الجالية وقضية الوحدة الترابية من منهجية التدبير إلى مقاربة التغيير

فيصل العراقي (*)

تعتبر قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية قضية محورية ومركزية، وهذا ما أكده جلالة الملك محمد السادس عندما أولاها الأهمية الكبرى في خطابه الأخير بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان من خلال انفراد الخطاب الملكي بموضوع واحد مرتبط بهذه القضية ، مما يبرز التزام المملكة بتحقيق هدفها الاستراتيجي في الحفاظ على سيادتها على الصحراء المغربية، والدفاع على حدودها الحقة.
لقد أشار جلالته سابقا إلى أن قضية الصحراء تشكل النظارة التي يرى من خلالها المغرب العالم، جاء ذلك في خطاب ثورة الملك والشعب لعام 2022.
هذا الطموح المشترك بين الملك والشعب لا يعكس فقط إرادة الحفاظ على حقوق تاريخية وقانونية وروحية، بل يعكس أيضا تطلعات المملكة لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية ودولية.
العلاقة المتينة بين المغرب والولايات المتحدة تُعتبر مصدر فخر بالنسبة لكل مغربي – أمريكي، خصوصا بالنظر إلى الدعم القوي الذي تقدمه واشنطن «The pen holder» لقضية الوحدة الترابية. كما أن الدعم التاريخي الذي قدمه المغرب لاستقلال الولايات المتحدة يجعل العلاقة بين البلدين علاقة ذات جذور عميقة.
مغاربة- أمريكا فخورون بهذا التحالف الذي يعزز مكانة المغرب دوليا، كما أنهم فخورون بالدعم الدولي الواسع لمبادرة الحكم الذاتي التي تؤيدها 85% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي تعد حلاً واقعيا لهذا النزاع المفتعل.
كل هذا يؤكد أن المملكة المغربية في طريقها لتحقيق الحل النهائي لهذا النزاع بعد نصف قرن من الصراع والآلام والآمال.
التحول من التدبير إلى التغيير، كما دعا الى ذلك جلالة الملك، هو مفهوم أساسي للتعامل مع التحديات المعاصرة. جلالة الملك دعا في خطابه إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية والدبلوماسية الموازية على جميع المستويات، سواء من خلال البرلمان و الأحزاب السياسية أو الجالية المغربية في الخارج.
و في هذا السياق، يعتبر دور الجالية المغربية في الخارج، بما في ذلك الجالية المغربية في الولايات المتحدة، حاسما.
إن أفراد الجالية، لا يعتبرون أنفسهم مجرد مواطنين قاطنين بالخارج ، بل سفراء للمغرب في الدول المضيفة ، ولديهم القدرة على لعب دور فعال في الدفاع عن القضايا الوطنية.
لكن التحول من منهجية التدبير إلى مقاربة التغيير في تناول قضية الوحدة الترابية كما دعا جلالة الملك، يتطلب أكثر من مجرد إرادة. إنه يتطلب عملية شاملة تشمل تحليل الوضع الحالي، وتحديد العوامل الداعمة للتغيير والعقبات التي قد تعترض الطريق.
يجب أيضا أن يترافق ذلك مع تبني تقنيات جديدة ومبتكرة لزيادة الكفاءة والفاعلية، وتطوير المهارات والقدرة على الترافع لمواجهة أعداء الوحدة الترابية هو عنصر محوري في هذه العملية.
التحول أيضا من التدبير إلى التغيير يحتاج إلى خطة ترافع واضحة ومحددة تشمل أيضا مواجهة التحديات التي ترافق أي عملية تغيير، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من كسب الرهان لدى يجب تطبيق استراتيجيات فعالة لمواجهتها، تشمل الأهداف والمخرجات المتوقعة، والموارد المطلوبة، بالإضافة إلى جدول زمني منظم.
وأيضا مواجهة التحديات والمقاومة الطبيعية التي ترافق أي عملية، هذه التحديات جزء لا يتجزأ من كسب الرهان ، لذا يجب تطبيق استراتيجيات فعالة لمواجهتها.

إن تسليط الضوء على المشاريع التنموية الكبرى التي أُطلقتها المملكة في الأقاليم الجنوبية، مثل مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، أو المشروع الإفريقي لأنبوب الغاز المغرب- نيجيريا، اللذين من شأنهما أن يعززا مكانة المنطقة كمركز اقتصادي رائد يربط المغرب بأسواق غرب إفريقيا، كما أشار إليها سفير جلالة الملك بالولايات المتحدة الأمريكية السيد يوسف العمراني ، سواء في اللقاء الذي نظمته السفارة المغربية السبت الماضي ببوسطن مع الجالية وفعاليات المجتمع المدني ببوسطن، واللقاء الذي نظمه مركز دراسات المجتمعات والإقتصادات الإفريقية بجامعة هارفرد، والذي أوضح فيه سفير المملكة المغربية أن « إفريقيا بالنسبة لجلالة الملك محمد السادس ليست فقط قارة المستقبل، بل هي أيضا رئة الحاضر» كما أشار في لقاء «إفريقيا لايف» في دورته 24 بجامعة هارفرد ، الذي عرف حضور عدة دبلوماسيين ومسؤولين أمريكيين وأكاديميين وطلبة أفارقة و الذي أضاف فيه بالقول «بصفتنا ثاني مستثمر إفريقي في القارة، فإننا لا نبني البنية التحتية فحسب، بل نبني روابط الأخوة» .
وعليه فالتغيير يتطلب أن نكون فاعلين حقيقيين في دينامية التطور، وليس مجرد متابعين.
نعم المواطن الأمريكي، بوجه خاص، لا يهتم بالاستثمار فقط ، بل أيضا بالجانب الأكاديمي والثقافي والفني. لذلك، يجب التركيز على تطوير العلاقات مع الجامعات الأمريكية وتكوين الفاعلين الجمعويين على آليات العمل المدني في إطار القوانين الأمريكية.
أيضا الإعلام والتواصل المغربي-الأمريكي هما عنصران أساسيان في تحقيق هذا الهدف؛ بدون إعلام فعال، تظل الجهود الأخرى ناقصة. الإعلام يمكنه أن يساهم في إيصال صوتنا إلى العالمية ودعم قضايانا الوطنية في جميع المحافل.
في الختام، التحول من التدبير إلى التغيير لا يعني فقط إدارة الأمور بكفاءة، بل يعني أيضًا تجاوز التدبير التقليدي إلى تدبير رشيق «Aglie Management « وتفكير استراتيجي وتحفيز الابتكار والتميز.

(*)باحث في الابتكار و التشريع الاجتماعي بجامعة نورث إيسترن

الكاتب : فيصل العراقي (*) - بتاريخ : 16/10/2024

التعليقات مغلقة.