الجماعات الإرهابية في إفريقيا: أرض خصبة للهجمات في أوروبا

نوفل البعمري

العنوان أعلاه مستعار من مقالة للكاتبين سابين وولف وجوزيف روميل، اللذين نشرا تقريرا صحفيًا بالمجلة الألمانية BR24 التابعة للمجموعة الألمانية ARD، تطرقا فيه للتحذيرات الصادرة عن الخبراء والأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأوروبية حول وجود تحركات من طرف التنظيمات الإرهابية الجهادية بمنطقة الساحل، التي تستقطب شباب مخيمات تندوف إليها مستغلة حالة اليأس التي تعيشها المخيمات لتغذية الإرهاب والتطرف، ولتعزيز صفوف هذه التنظيمات التكفيرية التي تريد تحويل إفريقيا إلى بؤرة إرهابية تكون عبارة عن منصة لانطلاق الهجمات الإرهابية نحو أوروبا، وقد ذكر المقال الكيفية التي يتم من خلالها استقطاب هذه العناصر عن طريق التجنيد المباشر أو استعمال وسائل التواصل الاجتماعي لتسهيل استقطابهم لها، وتحويلهم إلى قنابل موقوتة يتم توجيهها نحو المصالح الغربية بأوروبا، وقد قدم المقال كمثال لتعزيز ما تضمنه من تحذيرات خطيرة موجهة لأوروبا والمنبعثة من مخيمات تندوف، حالة أحد الإرهابيين المسمى «اسماعيل» القادم من مخيمات تندوف، الذي عمد إلى بث دعوات للقتل وتدوينات كلها إشادة بالإرهاب مرفوقة بصور مخيمات تندوف نشرها على منصته بوسائل التواصل الاجتماعي، اعتقل مؤخرا بإسبانيا وحوكم من طرف محكمة العدل الوطنية العليا بمدريد التي قضت في حقه بسنتين نافذتين بتهمة التطرف وخمس سنوات أخرى تقرر فيها وضعه تحت المراقبة القضائية.
هذا المقال ليس الأول من نوعه الذي يثير هذا الترابط بين التنظيمات الإرهابية ومخيمات تندوف، ترابط يعكس كيف تحولت معه المخيمات إلى بقعة جغرافية سوداء بفعل حالة اليأس والإحباط التي يعانيها شبابها، بحيث تشكل وضعيتهم أرضية خصبة للاستقطاب والتأطير الإيديولوجي الإرهابي، وقد سبق للأمم المتحدة سواء في تقارير أمنائها العامين أو قرارات مجلس الأمن، أن حذرت من استمرار حالة اليأس في صفوف شباب مخيمات تندوف بحيث اعتبرتها عنصرًا من العناصر الرئيسية المغذية للإرهاب بمنطقة شمال إفريقيا والساحل، وذلك نتيجة انسداد الأفق داخلها وغياب أي أمل في إنهاء الوضع بالمخيمات بسبب تعنت النظام الجزائري، الذي يرفض الانخراط في العملية السياسية بجدية لطي ملف الصحراء على أرضية مبادرة الحكم الذاتي، أضف إلى كل ذلك حالة اللاسلم واللاحرب التي يعيشها الملف ككل مما يزيد من زرع اليأس وانعدام أية إمكانية لضمان حياة كريمة مع صعوبة عودة ساكنة المخيمات، وخاصة شبابها، إلى أرض الوطن بفعل حالة الحصار العسكري المضروب عليهم.
حالة اليأس والإحباط هاته التي أكدتها الأمم المتحدة والمقال المشار إليه التي يعيشها شباب المخيمات، غير مرتبطة بنزاع الصحراء، فقط، الذي أدخلته الجزائر في وضعية الجمود رغم مُطالبتها رسميًا من طرف مجلس الأمن بلعب دور جدي- إيجابي في العملية السياسية، بل هي ناتجة أيضا عن حالة الاحتقان العام التي توجد عليها المخيمات، احتقان بسبب الوضع العام الذي تعيشه ساكنتها مع ما يعنيه ذلك من تزايد حجم الانتهاكات الممنهجة الحقوقية وحالات التعذيب والجرائم ضد الإنسانية التي تتسبب في سقوط ضحايا من الشباب، خاصة الباحث منهم عن أي فرصة للعيش الكريم، وما حالات الإعدام خارج نطاق القانون التي تتم داخل المخيمات، والتي يكون ضحيتها الشباب المنقب عن الذهب، والحالات اليي يتم احتجازهم واختطافهم في سجون البوليساريو تحت حماية الدولة الجزائرية، وسياسة التجويع الممنهج التي تخضع لها ساكنة المخيمات نتيجة نهب وسرقة المساعدات الإنسانية…وغيرها، إلا عوامل تساهم بشكل مؤكد في تغذية الإرهاب والتنظيمات الجهادية بشباب المخيمات، الذي يجد نفسه مجبراً أمام هذا الوضع على الهروب نحو هذه التنظيمات التي يعتبرها «أرحم» من مليشيات البوليساريو وممارساتها الحاطة من الكرامة الإنسانية.
مقال الباحثين الألمانيين، الذي دق ناقوس الخطر داخل أوروبا، يشير بشكل واضح ومباشرإلى تنامي الأصوات داخل الغرب المحذرة من هذا الترابط العضوي بين تنظيم البوليساريو والتنظيمات الجهادية التكفيرية، وهو ترابط لا يتأثر فقط بمختلف العوامل التي تساهم في تزايد حالات اليأس والإحباط في صفوف شباب المخيمات، بل أيضا بالحالة التي تحول فيها هؤلاء إلى عنصر تهديد لأمن أوروبا بضربات إرهابية، وبورود دعوات الإشادة به، وهي دعوات لن تتوقف مادام تنظيم البوليساريو غير مدرج ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية العالمية، ومادام مستمرًا في سياسته الممنهجة الموجهة لساكنة المخيمات التي تُدفع إلى الانتحار عن طريق الارتماء في أحضان التنظيمات الإرهابية الداعشية، التي أصبحت تتعاطى مع المخيمات كمشتل ومنبع أساسي يتم فيه إعداد شباب يائس ومعطوب، اجتماعيا ونفسيا، مؤهل لتقبل الفكر الإرهابي، خاصة وأن إيديولوجيا تنظيم البوليساريو لا تختلف في أهدافها عن الإيديولوجية التي تصنع الإرهاب، فكلاهما يستندان إلى الإحباط والاستدراج والتجنيد القسري للأطفال واغتصاب النساء وتحويل المدنيين إلى ذروع بشرية، وهي كلها عوامل لا تضع أي فوارق بين تنظيم مليشيا البوليساريو والتنظيمات الإرهابية.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 10/07/2023

التعليقات مغلقة.