الاتحاد الاشتراكي والقضية الفلسطينية
عبد السلام المساوي
يوم 7 يناير 2023، في اجتماع بجهة الشمال، يقول إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: «نجتمع في أجواء تعيش فيها القضية الفلسطينية مشاكل كبيرة مع الاحتلال الإسرائيلي. ونحن كمغاربة، مجتمعا ودولة، متمسكون دوما بدعمنا للحل السياسي للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
اليوم، وبعد تشكيل حكومة إسرائيلية على قاعدة تحالف يميني متطرف، نعلن مساندتنا اللامشروطة للشعب الفلسطيني في مواجهة الاستفزازات الحالية، وندعو كل المحبين للسلام في إسرائيل للتجند والتعبئة من أجل دعم مشروع السلام، والضغط على الحكومة اليمينية التي لا تعتبر كل الخطوات الدولية.
من هنا، وجبت المساهمة في حشد الرأي العام الدولي والأمم المتحدة للتحرك من أجل ردع هذه الممارسات وخاصة من خلال تواجدنا في الإطارات الاشتراكية الدولية للدفع بالاعتراف بالدولة الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني .»
في التقرير السياسي أمام المجلس الوطني 19 – 12 – 2020، يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي (…. الاتحاد الاشتراكي لا يمكن أن يزايد عليه أحد في الدفاع عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة وعاصمتها القدس ….
…قرن الشهيد عمر بنجلون برؤية استشرافية بين توازي خط النضال الديمقراطي وطنيا، مع خط تحرير الأوطان والشعوب، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني، وهذا هو جوهر مقولته الملهمة: القضية الفلسطينية قضية وطنية، بمعنى أن كل تقدم في إنجاز المهام الوطنية المتمثلة في استكمال الوحدة الترابية، ودمقرطة الدولة والمجتمع، والتصنيع والتنمية، يصب حتما في مجرى تحرير فلسطين، وبهذه الروح تحدث جلالة الملك حين خاطب رئيس السلطة الفلسطينية أن المغرب يضع قضاياه الوطنية في نفس مرتبة القضية الفلسطينية، وللذكرى فالاتحاد الاشتراكي باعتباره المساهم الأكبر في تأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني إلى جانب القوى الوطنية التي كانت في زمن الجمر والرصاص، التعبير الوحيد الذي تصرف من خلاله الأحزاب والنقابات والجمعيات مواقفها وأشكالها النضالية دعما لكفاح الفلسطينيين، في وقت كان من يتزايدون علينا اليوم يرسلون الشباب للموت في أفغانستان بتنسيق مع المخابرات الأمريكية لمواجهة الاتحاد السوفياتي.
ولذلك حين نساند الخطوات التي اتخذها جلالة الملك، فانطلاقا من هذه الروح، في عالم تغيرت معطياته وفاعلوه وخرائطه، وبالتالي فنحن نفرق بين المبدأ والأداة، فالمبدأ ثابت وهو دعم الفلسطينيين دون قيود من حقهم في الدولة المستقلة، وحين نقول دون شروط، فيعني أننا لن نلتفت لبعض الأصوات الفلسطينية القليلة التي أنتجت تصريحات مسيئة لبلدنا وقضية وحدتنا الترابية، فنحن لا نقايض دعمنا للقضية الفلسطينية العادلة بأي مقابل، هذه اختياراتنا التي لا نمن بها على أحد، وإذا كانت هذه الثوابت ستظل هادية لطريقنا حتى يحصل للشعب الفلسطيني على حقوقه العادلة والمشروعة، فإن الأداة تتغير بتغير الظروف…
…تقتضي المصلحة الاستراتيجية لبلدنا وللفلسطينيين أن يظل المغرب هو الوسيط الأول، لأنه الأكثر مصداقية، ويكفي إخواننا الفلسطينيين أن يقارنوا بين أدوار المغرب في الأزمة الليبية وأدوار باقي الأطراف، لكي يستنتجوا مصلحة فلسطين في استئناف المغرب لأدواره في البحث عن حلول سلمية، تجنب الشعب الفلسطيني ويلات الحروب والحصار، وتيسر له سبل فرض الدولة الفلسطينية المستقلة.)
ان مناصرتنا للقضية الفلسطينية تقتضي البحث عن حل آني يتطور ويتقدم في الزمن ويراكم مكاسب شيئا فشيئا.
أما الاكتفاء بالعويل ورفع الشعارات والتحاف الكوفية، فهذا ما يندرج فعلا في إطار: الظاهرة الصوتية التي نحمل، بدون فخر، شهرتها.
نعم، فلسطين فينا شيء ثابت.
نعم، فلسطين وعدالة قضيتها أمر لا يقبل النقاش.
نحن بلد من البلدان التي قالت لا لبيع القضية الفلسطينية في لحظة حاسمة وحازمة. لم ننجر حول شيء، ولم نمل لشيء. قلنا إن هاته القضية قضية عادلة تلزمنا استمرار التضامن.
المغرب لا عقدة له في هذا المجال، وما قدمه لفلسطين على امتداد عقود وعقود يكفيه شر التبرير أو شر الدخول بنية حسنة في الحديث مع أصحاب النيات السيئة.
نساند حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، إلى جانب جاره الإسرائيلي وفق حل الدولتين الذي يؤمن به العالم المتحضر، ندين العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين من هاته الناحية، وندبن عمليات الاقتحام والتنكيل التي تستهدف المدنيين من الناحية الثانية.
نتمنى أن يعود العقل للحمقى لكي يسود السلام أرض السلام، والبلاد التي اختارتها العناية الإلهية كي تحتضن كل الديانات السماوية، وذلك هو قدرها يوم تصبح الكلمة الأخيرة للعقلاء وليس للحمقى الموتورين.
