التسابق المحموم نحو قيادة حكومة المونديال

عبد السلام الموساوي

 

 

كلنا يتذكر أنه بعد ظهور النتائج، بدأ عدد من قيادات الأحزاب يغيرون لهجتهم ويبدلون قاموسهم ويتوددون للحزب المتصدر للركوب معه في حافلة الأغلبية المقبلة، وتحول خطاب أولئك « القباح « الذين كانوا يظهرون بمظهر الخصوم الشرسين الذين بنوا حملتهم الدعائية وبرنامجهم الانتخابي على مهاجمة الحزب الفائز بالانتخابات، إلى حملان وديعة بين عشية وضحاها …
وإن ما يحدث، منذ أيام، بين أحزاب التحالف الثلاثة، قد ننظر إليه، من زاوية تحليل بسيطة، ونصفه بانتهاء شهر العسل وقطع شعرة معاوية بينها، وانطلاق السباق المحموم نحو انتخابات 2026. والحال أن هذه الأغلبية المتغولة ومنذ الميلاد وقبله، كانت على طرفي، بل على أطراف، نقيض، والكل يتذكر الحروب الإعلامية والمواقف التي عبر عنها قادة أحزاب الأغلبية الثلاثة خلال الحملة الانتخابية .
وهكذا، وقبل موعد الانتخابات بقليل، ظهرت مؤشرات تراشق بين الأغلبية الحكومية، والتسابق المحموم نحو قيادة حكومة المونديال .
إن النقاش، حول من سيقود حكومة 2030، هو نقاش ينبغي أن يكون مهما لجميع المغاربة، من موقع اختبار الرهانات المطروحة على المرحلة المقبلة، وطرح الأسئلة الأساسية والمحورية والمساهمة الجماعية في إيجاد أجوبة لها، وليس اختزال الأمر برمته في صراع بين أخنوش والمنصوري وبركة، ومن منهم سيصل إلى كرسي رئيس الحكومة بعد 2026 .
إن التحضير لقيادة الحكومة من قبل الأحزاب في المعارضة والأغلبية طموح مشروع للجميع، شرط تكافؤ الفرص، وطرح برامج تنموية واضحة تنطلق من الواقع المعيش وقابلة للتنزيل، وتساير التعليمات الملكية السامية، بخصوص الرفع من مستوى اليقظة في التعامل مع أزمة الماء والحاجة إلى تشجيع الاستثمارات والتشغيل، والاهتمام بالفئات الشابة وتكوينها، وفتح باب الأمل أمامها بتجويد الخدمات والحياة العامة .
في ظل التراشق السياسي الذي يعتمد على الشخصنة وتصفية الحسابات، لا يمكن تحقيق الهدف المطلوب لاستقطاب الناخب ومشاركته بشكل مكثف في العملية الانتخابية، لذلك لابد من تقييم دقيق للأداء الحكومي بواسطة تشريح الملفات الاستراتيجية، وإخضاعها لتقييم الأرقام بمشاركة ذوي الاختصاص، بدل لغة الإنشاء أوالاستغراق في الإكراهات والمعيقات والتراكمات، لأن الأرقام عصية على التكذيب والتلاعب بالعاطفة والمزايدات الفارغة .

 

كل المؤشرات تدل على انتخابات برلمانية ساخنة سنة 2026، لارتباطها بمرحلة مفصلية في تاريخ المغرب وطي ملف الصحراء المغربية، بدعم الحكم الذاتي كحل وحيد من قبل الدول العظمى، وتزايد عزلة الجنرالات والكيان الوهمي، إلى جانب آفاق استغلال المغرب لمناجمه في التطور الصناعي الخاص بالسيارات والطائرات، والتوفر على احتياطي مهم من غذاء العالم يتمثل في ثروة الفوسفاط، والتسابق الدولي على الاستفادة من خيرات القارة السمراء .
على الأحزاب التحلي بالمواطنة وتقدير دقة المرحلة، والتخلص من ترهلات الفساد والخمول السياسي والركون إلى الوسائل التقليدية في اعتماد الوجوه الانتخابوية عوض البرامج …ضرورة خلق جو تنافسي حول البرامج وتقديم كفاءات قادرة على إضافة للمشهد الانتخابوي، والقطع مع تكرار الميل للعلاقات الشخصية وتوريث المناصب والسعي إلى المكاسب، أكثر من التفكير والتوفر على برامج تنموية واقعية تغري الناخب بالمشاركة، وخلق أجواء التتبع والتقييم داخل فضاء مؤسساتي وحقوقي وإعلامي، وفي احترام لقواعد الديموقراطية والقانون .
المغاربة في حاجة إلى برامج واقعية واعدة وليس إلى “بوليميك” فارغ يحاول تغطية الشمس بالغربال، لقد سئم الرأي العام من مسرحيات السب والاتهامات المتبادلة بين بعض زعماء الأحزاب. والرأي العام يسجل ويتابع من من الزعماء يتقن فن السب والوقوع في التناقضات، ومن منهم ينتج خطابا سياسيا متماسكا معبر عن مشروع مجتمعي.
المغاربة محتاجون لأجوبة مقنعة حول أمراض الصحة وأعطاب التعليم وشبح البطالة وهشاشة السكن ورداءة الأجور ولهيب الأسعار وغول الفساد، وليس إلى دغدغة عواطف المقهورين بخطاب قد يتلاعب بقلوبهم وعقولهم لكنه لا يغير أحوالهم نحو الأفضل .
لقد كان استحقاق 8 شتنبر محطة مفصلية لإنتاج مشهد سياسي جديد تنتج عنه قطيعة سياسية وتدبيرية مع الولايتين السابقتين اللتين كلفتا البلد فاتورة ثقيلة، وكانت فرصة لتناوب ديموقراطي جديد، إلا أن تغول الثلاثي أجهض الأمل وخيب أحلام الناخبين والناخبات الذين صوتوا بكثافة .
مهمة استعادة المواطنين من أحضان الشعبوية والاغتراب السياسي والعزوف والكيانات المسمومة تبقى هي السبيل الوحيد والأوحد لإضفاء المعنى السياسي على الممارسة السياسية …وهي مهمة منوطة بالأحزاب الحقيقية، الأصيلة المتأصلة، بمشروعها المجتمعي الديموقراطي الحداثي، وبشرعياتها التاريخية والمستقبلية …
لقد مللنا من الأحزاب والمرشحين الذين يقولون شيئا ما في أثناء مسار العملية الانتخابية، ثم يفعلون شيئا آخر عندما يتولون مناصبهم كما حدث مع “البيجيدي” ويحدث مع الثلاثي المتغول الذي أطلق في زمن الحملة الانتخابية  وعودا وهمية محاطة بسياج من الأكاذيب .

الكاتب : عبد السلام الموساوي - بتاريخ : 31/01/2025