الشأن المحلي والشأن السياسي والتنمية.. من تضحيات وضرائب النضال استشهاد عمر بنجلون
بقلم : مصطفى المتوكل
إن الذين يتهافتون على المنابر، ويتطفلون على المشهد السياسي، ويحاربون القوى الوطنية والتقدمية والاصلاحية، ليس من مصلحتهم ولامن يقف وراءهم، أن يتعلموا ويتعلم الناس من تاريخ المناضلين والمناضلات، وسجل التضحيات عبر تاريخ المغرب، وكأنهم يريدون إيهام الاجيال الجديدة بأن لاسياسة ولا نضال ولا تضحية ولا عمل ينفع ويفيد في بناء الانسان والدولة والمستقبل بالشعب ومع الشعب، فيبقى غير المؤهلين سياسيا ومعرفيا، ومن يبحث عن الريع بكل أنواعه ، ومن يضارب ويستغل هوية المجتمع ومعتقداته لتضليل الوعي، فيسعون للتحكم في مفاصل الاحداث ليبثوا ويفعلوا مايلائم هواهم، وليبذلوا الجهد لإسكات وترهيب من لا يسايرهم. لهذا فالحديث عن تاريخ تطور التشريع والاصلاح السياسي والدستوري والمؤسساتي، هو تاريخ للصراع والنضال والتضحية وعمل الشرفاء من داخل المؤسسات وخارجها..
..إن سنة 1959 تحيل على الاطار المرجعي القانوني الاول، وتكشف خلفيات وتوجهات سياسة الدولة في علاقة ببنائها للمؤسسات التي تريد، وطبيعة السلطات ونظام الحكم، وحقيقة المركزية واللامركزية، وحجم «الاصلاحات» المعلن عنها التي تحدث وستحدث، ومدى قوة تفاعل أجوبتها مع انتظارات الشعب والقوى الوطنية، وما يجب أن يكون عليه الامر حتى ندخل عوالم البناء الدستوري والمؤسساتي والتدبيري بالاقدام الرصين والطموح المتلائم ولم لا المنافس للديمقراطيات الحديثة…
ونسجل أن إقرار أول ميثاق جماعي في 23 يونيو 1960، والذي وضع اختصاصات محدودة وضعيفة بوجود سلطة قوية مركزية ومحلية، تجعل قرارات المؤسسات والجماعات، رهينة برأي ووجهة نظر وتصور الوصاية، التي قد تصل إلى حد التعارض والتعطيل أو الحلول محلها ..
ونشير إلى إحداث أول دستور سنة 1962، والذي مهد لمنهجية تنظيم وتوجه المؤسسات ما بين المركز والاقاليم والجماعات ..حيث ينص في الباب الثامن فيما يخص الجماعات على:
الفصل 93: الجماعات المحلية بالمملكة المغربية، هي العمالات والاقاليم والجماعات. ويكون إحداثها بالقانون.
الفصل 94: تنتخب الجماعات المحلية مجالس مكلفة بتدبير شؤونها تدبيرا ديمقراطيا طبق الشروط التي يحددها القانون.
الفصل 95: ينفذ العمال في العمالات والاقاليم مقررات مجالس العمالات ومجالس الاقاليم، وعلاوة على ذلك ينسقون نشاط الادارات ويسهرون على تطبيق القوانين.
وننتقل إلى آخر دستور عرفه المغرب والمعتمد سنة 2011 والذي يخصص الباب التاسع للجهات والجماعات الترابية الاخرى، حيث تنص فصوله على:
الفصل 135: الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والاقاليم والجماعات.
الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية، خاضعة للقانون العام، تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية.
تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر.
تحدث كل جماعة ترابية أخرى بالقانون، ويمكن أن تحل عند الاقتضاء، محل جماعة ترابية أو أكثر، من تلك المنصوص عليها في الفقرة الاولى من هذا الفصل.
الفصل 136: يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة.
الفصل 137: تساهم الجهات والجماعات الترابية الاخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين.
الفصل 138: يقوم رؤساء مجالس الجهات، ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الاخرى، بتنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها.
الفصل139 : تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الاخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها.
يُمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله.
الفصل 140: للجماعات الترابية، وبناء على مبدإ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الاخيرة.
تتوفر الجهات والجماعات الترابية الاخرى، في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية، على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها.
الفصل 141: تتوفر الجهات والجماعات الترابية الاخرى، على موارد مالية ذاتية، وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة.
كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الاخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له.
الفصل 241: يحدث لفترة معينة ولفائدة الجهات صندوق للتأهيل الاجتماعي، يهدف إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الاساسية والتجهيزات.
يُحدث أيضا صندوق للتضامن بين الجهات، بهدف إلى التوزيع المتكافئ للموارد، قصد التقليص من التفاوتات بينها.
