الحب بين طوق الحمامة وسان ڤالانتان

فريدة بوفتاس
ونحن جميعا نحيا في زمن التوترات، حيث تعصف الحروب، المٱسي، الصراعات، الأوبئة، والموت الزؤام، بأعصابنا المرهقة، لم نملك لأنفسنا سوى أن نراهن على زمن ٱخر، يكون زمن استرخاء، يذكرنا بأننا لم نوجد كي نبتلع كل هذا الكم من البؤس والشقاء.
في زمن يقترف فيه العنف بمجانية دون حسيب، ويصبح السلام والمحبة غائبان في عالمنا الحالي، يتحول الفرد إلى كائن مرعوب، أي تتغير ماهيته، هو من يكتم مخاوفه، ويحبس أنفاسه، كلما شعر أن ثمة خطرا داهما يحاصره .
كيف لا، وهو يرى آلاف العساكر والآليات الحربية تتحرك في كل الاتجاهات، تدار حركاتها وسكناتها بحسابات، لا يدركها سوى الراسخون في الاستراتيجيات الدولية، وتذهل أمامها أذهان البسطاء من الناس .
لكن، في الوقت الذي تطمئن فيه هذه الفئة الثانية إلى عجزها في فك العزلة عن فهمها بخصوص السياسات الدولية ومتاهاتها، نجد أنها لا تحجم عن خوض غمار قضايا من طبيعة مغايرة، بحجة أنها تدخل في مجال اختصاصها، ووصايتها، وأن مداركها كفيلة بإيجاد كل التفسيرات لما يطرح في حلبة النقاش.
هذه القضايا ذات البعد الأخلاقي، والعقدي، تكون حسبهم /ن في حاجة إلى ذود عنها في وجه كل بدعة أو تحريف، أو ما شابههما ،مما يمنحهم /ن الحق في الدخول في سجال مع من يعدونهم مخالفيهم .
والإشارة اليوم إلى هذا، فرضها الجدل الذي أحدثه إشهار إحدى المنتوجات (بيسكوي ميرندينا) الذي لتسويقه أكثر في إطار ما يعرف (بالماركو تينغ) تم توظيف عيد الحب، وطبع على غلاف قطعة الحلوى عبارات وصور تدعو إلى الحب .
إلا أن هذا لم يكن ليروق للبعض، الذين اعتبروا أن في هذا خدشا للحياء، وتشجيع الناشئة على سلوكات وأحاسيس هم /ن في غنى عنها، بل ذهب البعض إلى الدعوة إلى مقاطعة المنتوج…
وهذا يدفعنا إلى التساؤل التالي:
هل الحب كعاطفة إنسانية، كان دائما مرحبا به في ظل سلط (سياسية، دينية، ثقافية…) أم أنها عاطفة لحقها المنع باسم مطلق ما؟
إذا كان يوم 14 فبراير قد ارتبط رمزيا بعيد الحب، وبالتالي باسم أحد القديسين،( فالانتان )، فهو يقترن أيضا بالقتل، إذ في مثل هذا اليوم في القرن الثالث وتحت حكم الإمبراطور الروماني كلوديوس تم إعدام القديس فالانتان، الذي كان يقوم بتزويج الجنود خفية، بعد أن منع الإمبراطور الزواج عنهم، هو الذي كان في حاجة للدفاع عن روما، وعن الإمبراطورية المهددة بالغزو، وليتم له ذلك، كانت الحاجة ماسة لجنود أصحاء وغير مشتتين ذهنيا بسبب زيجاتهم .
أما إذا نبشنا في الثقافة العربية الإسلامية فسوف لن نغلب كي نجد إبداعات عديدة، اهتمت بهذا الموضوع، وكانت إما على هيئة أشعار، روايات، قصص، أبحاث أو رسائل، والتي تفاوتت في ما بينها من حيث الطرح والقيمة، لكنها تخبرنا أن الحب بوصفه قيمة لم يكن غائبا في هذا التراث، الذي نجد ابن حزم الفقيه الظاهري الأندلسي،(ولد سنة 994وتوفي سنة1064م)قد ألف كتابا عنه، تحت اسم»طوق الحمامة في الألفة والألاّف»، كان من بين من ترك لنا مؤلفا متميزا عبقا بنكهة أندلسية، جمع فيه معظم قصص الحب التي عاشها أو سمعها، وكان ذلك بطلب من صديق له بغرض بيان كل ما يخص العشق وأحواله .
وهو رسالة في صفة الحب «ومعانيه، وأسبابه، وأعراضه، وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة».
ولقد حدد في أحد أبوابه ماهية الحب بقوله :»الحب أعزك لله،أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد لله عز وجل، وقد أحب من الخلفاء المهديين والأئمة الراشدين كثير منهم بأندلسنا..»، موضحا أيضا اختلاف الناس في ماهيته، في حين اعتبر هو أنه «اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع « مستشهدا بالنص الديني «هو الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها ليسكن إليها».
نلاحظ من خلال موقف الفقيه ابن حزم، أن الحب لم يكن يوما ما مستنكرا ولا محظورا في الشرع، بل هو أمر يعيش تجربته الجميع من الناس، من كل الأطياف والطبقات، ومبعث ذلك أن لله خلق لكل نفس نفسا أخرى تسكن إليها.
كما يمكن أن نخلص إلى أن كل الحضارات والثقافات قد أسهمت في إثراء التراث الإنساني بخصوص هذا المفهوم، وما يفسر هذا هو أن الإنسان كان ولا يزال يفكر داخل ثنائية الخير والشر، وبالتالي الحب والكراهية، مادامت طبيعة وجودنا الإنساني غير السلس تفرض ذلك، ومادام الإنسان في كل أعراض تحولاته يبحث عن وجود مسكون بالمحبة، هو من كانت في أعماقه مغروسة لولا ما أفسده الزمان منها، وهكذا نجد البعض ممن يمارس شرورا، مستندا في ذلك إلى مرجعيات نسب إليها أحكاما وتصورات من خلالها يهاجم غيره، على أساس أنه يملك الحقيقة، مهاجما كل من يحاول إعادة نسج العالم من جديد، في صورة أجمل، وتعبيرا عن قيمة سامية ونبيلة، والتي لن تكون سوى قيمة الحب.
الكاتب : فريدة بوفتاس - بتاريخ : 15/02/2022