الخطاب الملكي يُنصف الاتحاد الاشتراكي ويقطع مع صمت الحكومة

نورالدين زوبدي

في لحظة سياسية دقيقة، تميزت بتصاعد الأسئلة حول مستقبل المسار الديمقراطي المغربي، جاء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش المجيد ليضع حدا لحالة الانتظار، وليحسم في واحد من الملفات التي كانت مثار نقاش داخل الأوساط السياسية والحزبية، ويتعلق الأمر بالإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة. فقد أمر جلالة الملك وزير الداخلية بفتح مشاورات مع مختلف الفاعلين السياسيين، ووجه بضرورة الإعداد الجيد لهذا الاستحقاق الوطني في إطار من الشفافية والاحترام التام لقواعد التنافس النزيه، وهو ما يمكن اعتباره استجابة صريحة وواعية لمطلب ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يردده منذ شهور في لقاءاته الجهوية والإقليمية.
الكاتب الأول للاتحاد، إدريس لشكر، كان من أوائل السياسيين الذين نبّهوا إلى خطورة التأخر في فتح النقاش حول الإعداد للانتخابات، منتقدا ما اعتبره «صمتا غير مبرر» من قبل الحكومة، ومحذرا من تغليب منطق الهيمنة واحتكار مفاتيح العملية الانتخابية. ومع توالي اللقاءات والمواقف، تحول هذا المطلب إلى محور ثابت في الخطاب السياسي الاتحادي، ليس فقط من باب الحرص الحزبي، ولكن من منطلق المسؤولية الوطنية التي تُوجب الإعداد المشترك والشفاف لاستحقاقات تشكل عنوانًا للديمقراطية في البلاد.
الخطاب الملكي جاء ليعيد رسم ملامح المشهد، ويؤكد أن مستقبل الاستحقاق الانتخابي سيكون تحت الرعاية الملكية الصريحة، بعيدًا عن أي حسابات ضيقة أو منطق التحكم السياسي. وإذا كان البعض داخل الحكومة يراهن على تدبير هذا الملف وفق منطق التجاوز أو التأجيل، فإن تدخل جلالة الملك أوقف هذا المسار، وأعاد الاعتبار لدور الأحزاب ومكانة المشاورات السياسية كمدخل ضروري لبناء الثقة وضمان توازن العملية الانتخابية.
في السياق ذاته، لا يمكن إغفال ما طرحه الاتحاد الاشتراكي بشأن إحداث مرصد وطني مستقل لمراقبة وتتبع الانتخابات، وهو المقترح الذي يأتي انسجامًا مع روح الخطاب الملكي، الذي شدد على ضرورة أن تعكس العملية الانتخابية المكانة التي أضحى المغرب يحتلها في المنتظمات الدولية، سواء من حيث التعددية السياسية أو من حيث الالتزام بالمعايير الدولية في النزاهة والشفافية. المقترح الاتحادي لا يُعبر فقط عن قلق مشروع، بل يقدم تصورًا إيجابيًا لتعزيز الثقة في المؤسسات، وتحقيق إشراف مدني وتقني على مجريات العملية برمتها، بعيدا عن منطق التشكيك أو الاتهام.
الرسائل التي حملها الخطاب لم تكن تقنية فقط، بل حملت أبعادًا سياسية وأخلاقية عميقة. فقد أظهر جلالة الملك مرة أخرى قربه من نبض المجتمع، وحرصه على توجيه الحياة السياسية نحو مسار أكثر نضجا ومصداقية. الخطاب كان رسالة طمأنة للطبقة السياسية الجادة، وصفعة لمن توهم أن بإمكانه الاستمرار في إنتاج نفس أساليب التحكم، أو الاستقواء بالموقع الحكومي لفرض موازين قوى غير متكافئة.
لقد حسم جلالة الملك في الأمر، وأعاد الاعتبار لثنائية الثقة والمسؤولية، وهو بذلك يُعبد الطريق نحو استحقاق انتخابي يُعيد الاعتبار للعمل الحزبي، ويُحصن المكاسب الديمقراطية التي راكمها المغرب. والكرة الآن في ملعب الحكومة والأحزاب معًا؛ فإما أن نكون في مستوى اللحظة، أو نترك التاريخ يحكم علينا من موقع العجز والتقصير.

الكاتب : نورالدين زوبدي - بتاريخ : 31/07/2025