‮…‬نطمح‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬مدنية‭ ‬يتمتع‭ ‬فيها‭ ‬الجميع‭ ‬بحقوق‭ ‬المواطنة‭ ‬وواجباتها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قانون‭ ‬لا‭ ‬احد‭ ‬يقف‭ ‬فوق‭ ‬سطحه‭ ‬،‭ ‬يكون‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬فيها‭ ‬داخل‭ ‬معابدهم‭ ‬فقط‭ ‬‮.‬
‭ ‬أنا‭ ‬ممن‭ ‬يؤمنون‭ ‬بفساد‭ ‬الرؤية‭ ‬العامة‭ ‬للإسلاميين،‭ ‬واراها‭ ‬تتحمل‭ ‬عبء‭ ‬إخفاقهم‭ ‬وفشلهم‭ ‬‮…‬ولا‭ ‬أرى‭ ‬الإخفاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬سجلت‭ ‬بحق‭ ‬تجربتهم‭ ‬إلا‭ ‬انعكاسا‭ ‬لفساد‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬‮…‬أو‭ ‬لنقل‭ ‬إنه‭ ‬الدم‭ ‬الفاسد‭ ‬الذي‭ ‬بثوه‭ ‬في‭ ‬برامجهم‭ ‬فسرى‭ ‬بأوصال‭ ‬المجتمع‭ ‬المؤسسية‭ ‬حتى‭ ‬أصابها‭ ‬بالمرض‮..‬لأن‭ ‬رؤية،‭ ‬كرؤية‭ ‬الإسلاميين‭ ‬إلى‭ ‬مفاهيم‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬أو‭ ‬العاشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬حتما‭ ‬ستفقد‭ ‬حياتها‭ ‬وحيويتها‭ ‬بفعل‭ ‬الزمن‭ ‬وعوامله‭ ‬المؤكدسة،‭ ‬فالمفاهيم‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬العقل‭ ‬تكبر‭ ‬والهرم‭ ‬وتشيخ‭ ‬وتموت،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكرم‭ ‬بدفنها‭ ‬تعرض‭ ‬العقل‭ ‬للخرف،‭ ‬حالها‭ ‬كحال‭ ‬خلايا‭ ‬الجسد‭ ‬حين‭ ‬يعتريها‭ ‬النضوب‭ ‬ويئين‭ ‬الموت‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬بث‭ ‬الحياة‭ ‬والحركة‭ ‬في‭ ‬الأوصال‭ ‬‮.‬‭ ‬وعوضا‭ ‬عن‭ ‬إكرام‭ ‬هذا‭ ‬الخرف‭ ‬وفصله‭ ‬عن‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية،‭ ‬أصر‭ ‬الإسلاميون‭ ‬على‭ ‬الإبقاء‭ ‬عليه،‭ ‬وتراءى‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬بث‭ ‬بعض‭ ‬مفاهيم‭ ‬الحداثة‭ ‬في‭ ‬خطابهم‭ ‬السلفي‭ ‬الماضوي‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬المدنية،‭ ‬الديموقراطية،‭ ‬الشرعية‭ ‬الدستورية،‭ ‬سينجي‭ ‬حكمهم‭ ‬‮…‬ولكنهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬رش‭ ‬أفخر‭ ‬العطور‭ ‬الباريسية‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬هبوب‭ ‬الرائحة‭ ‬الكريهة‭ ‬من‭ ‬الميت‮….‬
‭ ‬تناقضات‭ ‬الخطاب‭ ‬الإسلامي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬هزت‭ ‬كرسي‭ ‬الإسلاميين،‭ ‬فهو‭ ‬تارة‭ ‬خطاب‭ ‬فيزيقي‭ ‬يمارس‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬الرئاسة‭ ‬وتل‭ ‬أبيب،‭ ‬ويدير‭ ‬تحالفاتها‭ ‬وصراعاتها‭ ‬الشرسة‭ ‬المنفلتة‭ ‬من‭ ‬عقال‭ ‬الأخلاق،‭ ‬ويخضع‭ ‬لقوانين‭ ‬التغير‭ ‬ويأتمر‭ ‬بالنسبية‮…‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬هو‭ ‬ميتافزيقي‭ ‬يحلق‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المثل‭ ‬ويأخذ‭ ‬مريديه‭ ‬إلى‭ ‬جنات‭ ‬السموات،‭ ‬يمارس‭ ‬الخطابة‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬والشوارع،‭ ‬ويخضع‭ ‬المطلق‭ ‬والثابت‭ ‬والله‭ ‬لبرنامجه‭ ‬المعروض‭ ‬سياسيا‭ ‬‮…‬هو‭ ‬خطاب‭ ‬مرسي‭ ‬للمسلمين‭ ‬قبل‭ ‬الحكم،‭ ‬عن‭ ‬اليهودي‭ ‬بأنه‭ ‬حفيد‭ ‬القردة‭ ‬والخنازير‭ ‬‮…‬وهو‭ ‬خطاب‭ ‬مرسي‭ ‬ذاته‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صرح‭ ‬مرسي‭ ‬السياسي‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬الجارة‭ ‬صديقة‭ ‬ولنا‭ ‬فيها‭ ‬صديق‭ ‬عزيز‭ ‬هو‭ ‬بيريز‮…‬
