الإعلام الفرنسي والتأييد المطلق لإسرائيل

باريس: يوسف لهلالي

الإعلام الفرنسي مثل الإعلام الغربي عبر عن انحيازه المطلق لإسرائيل منذ المواجهة المفتوحة التي بدأت يوم السبت بين إسرائيل وحماس، وتحولت وسائل الإعلام الفرنسية إلى آلة تبرير لما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلية من قصف يومي وقتل للأطفال والنساء، وتم إعطاء اهتمام كبير لضحايا إسرائيل وتجاهل كلي للضحايا الفلسطينيين.
الحديث عن القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدثة الذي كان يردده نفس الإعلام بمناسبة الحرب الروسية الأوكرانية غاب كلية عند الحديث عن القضية الفلسطينية، ولا أحد تحدث عن العقوبات وعدم التعرض للمدنيين العزل، لا أحد تحدث عن جرائم الحرب التي تقترف يوميا على أطفال وسكان غزة المحاصرين منذ أكثر من سبع سنوات.
إحدى الإذاعات الفرنسية العمومية وتسمى «فرانس انتير» استضافت في أحد برامجها الإخبارية الصباحية السفيرة الفلسطينية ليلى شهيد وسفير إسرائيلي يسمى ايلي بإرنافي، وكان السؤال للسفيرة الفلسطينية هو حول موقفها من حماس وهل ستدين ما قامت به حماس؟ وأمام رفضها الجواب عن هذا السؤال الذي ينفي كل حقوق الفلسطينيين ويختزل القضية الفلسطينية وشعبها التي تستمر أكثر من 70 سنة في الموقف من حماس، كرر المذيع السؤال عدة مرات، وبالمناسبة هو نفس السؤال الذي يطرح على المسؤولين الفلسطينيين الذين يمثلون السلطة الفلسطينية في العواصم الغربية، الموقف من حماس، وكأن حصار وقصف مليونين من الأطفال والشيوخ الفلسطينيين يوميا من طرف قوات الاحتلال ليس أولوية وليس جريمة ضد الإنسانية.
نفس الحصار تعرض له كل من أراد الحديث، بتوازن وموضوعية، عن القضية الفلسطينية، هذه المسرحية الإعلامية، التي تكيل بمكيالين، وتنفي الحقوق والإنسانية عن الفلسطينيين، وتردد موقف وزير الدفاع الإسرائيلي الذي ينفي الإنسانية عنهم ويطالب باقتراف جرائم حرب من خلال دعوة قواته المحتلة إلى قطع الماء والكهرباء والغذاء عن المدنيين بغزة، الإعلام الفرنسي يردد هذه التهديدات بل يبررها بالهجوم الذي قامت به حماس وبحق قوات الاحتلال الدفاع عن النفس، دون وضع هذا الصراع في سياقه، وهو الاحتلال الذي تتعرض له الأراضي الفلسطينية منذ أكثر من 70 سنة وبدعم وتسليح من الغرب.
الغريب أن بعض الإعلام الإسرائيلي كان أكثر موضوعية في التعامل مع القضية الفلسطينية، تجد مقالات في هاريتس هذا الأسبوع تنتقد بشدة القيادة السياسية لكيان الاحتلال، وتدعو حكومتها إلى احترام حقوق جميع بني البشر وعدم قصف المدنيين في غزة، الذين يعيشون تحت الحصار الوحشي أكثر من 15 سنة، وهو تعبير وارد في الصحيفة الإسرائيلية.
طبعا الإعلام الفرنسي المكتوب والمرئي والإذاعات تحولت بهذه المناسبة إلى بوق دعاية لأطروحات الاحتلال، وتم إبعاد والتضييق على كل من حاول ويحاول وضع هذه الأزمة السياسية في سياق الاحتلال والحصار على غزة، الذي يمتد أكثر من 15 سنة، بكل ما يمثله من تجويع ومنع الأدوية والخروج للعمل أو التطبيب.
رئيس حزب فرنسا الأبية جون ليك ميلونشون، الذي قام برد فعل موضوعي حول هذه الأزمة، وفي إطار احترام القانون الدولي أدان « كل من يتعرض للمدنيين لدى الطرفين» في هذه الحرب، واعتبر أن كل من يتعرض للمدنيين يدخل سلوكه في نطاق جرائم الحرب، كما تنص على ذلك مواثيق الأمم المتحدة، لكنه تعرض لهجوم وتحريف لكلامه لأنه تجرأ على المساواة بين المدنيين الإسرائيليين والمدنيين الفلسطينيين في إدانته لكل من يتعرض للمدنيين، وأصبحت مهاجمته جزءا من النشرات والمقالات التي يتم ترديدها منذ سبعة أيام.
