التوتر الاجتماعي الكبير بفرنسا يضعف سياسة ماكرون الخارجية 1/2
باريس يوسف لهلالي
يبدو أن الاضطرابات الاجتماعية الكبيرة التي تشهدها فرنسا بمناسبة إصلاح منظومة التقاعد أضرت بسياستها الخارجية وزادتها ضعفا، خاصة في أوروبا وإفريقيا، ولم يعد كتاب الافتتاحيات يترددون حتى في الصحف اليمينية المقربة من دوائر القرار في إبراز هذا الفشل وهذا الارتباك اللذين يمسان السياسة الخارجية بفرنسا، التي تراجع دورها الدولي وراكمت الفشل منذ انتخاب الرئيس ايمانويل ماكرون سنة 2017. أحد هؤلاء الكتاب، وهو لوك دو باروشيز، رئيس تحرير قسم «العالم» بمجلة «لوبوان» كتب مؤخرا «إن الديموقراطية الفرنسية هي مريضة اليوم»، وتابع في نفس الاتجاه وفي نقده اللاذع لسياسة الرئيس، داخليا وخارجيا، بالقول «أي رئيس يدعي إعادة بناء أوروبا، أو حتى تغيير العالم، يواجه أسوأ الصعوبات عندما يتعلق الأمر بإصلاح فرنسا»، متسائلا «كيف تحافظ على مصداقيتك في الساحة الدولية بمشروع إصلاحي وأنت لا تعرف حتى كيفية ترتيب بيتك الداخلي؟». وأشار كاتب الافتتاحية إلى أن «حلقة السترات الصفراء في سنتي 2018-2019، ثم الفوضى التي أحدثها مشروع إصلاح التقاعد عام 2023، كشفت عن الواقع المظلم: رئيس جمهورية مشلول على الساحة المحلية، وفرنسا مثقلة بالديون، والحكومة غير قادرة على السيطرة على المالية العامة، والديمقراطية الفرنسية مريضة».
بالنسبة لكاتب هذه الافتتاحية فإن الفشل الكبير الذي تعرفه السياسة الخارجية لفرنسا اليوم يعود إلى التدبير السيء لشؤونها الداخلية، وعدم قدرة فريق الرئيس على وضع سياسة داخلية ترضي الفرنسيين قبل التوجه إلى الخارج.
مشاكل الرئيس على المستوى الدولي لا تنتهي، فبعد تصريحه لإحدى الجرائد الفرنسية مؤخرا، في أعقاب زيارة قام بها إلى الصين، والذي دعا فيه أوروبا إلى عدم «الدخول في منطق الكتلة مقابل الكتلة»، وعدم التبعية في سياستها لأمريكا، لم يتأخر الرد الأمريكي، الذي وإن كان ديبلوماسيا من الناطق باسم البيت الأبيض، إلا أنه لم يكن كذلك في الصحافة الأمريكية، وفي هذا الصدد قالت صحيفة «نيويورك تايمز» في مقال تحليلي لزيارة الرئيس الفرنسي إلى الصين إن زيارته «تقوض» الجهود الأمريكية الرامية لاحتواء نفوذ النظام الاستبدادي بقيادة الرئيس الصيني شي جينبينغ. السناتور الأمريكي ماركو روبيو تساءل بدوره «هل يتحدث الرئيس الفرنسي باسم الأوربيين»، في ما اعتبر بعض النواب الأوربيين أن هذه التصريحات لم تكن مناسبة أو لم تأت في الوقت المناسب خاصة في وقت تحتاج أوروبا لأمريكا في الحرب الروسية الأوكرانية.
من المؤكد أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عند انتخابه في العهدة الأولى كان محل إعجاب جزء كبير من الفرنسيين والأوربيين خاصة في خطاباته حول أوروبا ووحدتها، وقدرة فرنسا على ريادة قطب أوروبي مقابل قطب الولايات المتحدة الأمريكية والصين، خاصة أن أوروبا كانت تعاني في ذلك الوقت من نتائج سياسة «البريكسيت» البريطانية وقرارها بمغادرة الاتحاد الأوروبي. لقد كان الجميع ينتظر دفعة جديدة لهذا التكتل، ووضع الجميع أمله في قيادة فرنسية جديدة وشابة تخرج القارة العجوز من سياستها المترددة والمحافظة في وضع سياسة استراتيجية مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وكان انتخابه لأول مرة هو أمل للأوربيين وللعالم بنهاية الكابوس القومي الشعبوي الذي بدأ يزحف على أوروبا وامريكا، لكن بعد ست سنوات من انتخابه وإعادة انتخابه، أصبح التيار الشعبوي بفرنسا نفسها يتوفر على أكبر فريق برلماني بتاريخ الجمهورية الخامسة، بحوالي 90 نائبا، بل إن بعض خصومه السياسيين مثل فرنسا الأبية لا يترددون في اتهامه بتقوية الشعبوية التي مكنته من الفوز بعهدة ثانية رغم عدم توفره على أغلبية كافية داخل الجمعية الوطنية.
الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 12/04/2023