الاتحاد الاشتراكي والرهانات المستقبلية

محمد السوعلي (*)

 

أكتب هذا المقال كمناضل اتحادي يتحمّل مسؤولية سياسية واضحة، ومن موقع عضويتي الكاملة في القيادة السياسية للحزب، وككاتب إقليمي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتطوان. أكتبه لأن برلمان الحزب وضع ثقته فيّ شخصي المتواضع للعمل داخل المكتب السياسي، وباقتراح من الكاتب الأول الأخ إدريس لشكر. وهي ثقة أعتبرها تكليفًا سياسيًا وتنظيميًا مزدوجًا: مسؤولية وطنية داخل القيادة، ومسؤولية ميدانية يومية داخل الإقليم. كلي أمل في أن اختياري سيمكنني من المساهمة في تعزيز العمل الجماعي داخل القيادة، وربط القرار السياسي بالفعل التنظيمي على الأرض، في مرحلة دقيقة تتطلب وضوحًا في المواقف وقدرة على تحمّل كلفة القرار.
حين تم تقليدي هذه المسؤولية، كنت مدركًا، مثلي في ذلك مثل العديد من الاتحاديات والاتحاديين، أن الاتحاد الاشتراكي يشتغل في ظرف سياسي صعب، وأن العلاقة بين المواطن والسياسة تعرف تراجعًا مقلقًا. لكنني كنت مقتنعًا، وما زلت، بأن الاتحاد قادر على لعب دور حقيقي إذا اشتغل بوضوح، وبمؤسسات قوية، وبقيادة تتحمّل كلفة القرار. لذلك أعتبر أن الاشتغال يجب أن يكون من الداخل، داخل الهياكل، حيث تُصنع المواقف وتُدار الخلافات، لا حيث يطلق العنان لأحكام لا تستند إلى وقائع. من هذا المنطلق، أعتبر أن جمعي بين مسؤولية على مستوى أجهزة الحزب الوطنية والقيادة الإقليمية بتطوان يرسخ قناعتي بأنه بموازاة تحديد الخطوط الاستراتيجية للحزب، ينبغي تقوية العمل القاعدي المنتظم، والإنصات، والقدرة على تحويل التوجهات الوطنية إلى مبادرات محلية ملموسة.
داخل المكتب السياسي، وجدت قيادة تتعامل مع الحزب كتنظيم له قواعد ومسؤوليات وحدود واضحة. قيادة لا تشتغل بمنطق ردّ الفعل، ولا بمنطق إرضاء الجميع، بل بمنطق الحفاظ على تماسك الحزب وقدرته على الاستمرار في أداء دوره السياسي. وفي هذا الإطار، لا يمكن تجاهل الدور الذي اضطلع به الكاتب الأول في تدبير مرحلة معقدة، تميزت بضغط سياسي قوي، وبمحاولات متكررة لإضعاف الحزب أو دفعه نحو الانقسام. اختياراته كانت محددة: حماية وحدة التنظيم، إعادة الاعتبار للمؤسسات، وربط القرار السياسي بالمسؤولية التنظيمية.
من موقع المعايشة اليومية، أؤكد أن ما يُقدَّم أحيانًا على أنه تضييق أو إقصاء لا يعدو أن يكون تطبيقًا لقواعد تنظيمية لا يمكن تجاوزها. لا يمكن لحزب يريد أن يكون بديلاً حقيقيًا أن يشتغل بمنطق التسيب أو المعارضة الدائمة من داخل بنيته. الاختلاف مشروع داخل إطارات الحزب، والانضباط التنظيمي شرط لنجاعة أي عمل جماعي، وليس نقيضًا للديمقراطية كما يُروَّج.
هذا المبدأ نمارسه داخل القيادة كما نحرص على تنزيله داخل الأقاليم، بما فيها إقليم تطوان، حيث لا يمكن بناء تنظيم قوي دون وضوح القواعد ودون التزام.
خلال السنوات الأخيرة، استعاد الاتحاد الاشتراكي حضوره السياسي بشكل عملي. في البرلمان، كان الفريق الاشتراكي حاضرًا بمواقف واضحة وبمبادرات رقابية وتشريعية مرتبطة مباشرة بقضايا المواطنين: القدرة الشرائية، الصحة العمومية، التعليم، الشغل، والحماية الاجتماعية. هذه المواقف لم تُبنَ على الخطابة، بل على تشخيص دقيق واقتراحات قابلة للنقاش. وعلى المستوى الإقليمي، اشتغلنا بتطوان على إعادة تنشيط الفروع، وتأطير النقاشات المحلية، وربط القضايا الوطنية بانشغالات المواطن اليومية، بما يعيد الثقة في العمل الحزبي القريب من الناس.
هذا المسار أعاد للاتحاد موقعه كفاعل سياسي يُحسب له حساب، لا كحزب هامشي. ومع تراكم إخفاقات الحكومة الحالية، واتساع الفجوة بين خطابها وواقع المواطنين، بدأ الرأي العام يميّز بين معارضة شكلية ومعارضة لها مضمون وموقف. هذا التحول لم يكن آنيًا، بل نتيجة تراكم سياسي وتنظيمي، ساهمت فيه القيادة الوطنية كما ساهمت فيه القيادات الإقليمية التي اختارت العمل الهادئ بدل الضجيج.