جرائد مثل «لوموند»، «لوفيغارو»، «ليبيراسيون»، «مريان»، «اسبريس» أو «لوبوان» حتى نذكر أهمها، بالإضافة إلى قنوات التلفزة مثل «بي في ايم» أو «سي نيوز» كلها تردد خطة الإعلام التي توزعها الحكومة الإسرائيلية من خلال عرض الضحايا من إسرائيل يوميا، خاصة الناطقين بالفرنسية، دون أن يتحدثوا عن الضحايا الفلسطينيين، بل إن الإعلام الفرنسي يبرر الانتقام الإسرائيلي واقتراف جرائم الحرب ضد المدنيين بالحق في الانتقام والرد على هجوم حماس، وكأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بدأ يوم 7 من أكتوبر الأخير وليس منذ سبعين سنة.
تغطية الحرب على غزة من طرف الإعلام الفرنسي بينت الشرخ الكبير الذي وقع بين فرنسا وباقي العالم العربي في تناول هذه القضية، وبين الانحياز الكبير لأطروحات الاحتلال والسياسة الكولونيالية التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفا في تاريخ هذا الكيان، لكن الإعلام الديموقراطي الفرنسي يفتح صفحاته وشاشاته لهذه الأطروحات العنصرية بدون إحراج وبدون طرح أسئلة. الكيل بمكيالين في التعامل مع الإنسان الفلسطيني وكأنه إنسان من الدرجة الثانية.
ومنذ السابع من أكتوبر تفنن هذا الإعلام الفرنسي في الحديث عن الضحايا من جانب واحد بل وعرض أسماء بعض الضحايا الإسرائيليين ومحاورة عائلاتهم منذ أسبوع دون الحديث عن غزة وضحاياها إلا في ركن الانتقام الإسرائيلي «المشروع « بالطائرات والصواريخ الأمريكية ضد سكان غزة، والذي يتم تبريره.
بعض هذا الإعلام وصل حد التحريض ضد الفلسطينيين وينعت حماس بالمنظمة الإرهابية، الأكثر من ذلك أن فرنسا الرسمية اعتبرت أن كل من يدعم المقاومة الفلسطينية يمكن أن يقع تحت طائلة المتابعة القانونية بتهمة دعم الإرهاب. وكل الخطاب الرسمي الفرنسي سواء لوزيرة الخارجية أوالوزيرة الأولى أو الرئيس لم يتحدث عن السلام أو عدم مهاجمة المدنيين بل تحدث عن حق إسرائيل في الرد، بمعنى حقها في الانتقام من حماس عبر قصف المدنيين من أطفال ونساء عبر الأسلحة الغربية.
طبعا هذه الحرب بينت الكيل بمكيالين في فرنسا والغرب وإعلامهما، والذي بدأ مع الحرب الأوكرانية على روسيا، هذا الإعلام دافع عن أوكرانيا وحقها في سيادتها وحماية السكان المدنيين من خلال تسليح أوكرانيا ومدها بالمساعدات واستقبال لاجئيها من خلال سن قوانين استثنائية، لكن نفس التضامن والمساعدة غاب عن الضحية الفلسطينية، وكل الدعم والتعاطف والتأييد كان من حق الدولة المحتلة، التي من حقها الانتقام وممارسة جرائم الحرب ضد المدنيين في غزة من خلال حبسهم وقصفهم وقطع كل حاجيات الحياة اليومية عنهم من ماء وكهرباء وأدوية.
يبدو أن الاندحار الأخلاقي للإعلام بفرنسا والغرب وصل حد الانغلاق على الذات ودعم الفكر السياسي المتطرف، ودعم ممارسات بقايا الاستعمار الغربي بالشرق الأوسط، وهو ما يجعل علاقة هذا الغرب وإعلامه تصل إلى حد القطيعة مع باقي العالم وخاصة العالم العربي، وهو ما يعني نهاية كونية القيم التي لوح بها الغرب فجر نهاية الاستعمار.

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 14/10/2023

التعليقات مغلقة.