الحوار والمشاركة هي‮ ‬الطريق الملكي‮ ‬للحكم‮ ‬الذاتي‮ ‬

محمد الطالبي

يمثل تأكيد صاحب الجلالة الملك محمد السادس على التشاور مع الأحزاب السياسية حول تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، نموذجا متقدما لفهم كيفية إدارة القضايا الوطنية المصيرية بروح من المسؤولية والحكمة. فالحوار هنا لا يقتصر على مجرد تبادل للآراء أو تعبئة شكلية للأطر المؤسساتية، بل هو آلية فعالة لتقوية الإجماع الوطني، وتحصين السيادة، وتعزيز شرعية القرار لدى جميع مكونات المجتمع.
في المغرب، شكّلت قضايا السيادة الوطنية والوحدة الترابية دائما مقياسا لرصانة المؤسسات وكفاءة القيادة. والمقاربة الملكية القائمة على التشاور مع الأحزاب تعكس فهما دقيقا بأن القوة الوطنية لا تنحصر في السلطة التنفيذية وحدها، بل تتأسس على مشاركة المؤسسات السياسية والنقابية والفكرية والمدنية، لتكون القرارات الوطنية مرنة، قابلة للتطبيق، ومبنية على قاعدة واسعة من التوافق.
ويضيف الحوار السياسي بعدا آخر مهما؛ فهو أداة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية بحكمة.
ففي ملف الصحراء، حيث تتشابك العوامل الإقليمية والدولية، تصبح مشاركة الأحزاب في صياغة التصورات والتوصيات وسيلةً لضمان انسجام السياسات الوطنية مع الرأي العام، ولترسيخ مبدأ المسؤولية الجماعية في إدارة القضايا الاستراتيجية. ومن هنا يتبيّن أن التشاور قوة حقيقية، لأنه يحمي البلاد ويحصّنها، ويجعل السياسات الوطنية أكثر استقرارًا وديمومة.
إضافة إلى ذلك، فإن المشاركة السياسية في القضايا المصيرية تُظهر أن الديمقراطية المغربية تتجاوز مجرد الانتخابات والصناديق؛ فهي ممارسة يومية تتجلى في إشراك الجميع في صناعة القرارات الكبرى، وفي تعزيز الشعور بالانتماء الوطني، وفي تأكيد أن الوطن ملك لجميع مواطنيه، وأن مصالحه العليا فوق أي اعتبارات ضيقة. وهو التوجه الذي رسخته قيادة العهد الجديد منذ ربع قرن، من خلال ممارسة ملكية راجحة ومنتجة ومواطِنة في مغرب صاعد. هذا النهج يعزز الثقة بين المواطن والمؤسسات، ويقلل من احتمالات الاحتقان الاجتماعي والسياسي، لأنه يقوم على مبدأ الشفافية والتشاور والإشراك.
إن التجربة المغربية اليوم، عبر إشراك الأحزاب في بلورة تصور مفصل لمبادرة الحكم الذاتي، تمثل مثالا حيًا على أن الحوار والمشاركة ليسا رفاهية سياسية، بل عنصرًا استراتيجيًا لضمان استقرار الوطن وتحقيق تنمية شاملة، ولتعزيز قدرة الدولة على مواجهة مختلف التحديات، سواء كانت داخلية أم خارجية. كما تؤكد أن قيادة المغرب، بقيادة جلالة الملك، تعتبر مشاركة جميع الأطراف الحية في الوطن مبدأً ثابتًا لا يمكن التنازل عنه، يعكس قوة الدولة وحكمتها.
ويمكن القول إن قيمة الحوار والمشاركة في القضايا الوطنية المصيرية تتجلى في أبعادٍ عدة: فهي تحصّن السيادة الوطنية، وتعزز الشرعية، وتُنمّي ثقافة المسؤولية المشتركة بين المواطن والأحزاب، وتُرسخ الديمقراطية العملية من خلال إشراك الجميع في صناعة القرار. وهكذا يظل التشاور والمشاركة أداة لا غنى عنها للحفاظ على الوحدة الوطنية، وتعزيز الاستقرار، وتحقيق تنمية مستدامة، وهو ما يبرهن عليه حرص الملك محمد السادس على إشراك الأحزاب السياسية في صياغة كل ما يمس مستقبل الوطن وقضاياه الاستراتيجية، وحدة ترابية وتنمية اقتصادية.

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 12/11/2025