البرلمان الأوروبي يفضل للمغرب… الاستبداد !!!

طالع السعود الأطلسي

انتصارات الفريق الوطني في مونديال قطر رفعت منسوب المعنويات الوطنية… أمطار الأسابيع والأيام الأخيرة أنعشت خصوبة الأرض وحرارة الأمل في النفسية والمزاج الشعبيين… وكل ذلك يشحن التدافع السياسي والاجتماعي في البلاد بنفس إيجابي من الاعتزاز بالوطن ومن الثقة في ممكناته البشرية ومميزاته الطبيعية… وفجأة، وضد هذا الانشراح الوطني المغربي، “يطلق” البرلمان الأوروبي على المغرب قذيفة “ببارود فشينك” أخطأته وانفجرت في الهواء… “قبة” المعنويات الوطنية الواقية للمغرب تصدت لها بتلقائية… طاقتها شعب، بكل مؤسساته وقواه، منهمك في آمال حقيقية وانشغالات جدية وتفاعلات واقعية مع تحديات تنموية، يراكم فيها الإنجازات، يقوم بتجسير الفجوات ويحاول النهوض من العثرات… وقد انتفض المغرب عبر مؤسساته، التي داس عليها قرار البرلمان الأوروبي بل وألغاها، شكلا ومضمونا… رد البرلمان المغربي كان حازما، صارما وعارما بأصوات التعبيرات السياسية، النقابية والمهنية، المدينة للقرار والغاضبة منه… المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كان عميقا ودقيقا وفاضحا لتطاول القرار على الممارسة القضائية المغربية وافتراءاته ومزاعمه حولها… والمجلس الأعلى للصحافة المغربية صدح في رده بحقيقة أوضاع الممارسة الصحفية المغربية والتي غيبها القرار، وأعمل فيها انتقائية متعسفة وأثخنها بتأويلات وأكاذيب مستقاة من جهات معلنة العداء السياسي للمغرب… لقد كانت ردود تلك المؤسسات صادرة من عمقها الديمقراطي، فهي أصلا ثمرة مسار طويل، عسير ومؤلم من إنضاج الاختيار الديمقراطي وتأصيله في الكيان المغربي، مسار سرع إنجازاته تلاحم الملك والقوى الشعبية، وهذا التلاحم هو الذي تصر أوساط أوروبية على تجاهله، يزعجها بل ويفزعها، لأنه يقوي استقلال الإرادة الوطنية المغربية ويعقمها من التبعية لغير المصلحة الوطنية المغربية…
قرار البرلمان الأوروبي غير ملزم لا للإدارة السياسية للاتحاد الأوروبي ولا لدوله، هو قرار على هامش القرار العملي الفعلي الواقعي للدول الأوروبية، بخاصة في علاقاتها مع المغرب، هو قرار لمجرد الإزعاج، لذلك هو قرار سياسي نشاز، وبلا مفعول للاتحاد الأوروبي، وبالأحرى هو قرار غير ذي معنى للمغرب شكلا، وموضوعا، القرار يصف مغربا آخر، تجاوزه المغرب الواقعي بسنوات وبإصلاحات وبممارسات وبمؤسسات دستورية، سياسية ومدنية، تجاوزه بمراحل من مكتسبات وتراكمات، تجاهلها القرار عن عمد وسبق إصرار. مرتكبو القرار يريدون للمغرب أن يبقى كما عثرت عليه حفريات “هيئة الإنصاف والمصالحة”، وهم لا يريدونه مغرب المؤسسات، مغرب التطلعات الديمقراطية ومغرب التلاحم بين مكونات نظامه السياسي والاجتماعي، نظام يتطور باستمرار بإرادة وطنية خالصة، ويستجيب لتطلعات الشعب المغربي المتقدمة الواصلة وبأناة وبنمو طبيعي، لدى المغرب دولة تتحسس نبضات شعبها، وما يسعى إليه، الذين وراء قرار البرلمان الأوروبي، يريدون، بالذات، نسف بنيات هذه الدولة