الإعلام الغربي، الراعي الرسمي للحرب ضد الفلسطينيين

جلال كندالي

أبانت وسائل الإعلام العالمية، خاصة الأوربية والغربية على وجه الخصوص، عن انحياز واضح كالعادة ضد الضحية لصالح الجلاد.
الحرب الدائرة رحاها اليوم، والتي طالت البشر والحجر في غزة الفلسطينية من طرف الجيش الإسرائيلي، خلفت الآلاف من الشهداء والمصابين، أكثر من 60% من هؤلاء الضحايا من الأطفال والنساء ،لكن للأسف لم نجد صدى لهذه الصور والمشاهد المروعة في وسائل الإعلام العالمية، ومن طرف ما يسمى بالمراسلين الحربيين الذين يغطون هذه الحرب بعين واحدة فقط ، ضدا على أخلاقيات المهنة.
الحرب مابين إسرائيل التي تخوضها تحت شعار «السيوف الحديدية» وبين الفلسطينيين الذين اختاروا لها شعار «طوفان الأقصى» اتخذت أبعادا أخرى، لتنتقل إلى السلطة الرابعة التي المفروض فيها أن تكون محايدة وتنقل الخبر والحقائق على الأرض ومن السماء كما هي دون تدليس أو تضليل، لكن للأسف نجد أن ازدواجية المعايير هي السائدة والمهيمنة، ومن هنا يكون الإعلام مشاركا مباشرا في هذه المجازر.
ففي الجمهورية الفرنسية التي ترفع شعار «حرية، مساواة، أخوة»، وهو الشعار الذي يدرس في الجامعات في العالم كله، نجد هذا الشعار يختفي حسب المصلحة، حيث حظرت فرنسا تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين ضد العدوان الصهيوني المتواصل على غزة ،بدعوى مخاطر الإخلال بالنظام العام ، بل إن رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن هددت بأن بلادها لن تتسامح مع أي عمل أو أي تصريح معاد لإسرائيل على أراضيها، متعهدة بأقصى درجات الحزم تجاه ذلك.
ما ذهب إليه هذا الإعلام المصنف «الإعلام الحر»، ليس جديدا، ويكفي أن نرجع إلى الوراء، لنجده كم كان منحازا إلى القوي ضد الضعيف، وهنا نستحضر كيف وقف عام 2003، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الراحل كولن باول أمام مجلس الأمن قائلا: «ما نقدمه لكم هي حقائق واستنتاجات مبنية على استخبارات قوية، تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل».
كانت هذه الجملة بمثابة إعلان صريح لغزو العراق يوم 19 مارس2003، وإسقاط النظام فعليا يوم التاسع من أبريل 2003، وهي الكذبة الكبرى التي وجدت لها صدى قويا في الإعلام الأوربي والغربي، ولعب هذا الإعلام دور التغطية لما حدث من جرائم فظيعة ذهب ضحيتها الأطفال والنساء، وقضت على دولة ذات سيادة دون أي تأنيب للضمير.
ورغم هذه الكذبة الكبرى، فإن الإعلام الغربي لم يتصد لهذه الأباطيل، بل لم يتعبأ لفضح ما حدث في سجن أبوغريب من فظائع ارتكبها جنود أمريكيون بحق معتقلين في سجن أبو غريب. وحتى وإن افتضح أمر ما ترتكبه إسرائيل من انتهاكات وجرائم في حق المدنيين، وهنا نتذكر قصة محمد الدرة وأيضا قتل الصحافيين كما حدث مع شيرين أبو عاقلة، والمصور الصحفي في وكالة رويترز عصام عبد لله الذي استشهد في قصف إسرائيلي على سيارة طاقم صحفي بجنوب لبنان يوم الجمعة الماضي ، لكن كل ذلك لم يجد أي تنديد من طرف الدول التي تصنف نفسها في المجتمعات الحضارية، بل إن الإعلام الغربي المتواطئ لم يدافع عن زملاء المهنة، فكيف به أن يدين قتل أطفال ونساء فلسطين.
التضليل الإعلامي لم يقتصر على الصحافيين الغربيين فقط ، بل تجاوزه إلى المسؤولين السياسيين، إذ نجد بنيامين نتنياهو شخصيا اتهم الفلسطينيين بجز رؤوس الأطفال واغتصاب النساء، وهي الكذبة التي صدقها الرئيس الأمريكي جو بايدن ورددها بتأثر كبير، بل نجد إن أحد المسؤولين الأمريكيين، ذرف الدموع وهو يروي قصة نتنياهو، حين اطلع على صورة جثة طفل متفحمة، قبل أن يكشف الصحفي الأمريكي جاكسون هينكل زيف صورة الطفل المتفحم التي نشرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،حيث كشف الصحفي الأمريكي أن صورة الطفل الإسرائيلي المزعوم تعود إلى كلب في عيادة طب بيطري تم تزييفها عن طريق الذكاء الاصطناعي، غير أن الإعلام الغربي ما لبث أن ردد أكاذيب نتنياهو دون تحقق أو دليل.
الإعلام الغربي في غالبيته، وهو يغطي الأحداث الجارية الآن بين إسرائيل والفلسطينيين، تبنى بالحرف مقولة جوزيف غوبلز، بوق الإعلام النازي وذراع هتلر القمعية ضد حرية الفكر والتعبير: حينما قال «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس». لكن الإعلام الغربي والمسؤولين السياسيين اجتهدوا أكثر، وأضافوا لهذا الشعار «اكذب اكذب ثم اكذب لتصدق نفسك» وهو ما يحدث الآن للأسف الشديد.
إذا تفحمت جثث أطفال ونساء فلسطين وارتقوا بالمئات والآلاف بسبب القصف الإسرائيلي فهذا ليس خبرا ، وإن تفحمت جثة كلب بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي على أساس أنها لطفل إسرائيلي فهذا هو الخبر، ولعل الإعلام العالمي الغربي، مع الاستثناء طبعا، يتذكر جيدا أول درس في هذا المجال وهو الدرس الذي لا يزال يُدرس في جميع المؤسسات التعليمية العاملة في مجالي الصحافة والإعلام وعنوانه «إذا عض كلب رجلًا، هذا ليس خبرًا، أمّا إذا عض رجل كلبًا، فهذا هو الخبر».

الكاتب : جلال كندالي - بتاريخ : 17/10/2023