الشبيبة الاتحادية: خمسون سنة من الوعي والممارسة والمسؤولية
عبد السلام الموساوي
بين الأسئلة الكبرى وجواب الممارسة اليومية للشبيبة الاتحادية
بعد نصف قرنٍ من التأسيس، تفرض الذكرى الخمسين للشبيبة الاتحادية أسئلتها بعمقٍ ومسؤولية: هل استطاعت هذه المنظمة أن تحافظ على روحها التجديدية وسط تحولات المجتمع والسياسة؟ هل ما تزال قادرة على الجمع بين استقلال القرار ووحدة الرؤية الاتحادية؟ كيف يمكن ترجمة شعارها الخالد — فخورون بماضينا.. حاضرون لمستقبلنا.. أوفياء لمبادئنا — من خطابٍ احتفالي إلى ممارسةٍ يوميةٍ تُجسِّد القيم الاتحادية في الفكر والسلوك؟
الإجابة عن هذه الأسئلة، وغيرها، تُكتب اليوم في الممارسة اليومية للشباب الاتحادي؛ في التزامهم داخل المجتمع، في شجاعتهم الفكرية، وفي حضورهم الميداني الذي يعيد إلى السياسة معناها النبيل، وإلى النضال رونقه الإنساني.
خمسون سنة من الوعي الاتحادي
منذ سنة 1975، سارت الشبيبة الاتحادية في خطٍّ موازٍ لمسار التحرر الوطني وبناء الدولة الديمقراطية. أصبحت مدرسة لتكوين المواطن المسؤول، والفاعل الواعي، والمثقف الملتزم بقضايا وطنه ومجتمعه.
لم تتوقف عن أداء رسالتها في تأطير الشباب وتنوير العقول، وفي الدفاع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وعن الكرامة كقيمة إنسانية غير قابلة للمساومة.
هي ذاكرة النضال الاتحادي التي لا تشيخ، بل تتجدد مع كل جيلٍ يؤمن أن السياسة التزامٌ لا امتياز.
فخورون بماضينا: ذاكرة لا تنطفئ
الاعتزاز بالماضي هو وفاءٌ لتاريخٍ حافل بالتضحيات والعطاءات.
لقد صنعت الشبيبة الاتحادية لنفسها هويةً خاصة قائمة على الجرأة الفكرية، والانحياز إلى قضايا الوطن والحرية والمساواة. واجهت القمع والاختفاء والظلام، وانتزعت حقّها في الوجود والنقاش والفعل. كانت — وما زالت — شوكة في حلق المحافظين والشعبويين، وصوتًا مضيئًا في زمنٍ سادت فيه الرداءة والسطحية. ذلك الماضي هو رصيد الوعي الذي يمنحها اليوم القدرة على التجديد دون أن تفقد البوصلة.
حاضرون لمستقبلنا: التنظيم الموازي كقوة اقتراح
اليوم، تُمارس الشبيبة الاتحادية دورها كمختبرٍ للسياسات الشبابية، وكقوةٍ فكريةٍ وميدانيةٍ داخل التنظيم الاتحادي. هي تنظيم موازٍ يمتلك استقلال قراره ويُغني الحزب برؤية شبابية متجددة. التنسيق مع الحزب الأم يقوم على الثقة والحوار، لا على التبعية. فمن داخل هذه العلاقة المتوازنة، تنبع قوة الشبيبة كرافعةٍ للتجديد الديمقراطي، وكفضاءٍ لتخريج أجيالٍ من الأطر والكفاءات الوطنية التي تدمج الفكر بالفعل.
أوفياء لمبادئنا: مدرسة القيم والمواطنة
الوفاء مبدأ لا يُعلَن فقط، بل يُمارس في السلوك والفكر والعمل.
الشبيبة الاتحادية تبقى مدرسة للتربية على المواطنة، وعلى الإيمان العميق بقيم التضامن والعدالة والمساواة. هي مشتَل لتأهيل القيادات، وحاضنة للأفكار الجديدة التي تُجدّد الخطاب السياسي وتمنحه المعنى. وفي زمنٍ تُختزل فيه السياسة في المناصب، تُذكّر الشبيبة أن الالتزام الحقيقي هو خدمة الناس، لا استغلالهم.
من المقاومة إلى الابتكار
تحوّلت معارك الشبيبة من مواجهة المنع إلى مواجهة اللامبالاة، ومن مقاومة القمع إلى مقاومة العبث السياسي. التحدي اليوم هو إعادة الثقة في السياسة كأفقٍ للمشاركة والتغيير، عبر الابتكار في التنظيم والتفكير والتواصل.
تعمل الشبيبة الاتحادية على تجديد أدواتها، والانفتاح على التحولات الرقمية والبيئية والثقافية، واضعةً الإنسان في صلب كل فعلٍ سياسي.
فالنضال لم يعد فقط ضد خصمٍ سياسي، بل ضدّ ثقافةٍ سائدةٍ تُفرّغ القيم من معناها.
جيل المستقبل في قلب الدولة الاجتماعية
في سياق بناء الدولة الاجتماعية التي دعا إليها جلالة الملك محمد السادس، ينهض الجيل الاتحادي الجديد بمسؤوليةٍ مزدوجة: أن يُجدد الفكرة الاشتراكية داخل الحزب، وأن يُترجمها في المجتمع من خلال المبادرة، والمواطنة، والمشاركة.
الشباب الاتحادي اليوم حاضرٌ في الجامعة والمجتمع المدني والمجالس المحلية، مؤمنٌ أن العدالة لا تُطلب فقط من الدولة، بل تُبنى أيضًا بالممارسة اليومية للمواطن الواعي. وهكذا يتحول الشعار إلى واقعٍ ملموس:
فخورون بماضينا لأننا نستلهمه، حاضرون لمستقبلنا لأننا نصنعه، أوفياء لمبادئنا لأنها جوهر هويتنا.
الشبيبة الاتحادية… الذاكرة التي تمشي على قدمين
الشبيبة الاتحادية حضور نضالي قوي، صوتٌ يتجدد كل يوم، وإيقاعٌ يتصاعد في تناغمٍ مع سمفونية الوعي المغربي. هي التي تأسست ضد الصمت، ضد الظلام، ضد القمع، ضد الاختفاء وراء الأقنعة. أزعجت الاصوليبن والركيكاليين، وأربكت قوى التخلف والفساد، لأنها جاءت لتقول الحقيقة بصوت الشباب، لا بخطاب الخوف.
تحيةٌ للشبيبة الاتحادية على النجاح والتحدي، على الصمود والإصرار، على وضوح الرؤية وعقلانية المنهج، على المضي في الطريق بثقةٍ وإيمان.
تحيةٌ للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، ابن مدرسة الشبيبة الاتحادية وأحد مؤسسيها الأوائل، على وفائه لهذا الفضاء التربوي الذي صاغ الوعي الاتحادي الحديث.
خمسون سنة من النضال كانت البداية فقط. أما الم ستقبل، فهو أفقٌ مفتوحٌ على جيلٍ يؤمن بأن السياسة التزام، وأن الشبيبة الاتحادية ليست مجرد منظمة… بل ضمير وطنٍ وذاكرة أملٍ لا تنطفئ.
الكاتب : عبد السلام الموساوي - بتاريخ : 12/11/2025