وروافعها الديمقراطية، بالطبع لن يفلحوا، إذ للمغرب إرادة وطنية تحميه، قوامها تفاعل إرادة الملك والشعب، هل نذكر بأن الملك محمد السادس هو من اقترح في دستور سنة 2011 هندسة جديدة للنظام، توسعت فيها صلاحيات البرلمان والحكومة ومؤسسات الحكامة وهيئات المجتمع السياسية، النقابية والمدنية، مقابل تحديد صلاحيات الملك وتوضيحها ، والوقائع التي لا يستسيغ النواب، الذين وافقوا على قرار البرلمان الأوروبي، التذكير بها، هي أن الملك محمد السادس ومنذ توليه الحكم وهو يحقن التدبير السياسي بإصلاحات سياسية، اجتماعية وثقافية في أفق التملك المغربي للديمقراطية في الدولة والمجتمع، وهو الذي حرص دائما على احترام المؤسسات الديمقراطية والدستورية في قراراتها وصلاحياتها ومواعيد تشكيلها، وفي حرصه على صيانة حرية التعبير عن الرأي، قدم الملك مثالا بنفسه، إذ هو من وجه الأستاذ مصطفى الرميد حين كان وزيرا للعدل (رئيس النيابة العامة آنذاك)، بأن لا يتابع أي مواطن مغربي بتهمة المس بشخص الملك، هل بهذا نحن في دولة استبداد ويقودها ملك مستبد؟
البرلمان الأوروبي لم يكن يصف مغربا آخر وحسب، لقد رام لأن يبقى المغرب أبعد ما يكون عن النظام الديمقراطي… يريده مغربا بلا مؤسسات ديموقراطية وبلا فصل للسلطات وبلا استقلالية لمؤسساته، إنه “يأمر” باعتماد النظام الديكتاتوري في المغرب، عبر إلغاء قرارات القضاء المغربي، بحيث تبقى مؤسسات السلطة القضائية شكلية، كما هو الحال في الأنظمة الديكتاتورية وتخضع لمزاج الحاكم ولسياساته، وليس للقانون، وفي الحالة التي نحن بصددها، يريد البرلمان الأوروبي، أيضا، أن يجرد المؤسسات القضائية المغربية من وطنيتها، لكي تخضع لأوامره وتوجيهاته…
قرار البرلمان الأوروبي، هو شأن أوروبي، وهو نتاج توترات بين بعض حكومات ومعارضات الاتحاد، وحتى بين الهيئة التنفيذية للاتحاد وبرلمانها، وضمن ذلك موضوع العلاقة مع المغرب. طبعا توسلت به دولة بعينها، لكي تحمله مناوراتها ضد المغرب على سبيل الضغط، الابتزاز واستعراض القوة، وهي مناورات فاشلة، إن كانت واضحة ومباشرة، أو استعملت البرلمان الأوروبي درعا سياسيا لها، غير أن القرار يعكس بقدر ما، تلك “الكليشيهات” البالية التي أدمنت بعض فئات النخب الأوروبية (المتوسطية أساسا) على نظرها للمغرب من خلالها، وتود لو تبقى سارية المفعول، ولهذا يستحق القرار أن يدرس في المعاهد كونه يعد تعبيرا عن عجز “العقل” الأوروبي وفشله في فهم تحولات العالم وتطوراته وضمنها التحولات والتطورات المغربية.
أتصور أن “القبة” السياسية والمعنوية المغربية أثبتت فعاليتها وجاهزيتها وهي تسقط قذيفة قرار البرلمان الأوروبي في الضفة الشمالية للمتوسط، كان ذلك تمرينا جيدا وناجحا، وسيعود المغرب إلى انشراحه بثقته في ذاته وبوطنيته… وإلى الفرح بأمطار الخصوبة لفلاحته ولآماله، وإلى انصرافه إلى توسيع وتعميق مساره نحو المستقبل… بإرادته الوطنية وبقراره.

بالاتفاق مع مشاهد 24

الكاتب : طالع السعود الأطلسي - بتاريخ : 26/01/2023

التعليقات مغلقة.