الفصل: 143 لا يجوز لأي جماعة ترابية أن تمارس وصايتها على جماعة أخرى.
تتبوأ الجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الاخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية.
كلما تعلق الأمر بإنجاز مشروع يتطلب تعاون عدة جماعات ترابية، فإن هذه الأخيرة تتفق على كيفيات تعاونها.
الفصل: 144 يمكن للجماعات الترابية تأسيس مجموعات في ما بينها، من أجل التعاضد في الوسائل والبرامج.
الفصل: 145 يمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، السلطة المركزية في الجماعات الترابية.
يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية.
يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.
يقوم الولاة والعمال، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها.
الفصل: 146 تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة:
- شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة.
- شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها، طبقا للفصل 138.
- شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 139، من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات؛
- الاختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من هذه الأخيرة طبقا للفصل 140.
- النظام المالي للجهات والجماعات الترابية الأخرى.
- مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية الأخرى، المنصوص عليها في الفصل 141.
- موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليها في الفصل 142.
- شروط وكيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل 144.
- المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات، وكذا الآليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم الترابي في هذا الاتجاه.
- قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدإ التدبير الحر، وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم الأعمال وإجراءات المحاسبة.
.. وسنقف في المشهد السياسي التاريخي ما بين دستور 1962 ودستور 2011 على دخول المغرب مرحلة مشاركة الأحزاب الوطنية والعمل بالمؤسسات المختلفة من أجل التغيير، ومعارضة الجمود والانتظارية، ومناهضة عمليات التراجع عن البناء الديموقراطي، حيث ظهرت أحزاب أسست لبلقنة المشهد السياسي ولمواجهة الأحزاب الوطنية وعلى رأسها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية / الاتحاد الاشتراكي... كما تمت مقاطعة الانتخابات الجماعية 9691 والتشريعية 0791 لأنها في حكم المنصبة والمعينة، وغلب على هذه الحقبة الاحتقان والمواجهات، وحملات اعتقال واختفاء، ومحاكمات ولجوء سياسي، ثم كانت حالة الاستثناء التي امتدت من أواسط الستينات إلى قبيل الاعلان عن المسيرة الخضراء... وسجلت في أوائل الستينات وأواسطها أكبر حملة اعتقال طالت قيادات وقواعد الاتحاد التي وصلت إلى 0005 معتقل، والمحاكمات التي وصل بعضها إلى الإعدام في حق عمر بنجلون والفقيه البصري... وعرف المغرب أيضا انتفاضة التلاميذ والطلبة في مارس 5691. ثم اختطاف الشهيد المهدي بنبركة، وتوقيف صحافة الاتحاد، والتضييق الكبير على عمله ونشاطه، ثم أعلنت حالة الاستثناء في نفس السنة..
وبعد المؤامرات والأحداث التي عرفها المغرب أوائل السبيعينات داخليا وخارجيا بما فيها التطاول على الوحدة الترابية من طرف عدة دول ولوبيات تسعى لإضعاف دول شمال إفريقيا وعرقلة أي تقارب وتعاون وتكامل بينها لفائدة شعوبها ومكانتها بخلق بؤرة للتوتر والابتزاز تستهدف استقرار وتنمية الجميع، فعمل الاتحاد رغم القمع والمنع الذي طال مؤسساته وأنشطته ومبادراته إلى الدفاع عن القضية الوطنية والوحدة الترابية أمام المنظمات والمحافل الدولية.. كما عمل مع حلفائه من أجل تجاوز حالة الاختناق السياسي وصراع الدولة مع أهم الأحزاب الوطنية وتقزيم أدوار المستفيدين من الصراع.. فقام كل من عبد الرحيم بوعبيد زعيم الاتحاد وعلال الفاسي زعيم الاستقلال رحمهما لله على اعتبار أن «المغرب يتجه نحو نفق مسدود» بالتوجه نحو تأسيس الكتلة الوطنية في27 يوليوز1970 ، التي سيكون من مهامها القيام بالتعبئة والتأطير لتقوم القوى الحية والشعب بالنضال المشترك من أجل إنقاد الوطن، وبالقيام بالإصلاحات الضرورية، وإيقاف التردي الذي يشهده المجال الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي.. والعمل على فتح قنوات وباب الحوار مع الملك الراحل الحسن الثاني، وهنا نذكر بلقاء بين عبد الرحيم بوعبيد والملك الراحل الحسن الثاني سنة 1974 يهم أساسا الدفاع عن القضية الوطنية..
