الجهوية واللامركزية في المغرب: كيف يمكن للجهات تحقيق دورها التنموي الفعّال؟
محمد السوعلي (*)
تعد الجهوية المتقدمة في المغرب موضوعًا مهمًا في السياق السياسي والإداري، حيث تشكل خطوة نحو تحسين الحكامة وتعزيز التنمية المحلية. ورغم أن الجهوية كانت حاضرة في النقاشات السياسية والإدارية لعدة سنوات، فإن هناك العديد من التحديات التي يجب معالجتها لتحقيق أهدافها المرجوة.
التحديات التي تواجه الجهوية في المغرب
الجهوية في شكلها الحالي تواجه عدة تحديات رئيسية. أبرز هذه التحديات هو غياب التنسيق الكافي بين الجهات، ما يؤدي إلى ضعف التناغم بين مكونات الدولة المحلية. كما أن السلطات المركزية لا تستطيع دائمًا مواجهة التحديات التنموية الحديثة، مما يعيق التقدم على مستوى الجهات. إضافة إلى ذلك، تساهم الاعتبارات الانتخابية والأمنية في تشكيل تصور غير متناسق للجهوية، مما يعوق تحقيق تنمية محلية حقيقية.
زيادة الوعي بأهمية التنمية المحلية
رغم هذه التحديات، هناك زيادة كبيرة في الوعي بأهمية التنمية المحلية وضرورة تعزيز اللامركزية، فالمواطنون والمجتمع المدني أصبحوا أكثر اهتمامًا بالمشاركة في الشأن المحلي، ما يتطلب تسريع الإصلاحات في هذا المجال. إلا أن هذا الوعي لم يترجم بعد إلى مشاركة فاعلة من السكان في اتخاذ القرارات السياسية والتنموية على مستوى الجهات.
دور المنتخبين
في تعزيز الجهوية
إحدى القضايا التي تحتاج إلى معالجة هي غموض دور المنتخبين الجهويين. إن ضعف المقروئية والوعي السياسي لدى المنتخبين يحد من قدرتهم على أداء مهامهم بفعالية. يجب أن تتم مراجعة الأنماط الانتخابية، خصوصًا في ما يتعلق بانتخاب رئيس الجهة، ليتمكن المواطنون من التأثير المباشر في اختيار القيادات المحلية.
تحديد الاختصاصات والتنسيق بين المستويات الإدارية
من الضروري إعادة النظر في تحديد الاختصاصات بين الجماعات الترابية والأقاليم والجهات. التداخل بين المسؤوليات يؤدي إلى صعوبة تنفيذ المشاريع التنموية بشكل فعال. لذا يجب وضع نظام واضح يحدد بدقة اختصاصات كل مستوى من مستويات الحكم المحلي لضمان توزيع عادل للموارد والصلاحيات.
التحديات المرتبطة
بالموارد المالية
لا يمكن للجهات أن تلعب دورها التنموي الفعّال دون استقلال مالي حقيقي. وبالرغم من أن دستور 2011 أكد على استقلالية الجهات، إلا أن الواقع يشير إلى أن الجهات ما زالت تعاني من نقص في الموارد، مما يحد من قدرتها على تنفيذ مشاريع التنمية المحلية بشكل مستقل وفعّال.
دور الدولة المركزية
في دعم الجهوية
رغم أن الجهوية تتيح للجهات فرصة أكبر في اتخاذ القرارات، إلا أن السلطات المركزية لا تزال تحتفظ بقدر كبير من السلطات التي تحد من الاستقلال الفعلي للجهات. من أجل تعزيز فاعلية الجهوية، يجب على الدولة المركزية أن تتبنى مقاربة شاملة تتسم بالمرونة في نقل الصلاحيات والموارد إلى الجهات.
التوجهات المستقبلية
من أجل ضمان نجاح الجهوية المتقدمة في المغرب، يجب العمل على معالجة
التحديات المرتبطة بالتنسيق بين الجهات، وتحديد الاختصاصات، وتوفير الموارد المالية اللازمة. كما يجب أن يتعزز دور الديمقراطية التشاركية على المستويين الجهوي والمحلي، مما سيسهم في تعزيز الثقة في المؤسسات الجهوية وتحقيق التنمية المستدامة. إن معالجة هذه التحديات تتطلب تعاونًا وثيقًا بين جميع الفاعلين المحليين والدولة المركزية من أجل تحقيق تنمية متوازنة تعود بالفائدة على جميع مناطق المملكة.
(*)عضو اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات
الكاتب : محمد السوعلي (*) - بتاريخ : 31/12/2024