الإعلام في الخطاب الملكي: دعوة إلى الاستقلال والإصلاح

محمد الطالبي

أبرز جلالة الملك في خطابه أمام البرلمان يوم 10 أكتوبر 2025 مكانةً استثنائية للإعلام، واضعًا إياه في صلب الدينامية الوطنية إلى جانب الأحزاب والمجالس المنتخبة والمجتمع المدني.
لم يكن الإعلام في هذا الخطاب مجرد وسيلة نقل أو دعاية، بل قوة مجتمعية مسؤولة عن تأطير المواطنين، وشرح القوانين والمبادرات العمومية، وترسيخ الثقة بين الدولة والمجتمع.
هذا التقدير الملكي لدور الإعلام يعكس رؤية متقدمة تعتبره أحد أركان التنمية والعدالة الاجتماعية، وشرطًا أساسيًا لبناء مواطن واعٍ بحقوقه وملتزم بواجباته.
فالملك، وهو يفرّق بوضوح بين “التواصل” الذي هو وظيفة الدولة في شرح سياساتها، و“الإعلام” الذي هو ضمير المجتمع، وجّه رسالة دقيقة مفادها أن حرية الإعلام واستقلاليته ليستا امتيازًا بل مسؤولية وطنية.

لكن هذه الرؤية الراقية لم تجد صداها في الواقع العملي، لأن الحكومة لم تواكبها بالإرادة والإصلاح المطلوبين.
فالإعلام الوطني يعيش منذ سنوات تراجعًا مقلقًا في المصداقية والفعالية، نتيجة غياب استراتيجية إصلاحية شجاعة، واستمرار التحكم في الدعم العمومي، وضعف آليات التنظيم الذاتي.
ويتحمل الجهاز التنفيذي جزءًا كبيرًا من هذا التراجع، بسبب تأخره في إعادة هيكلة القطاع، وتردده في تمكين المجلس الوطني للصحافة من أداء مهامه كإطار ديمقراطي مستقل.
فبدل تطوير المجلس وتحصينه كمؤسسة للتقنين الذاتي والمحاسبة المهنية، تم تجميده وتعطيل دوره، في خطوة أعادتنا إلى الوراء وخلقت فراغًا مؤسساتيًا خطيرًا داخل الجسم الصحافي.
لقد أثبتت التجربة أن غياب المجلس الوطني للصحافة أضعف المهنية وزاد من هشاشة المهنة، وفتح الباب أمام فوضى رقمية وإعلام موجه، بينما المطلوب اليوم هو إعلام حرّ ومسؤول، يراقب أداء السلطة كما يشرح سياساتها، ويدافع عن المصلحة العامة بعيدًا عن التبعية والولاءات.
إن إصلاح الإعلام لم يعد خيارًا تأجيله ممكنًا، بل ضرورة وطنية تتطلب:
• تحرير القرار الإعلامي من الوصاية السياسية،
• تمويل شفاف يحمي الاستقلالية،
• وآليات مهنية منتخبة تضمن المحاسبة الذاتية.
لقد وضع الملك الأساس حين منح الإعلام مكانة مركزية في بناء المغرب الصاعد، لكن الكرة اليوم في ملعب الحكومة التي يجب أن تنتقل من الخطاب إلى الفعل، ومن التبرير إلى الإصلاح.
فالإعلام القوي لا يُبنى بالشعارات، بل بإرادة سياسية صادقة تحمي الحرية وتضمن الكرامة المهنية.
وحين يتحقق ذلك، سيصبح الإعلام فعلاً كما أراده الملك:
جسرًا للتنوير وسدا منيعا ضد التضليل والتفاهة.

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 13/10/2025