‭ ‬هو‭ ‬خطاب‭ ‬بنكيران،‭ ‬خطاب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬قبل‭ ‬الحكم‭ ‬‮…‬يحضرنا‭ ‬اليوم،‭ ‬ذاك‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬انتفض‭ ‬فيه‭ ‬عبد‭ ‬الإله‭ ‬بنكيران‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬مصورة‭ ‬تلفزيونية‭ ‬مطالبا‭ ‬إياها‭ ‬بمغادرة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬لأن‭ ‬لباسها‭ ‬غير‭ ‬محتشم‭ ‬‮.‬
‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬مع‭ ‬الذين‭ ‬يتباكون‭ ‬على‭ ‬الازدواجية‭ ‬الحداثية‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الحريات‭ ‬الفردية‭ ‬‮.‬
‭ ‬والحرية‭ ‬الفردية‭ ‬قناعة‭ ‬ومكابدة،‭ ‬وهي‭ ‬خط‭ ‬متواصل‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬وليست‭ ‬سوقا‭ ‬انتقائية‭ ‬نختار‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يلائمنا‭ ‬وقت‭ ‬الشدة‭ ‬فقط،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬تصبح‭ ‬الحرية‭ ‬استنجادا‭ ‬بالعدل‭ ‬القيمي‭ ‬لتبرير‭ ‬انتهازية‭ ‬إيديولوجية‭ ‬مفضوحة‭ ‬‮.‬
‭ ‬لماذا‭ ‬فشل‭ ‬الإسلاميون‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬؟‭ ‬ولماذا‭ ‬ينجحون‭ ‬؟‭ ‬العالم‭ ‬تغير،‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬تغير‭ ‬كذلك‭ ‬‮.‬‭ ‬والتغير‭ ‬التاريخي،‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته،‭ ‬حجة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬فشلهم،‭ ‬لكنه‭ ‬عامل‭ ‬أساسي‭ ‬‮.‬‭ ‬‮”‬‭ ‬وضع‭ ‬الإنسانية‭ ‬‮”‬‭ ‬التاريخي‭ ‬الحالي،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مهيئا‭ ‬لقبول‭ ‬خضوع‭ ‬مطلق‭ ‬‮”‬‭ ‬لرقابة‭ ‬إيديولوجية‭ ‬‮”‬‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬‮”‬‭ ‬دينية‭ ‬‮”‬‭ ‬،‭ ‬والإسلاميون‭ ‬لا‭ ‬يقترحون،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬شيئا‭ ‬آخر،‭ ‬الحرية‭ ‬لا‭ ‬تختزل‭ ‬بحرية‭ ‬الصلاة‭ ‬والصوم،‭ ‬والتجارة،‭ ‬حرية‭ ‬الشعوب‭ ‬اليوم‭ ‬عديدة‭ ‬ومتحركة‭ ‬‮.‬‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يعرضون‭ ‬أمام‭ ‬الشعوب‭ ‬إلا‭ ‬حريات‭ ‬ساكنة‭ ‬وبائتة‭ ‬‮.‬‭ ‬إنها‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬النكوص‭ ‬المطلق‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفي‭ ‬بحاجة‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬‮.‬‭ ‬‮”‬‭ ‬الحريات‭ ‬الحديثة‭ ‬‮”‬‭ ‬،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬نصر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التمييز،‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬الحريات‭ ‬الإنسانية‭ ‬العتيقة،‭ ‬التي‭ ‬تدافع‭ ‬عنها‭ ‬حركات‭ ‬الإسلاميين‭ ‬السياسية‭ ‬‮.‬‭ ‬اليوم،‭ ‬تحتاج‭ ‬الشعوب‭ ‬إلى‭ ‬حرية‭ ‬المعتقد،‭ ‬وحرية‭ ‬السفر،‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير،‭ ‬وحرية‭ ‬التغيير،‭ ‬وحرية‭ ‬تشكيل‭ ‬الأحزاب‭ ‬والنقابات‭ ‬والجمعيات‭ ‬والنوادي‭ ‬‮.‬‭ ‬إنها‭ ‬‮”‬‭ ‬الشعوب‭ ‬‮”‬‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬حرية‭ ‬الفكر،‭ ‬وحرية‭ ‬الجسد،‭ ‬حرية‭ ‬المكان‭ ‬وحرية‭ ‬الزمان‭ ‬‮.‬‭ ‬والإسلاميون‭ ‬لا‭ ‬يعترفون‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬وان‭ ‬فعلوا،‭ ‬فلا‭ ‬ضامن‭ ‬لمستقبل،‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬حدودهم‭ ‬الحقيقية‭ ‬للحرية‭ ‬‮.‬
‭ ‬لنتعبد‮…‬ولنترك‭ ‬الآخرين‭ ‬يعيشون‭ ‬بحرية‭ ‬‮.‬‭ ‬والعدل‭ ‬أساس‭ ‬الملك‭ ‬‮.‬‭ ‬ولا‭ ‬عدل‭ ‬في‭ ‬المطلق‭ ‬‮.‬‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬المطلق‭ ‬الديني‭ ‬المحدد‭ ‬الوجهة‭ ‬والصفة‭ ‬مسبقا‭.‬

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 09/12/2024