في هذا السياق، يكتسي استحقاق 2026 أهمية مركزية، لا باعتباره مجرد موعد انتخابي، بل بوصفه لحظة حسم سياسي حقيقي ستحدد ملامح المرحلة المقبلة. فمن داخل القيادة، ومن موقع المسؤولية الإقليمية، يتأكد اليوم أن الاتحاد الاشتراكي يتوفر على شروط سياسية وتنظيمية حقيقية تخوّله خوض هذا الاستحقاق بثقة ووضوح. وبفضل ثقة الناخبات والناخبين، يستطيع الحزب أن يتصدر المشهد السياسي، لا بمنطق الاستحواذ أو الإقصاء، بل بمنطق تصحيح المسار، ووضع حد لآثار التدبير الحكومي الحالي الذي عمّق الفوارق الاجتماعية وأضعف الثقة في الفعل العمومي.
وانطلاقًا من هذا التشخيص، يصبح الرهان في المستقبل رهانًا عدديًا بامتياز، يُقاس بعدد المقاعد في الانتخابات التشريعية، لأن الوصول إلى تدبير الشأن الوطني يمرّ حتمًا عبر امتلاك أغلبية برلمانية مريحة داخل الخريطة السياسية. فالمقاعد البرلمانية ليست هدفًا في حد ذاتها، وإنما الأداة الدستورية والسياسية التي تمكّن الحزب من تحويل اختياراته وبرنامجه إلى سياسات عمومية ملموسة، قادرة على تحسين شروط عيش المواطنين وإعادة الاعتبار لدور الدولة الاجتماعي.
لهذا السبب، يراهن الاتحاد الاشتراكي بشكل واعٍ ومسؤول على هذا الاستحقاق العددي، باعتباره المدخل الأساسي لتنزيل المشروع الاشتراكي الديمقراطي الذي يعمل على بلورته وإنضاجه في الأسابيع المقبلة. تحقيق هذا الهدف لا يمكن أن يتم إلا عبر تظافر الجهود، وتوحيد الطاقات، والانخراط الجماعي للقيادة والمناضلات والمناضلين، وللتنظيمات المحلية والإقليمية والجهوية، في معركة بناء أغلبية برلمانية قوية، تشكل شرطًا لازمًا لأي انتقال حقيقي من موقع المعارضة إلى موقع التدبير.
إن الرهان على المقاعد البرلمانية هو في جوهره رهان على القدرة على الفعل، وعلى امتلاك القوة السياسية الضرورية لتغيير موازين القرار، وإنهاء مرحلة التدبير المرتبك التي تعيشها البلاد. لذلك، لا يتردد الحزب في إعلان هذا الرهان العددي بوضوح كاختيار استراتيجي، لأن أي مشروع اشتراكي ديمقراطي، مهما بلغت جودته وعمقه، لن يرى طريقه إلى التنفيذ دون أغلبية سياسية واضحة وشرعية انتخابية قوية، تضع الحزب في قلب القرار الوطني وتمنحه الأدوات اللازمة لخدمة الصالح العام.
ومن هذا المنطلق، فإن الاستعداد لتحمّل مسؤولية 2026 كاملة لا يُختزل في شعار انتخابي أو وعد عابر، بل هو خيار سياسي وتنظيمي متكامل، يقوم على التأطير الجاد، والتنظيم المسؤول، والانفتاح الواعي على المجتمع. فنجاح هذا الاستحقاق يمر عبر إعادة الاعتبار للعمل الحزبي القاعدي، وتقوية الفروع، وتأهيل المناضلات والمناضلين للقيام بأدوارهم التأطيرية داخل الأحياء، والجامعات، وفضاءات الشغل، حتى يصبح الحزب حاضرًا في النقاش اليومي للمواطن، لا فقط في لحظات الانتخابات.
ويقتضي هذا المسار أيضًا تنظيمًا منضبطًا وقادرًا على ترجمة التوجهات الوطنية إلى مبادرات ميدانية وبرامج محلية قابلة للتنفيذ، تلامس انتظارات الناس وتستجيب لحاجياتهم الفعلية. كما يفرض تطوير أدوات الاشتغال، وتجديد أساليب التواصل، وربط المسؤولية بالمحاسبة داخل التنظيم، بما يجعل الحزب في مستوى الثقة التي يطلبها من الناخبات والناخبين.
وفي الآن نفسه، يظل الانفتاح على مكونات المجتمع شرطًا أساسيًا لنجاح أي مشروع سياسي. انفتاح على الشباب والنساء، وعلى النقابات والجمعيات الجادة، وعلى المثقفين والكفاءات المحلية، دون وصاية أو استعلاء، بل بمنطق الشراكة والإنصات والتفاعل. اتحاد منفتح على محيطه، قادر على التقاط التحولات الاجتماعية وتحويل المطالب إلى سياسات عمومية، هو اتحاد مؤهل لقيادة مرحلة ما بعد 2026 بمسؤولية وثقة.
بهذا المعنى، فإن الرهان الذي نتحمّله اليوم، داخل القيادة السياسية وداخل الأقاليم، هو رهان العمل الجاد لا التبرير، والبناء المسؤول لا الصراخ، والاستعداد الكامل لتحمّل مسؤولية 2026 تأطيرًا وتنظيمًا وانفتاحًا، من أجل تحويل ثقة المواطنين إلى فعل سياسي مسؤول، يعيد للسياسة معناها، وللدولة دورها الاجتماعي، وللمواطن مكانته المستحقة.

(*)عضو المكتب السياسي والكاتب الإقليمي للحزب بتطوان

الكاتب : محمد السوعلي (*) - بتاريخ : 24/12/2025