وفي سياق التحولات السياسية والتحرك التنظيمي للخروج من ظرفية الاستثناء والجمود، نظم الاتحاد الاشتراكي مؤتمره الاستثنائي 10و11 يناير 1975 الذي تبنى استراتيجية النضال الديموقراطي، وبنى خطه الاستراتيجي على المبادئ الثلاثة: التحرير – الديموقراطية – الاشتراكية... وسيشهد المغرب بعد ذلك الدعوة للمسيرة الخضراء 6 نونبر 1975 وفي خضم هذه التعبئة والانخراط القوي في العمل الميداني مع الجماهير الشعبية من عمال وفلاحين وطلبة، نفذت عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون في18 دجنبر1975 من طرف ظلاميين محسوبين على الشبيبة الإسلامية، والذين لم تكشف بعد تفاصيل ذات صلة بالجهة التي كانت وراءهم للقيام بعملية بشعة وجريمة نكراء تسعى لضرب العمل الديمقراطي، وتطلق حملة للتشكيك في وطنية وهوية حزب الاتحاد،في إطار محاربته ميدانيا لإسكاته وإخضاعه وترهيبه، كما تعرضت الطبقة العاملة وخاصة بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي يؤطرها وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا المناضلون والمناضلات وبصفة خاصة في إضراب الشغيلة التعليمية والصحية في أبريل 9791 حيث طرد الآلآف من وظائفهم واعتقل آخرون، وتعرضت قيادة الكونفدرالية وقيادات اتحادية على الصعيد الوطني لموجة قمعية واعتقالات ومحاكمات إثر الإضراب العام احتجاجا على الغلاء وللمطالبة بتحسين أوضاع الشغيلة، وذلك في يونيو 1891، ولتعتقل قيادة الاتحاد الاشتراكي وعلى رأسها الزعيم الوطني والكاتب الأول عبد الرحيم بوعبيد بسبب موقف الحزب المتميز والرافض لإجراء الاستفتاء بالصحراء على النقيض من الموقف الرسمي، إضافة إلى محطات نضالية كبيرة ومهمة سنة 4891 و0991 و2991.
.. وفي سياق الحراك النضالي، الذي امتد لعقود، لابد أن نشير إلى الربيع الديمقراطي، الذي عرفه المغرب، والذي عجل بإصلاح سياسي ودستوري وقانوني سنة 2011، وخلق دينامية إصلاحية همت إصدار التشريعات المكملة له، استهلكت أكثر من خمس سنوات، وتسبب في نفس الوقت بعد تغير في المشهد السياسي إلى تراجعات وانكسارات مست بمكتسبات نضالات عقود ماضية، ورهنت الحاضر، وسترهن المستقبل بسياسات مالية أجهزت على قدرات الطبقة الوسطى والصغيرة والكادحة ..
إن إشاراتنا لبعض المعطيات المرتبطة بتلك المراحل من تاريخ المغرب ضرورية للتذكير بأن تاريخ النضال والعمل والإصلاح السياسي والدستوري، والذي هم المؤسسات المنتخبة الوطنية التشريعية والترابية الجهوية والإقليمية والمحلية وما يتبعه من إصلاح إداري وتنظيمي يهم قوانين الشأن المحلي والتي كان آخرها القوانين التنظيمية، مرتبط بتاريخ تضحيات القوى الحية الوطنية بما فيها بعض فصائل اليسار بالقطاع الطلابي منذ مابعد استقلال المغرب، وأحيانا بالقيام بأدوار مهمة بين الأحزاب الوطنية حزب الاتحاد والاستقلال، ثم منظمة العمل والاتحاد الوطني وحزب التقدم والاشتراكية ..
إن الطريق نحو بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات الترابية وإنجاز الخطوات المؤدية للتقدم والإزدهار لايأتي بالصدفة، ولا يتحقق بالتضليل والوهم والأحلام الزائفة، ولا تتبلور نتائجه المنتظرة بسياسات تناقض مبادئ العدالة وقواعد الديمقراطية وآليات النزاهة والشفافية والتحكم، والانجراف مع منافع ريعية تستغل المسؤوليات للأهواء والمآرب الشخصية ولصناعة الولاءات التي تقدم على المصلحة العامة وعلى قضايا واهتمامات المواطنين والمواطنات..
إن الوضع السياسي والحزبي في علاقة بالشأن المحلي ومستوى تثمين واستثمار الإصلاحات القانونية والتنظيمية مع تقييمها وتقويمها وتدارك نقائصها ومعيقاتها، أفرز بعض النخب بالمؤسسات المنتخبة، التي لم تستوعب دقة المرحلة التي نمر بها في علاقة باستمرارية المرفق العمومي، وفي ارتباط بتقوية منسوب الثقة عند الشعب في المؤسسات المنتخبة والعمليات السياسية، التي تبنى بين الدولة والقوى الوطنية من أجل غد أفضل، وأفرز غموضا وتناقضا بين المبادئ والبرامج وطرق تدبير غير معقلنة، وواقع الحال الذي لايرضى عنه ويطمئن له الشعب..
الكاتب : بقلم : مصطفى المتوكل - بتاريخ : 28/12/2018