هذه هي الخلاصة بكل بساطة وبكل اختصار.
ما عداها نشيد مزايدات جد مزعج في اللحن، ساعدنا على النوم كل هاته السنوات، وأضاع بالمناسبة هاته الفلسطين التي ندعي جميعا أنها عزيزة على القلوب.
ملك المغرب أكد ويؤكد أن المغرب لا يتعامل مع القضية العربية بمنطق مزاجي ومناسباتي وعاطفي لدغدغة شعور المقدسيين، وبالتالي فلن يتاجر بقضية الفلسطينيين ولن يبيعهم الوهم ولن يردد على مسامعهم الشعارات الرنانة لتأبيد أوضاعهم المأساوية . لكن مهما كانت الانعطافات الاستراتيجية التي يقوم بها المغرب للدفاع عن أمنه القومي وسيادته الوطنية فلن يتخلى ملك المغرب والمسؤول الأول عن بيت مال القدس عن ثوابت القضية الفلسطينية الضاربة في وجدان الدولة والمجتمع المغربيين .
المغرب لم يكن أبدا بلد شعارات، ولم يكن مثل بلدان مجاورة لنا بلدا يزايد بالقول على مأساة الفلسطينيين ويريد لها الاستمرار فقط لكي يجد ما يغنيه من الشعارات .
المغرب يعرف جيدا قيمة تلك الأرض، ويعرف ماهيتها الأولى باعتبارها أرض سلام اختارتها العناية الربانية للديانات السماوية الثلاث لكي تكون التقاء المؤمنين على الأرض .
وفي بلاد أمير المؤمنين الكل يعرف أن الأولوية هي لوقف هدر الدم الفلسطيني، والأولوية هي لوقف هدر دم المؤمنين من أي ديانة كانت، والأولوية هي لعودة السلام إلى أرض السلام، والأولوية هي مساعدة الفقراء والمحتاجين والمرضى في غزة على مواجهة هاته اللعبة الدموية القاتلة والمرعبة، التي يذهب ضحيتها الأبرياء من المدنيين هنا وهناك ويدفعون دماءهم ثمنا لها .
المغرب وسط كل هذا الدمار، وكل هذا اللعب بالشعارات والأناشيد موقفه واضح : شعبه متضامن مع الأهل في غزة ، دولته تقدم المساعدات الضرورية للأهل هناك ، قلبه وعقله وتصوره مع حل الدولتين ومع السلام العادل والشامل ومع كل المبادرات الرامية لوقف القتل والعنف وسيلان الدماء في تلك الأرض الطاهرة، وهو يترك للبلدان التي لا تعرف إلا المزايدات أن تواصل المزايدة لأنها لا تملك عداها، ويترك للتيارات المتطرفة أن تفرح بكل ميت جديد في تلك الأرض الحزينة لأنه بلد محب للحياة، ويترك للكاذبين على فلسطين التي أضاعوها منذ النكبة بل وقبل النكبة بوقت طويل، أن يضيعوا مزيدا من الوقت في المظاهرات الصاخبة التي لم تعد تقنع أحدا بجديتها، والتي كانت سببا من أسباب هذا الهوان الذي تحياه هاته القضية منذ سنوات .
باختصار المغرب بفضل ملكه أخرس ويخرس الذين يزايدون على حب فلسطين وفي حب القدس داخل البلد الذي يرأس لجنة القدس، والذي يعرف جيدا معنى عودة السلام ذات يوم إلى أرض القدس .
لا أحد يمكن أن يزايد على الدولة المغربية بخصوص القضية الفلسطينية، كما أنه لا أحد لديه الحق لإعطاء المغرب والمغاربة دروسا في الدفاع عن القدس، فمنذ عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني إلى اليوم مع خلفهما محمد السادس، تقدم بلادنا دعما لامشروطا لفلسطين وتجسد في كل أزمة معنى الوقوف إلى جانب القدس والمقدسيين، منذ اتفاقية كامب ديفيد، مرورا باتفاقية اوسلو ولجنة القدس ووكالة بيت المال …. وفي ظل هذا الموقف التاريخي الثابت للدولة المغربية تجاه القضية الفلسطينية ما فتئ رموز الدولة المغربية، لاسيما الملك محمد السادس، يقومون بكل الجهود الممكنة لإيجاد حل عادل ودائم يحفظ لأشقائنا الفلسطينيين حقهم المشروع في إقامة دولة مستقلة .
وحتى حينما وافق المغرب على توقيع إعادة العلاقات مع إسرائيل باحتضان أمريكي، فإن بلاغ الديوان الملكي كان واضحا لا لبس فيه، مشددا على أن التدابير التي تقوم على استئناف الاتصالات والعلاقات الدبلوماسية والرسمية مع إسرائيل يجب أن تكون على المستوى المناسب، بمعنى أن الاتفاق ليس شيكا على بياض، ويمكن في أي لحظة إعادة النظر فيه، حسب إيقاع الأطراف الأخرى ومدى احترام التزاماتها.
ولذلك أصرت البلاغات الملكية على الأقل في مناسبتين، إحداهما موجهة إلى القيادة الفلسطينية وأخرى إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، التأكيد للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء على موقفنا الثابت الذي يساند الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والدفاع عن الوضع الخاص لمدينة القدس الشريف، وحماية طابعها الإسلامي وحرمة المسجد الأقصى، والتشبث بالحل السياسي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس مفاوضات السلام المباشرة بين الطرفين، وعلى قاعدة قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي وحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية والمستدامة وذات السيادة، وعاصمتها القدس الشريف .
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 10/10/2023