الشبيبة الاتحادية…من تدبير المواجهة إلى تغيير النتائج

أيوب الهاشمي

لم يكن أمام منظمة كالشبيبة الاتحادية خيار سوى أن تجد نفسها داخل كل المنظمات الدولية الإشتراكية التي تتواجد فيها شبيبة البوليساريو ، حيث ان سبب نزول الشبيبة الاتحادية و إطارها المرجعي و موقفها السياسي جعل منها المنظمة السياسية الأهم في المغرب و واحدة من أهم المنظمات الشبابية الإشتراكية بالعالم ، و عليه كانت تحمل على عاتقها و لعشرات السنين مسؤولية مواجهة أطروحة الانفصال و قيادات شبيبة الجبهة في كل عواصم العالم .
لقد كان من الطبيعي أن تجد شبيبة البوليساريو موطأ قدم لها داخل العديد من المنظمات الدولية ، عالم حاد التقاطب بين الشرق و الغرب و وصول عديد من حركات التحرر من اجل الإستقلال الى السلطة في دولها و تنامي العداء الكبير للدول المركزية و ارتفاع صوت الأقليات و غيرها الكثير من الشروط و الظروف الموضوعية وهي في الغالب كانت نفس الظروف و الشروط التي سمحت لمنظمة الشبيبة الاتحادية في سياق من المواجهة مع الدولة المغربية بأن تجد لها مكانة كبيرة داخل المنتظم الدولي .
ان هذا التواجد داخل نفس الإطار الدولي للمنظمتين قد سمح للشبيبة الاتحادية بتكوين معرفة دقيقة و مهمة بماهية شبيبة البوليساريو و بجمع معلومات كثيرة حولها و حول قيادتها الشابة و سبل اشتغالها و خطوط سيرها الدولي و مراكز نفوذها بل يمكن ان نذهب بعيدا لنقول ان الشبيبة الاتحادية كانت الوحيدة القادرة على المواجهة المباشرة مع شبيبة الجبهة بل حتى الحوار المباشر و اكثر منه زيارة مخيمات المحتجزين جنوب غرب الجزائر.
ان كل السياق الدولي الذي أنتج دعم جبهة البوليساريو على الأرض لسنوات من الحرب في مواجهة المغرب كان هو نفسه الداعم لسياستها دوليا ، فالشبيبة الإتحادية كانت تواجه معاداة حادة ليس فقط من شبيبة الجبهة بل من شبيبات حركات التحرر و الأحزاب الاسكندناڤية و أحزاب أمريكا اللاتينية و شبيبات الأحزاب الافريقية بل حتى شبيبات جنوب أوروبا مثل إسبانيا و فرنسا و منه قد نقول بأن وضع الشبيبة الصعب كان هو نفس وضع الدولة المغربية في مواجهة عديد الدول و التكتلات على مستوى العالم الا أن الشبيبة الاتحادية كانت محاطة بأقصى ظروف التشديد لأنها كانت داخل الطيف اليساري العالمي الأكثر حدة في التعبير عن موقفه الداعم للانفصال ، و من هنا كانت الشبيبة الاتحادية تراكم الهزائم بشكل طبيعي و موضوعي فلا إمكانياتها و لا سياق اشتغالها و قدرتها على التنقل و الحضور في كل ملتقيات العالم كانوا سيمكنونها من خلق اختراق مهم داخل هذا الجدار الذي كان يقبل من منظمة الشبيبة الاتحادية أي شئ سوى الوقوف في وجه قطار دعم الانفصال .
كل هذه الظروف لم تمنع الشبيبة الاتحادية و بجهد شاق من خلق بعض الانسلالات و تغيير بعض المواقف و لو في إطار العمل الثنائي مع شبيبات بعض الأحزاب الأخرى بل حتى انها تمكنت من اقناع قيادة الاتحاد العالمي للشباب الاشتراكي بالقيام بزيارة ميدانية لأقاليم المغرب الجنوبية و لمخيمات المحتجزين جنوب غرب الجزائر و هي التي تبقى في نظري واحدة من أهم الاختراقات التي قامت بها الشبيبة الاتحادية رغم انها لم تتمكن من اخراج تقرير الزيارة و عرضه داخل المجلس الدولي بعدما نزلت شبيبة البوليساريو بكل ثقلها داخله من أجل منع عرضه بل ان التقرير عصف بالكاتبة العامة للمنظمة داخل المؤتمر الذي تلى المجلس الدولي مباشرة بعد سنة و لا يمكن تجاوز حصول الاخت أميمة عاشور على مقعد لأول مرة داخل لجنة مراقبة المنظمة و هو الاجتهاد الهام الذي لم يخلق خوله تراكم قادر على تغيير المواقف خاصة بسبب حصار شبيبة البوليساريو.
رغم كل المحاولات و الاجتهادات بقي الوضع على ما هو عليه ، مواقف ضد المغرب بشكل مبالغ فيه و متشدد داخل المجالس الدولية و داخل اللجان الإقليمية و داخل المؤتمرات أيضا بلاغات مساندة لشبيبة الإنفصال زيارات لمخيمات المحتجزين و غيرها الكثير من اشكال الترافع و الدعم الدولي و اذا كان الاتحاد العالمي للشباب الاشتراكي مشتلا كبيرا لخلق قيادات و زعماء العالم المستقبليين فهذا جعل ربح شبيبة الجبهة مزدوجا حيث ضمنت ان ستكون متواجدة داخل مركز القرار العالمي عبر مسانديها منذ مرحلة تكوينهم الشاب .

مرحلة التغيير …

لقد بدأت أولى بوادر التغيير بعد وصول القيادة الجديدة للشبيبة الاتحادية بعد نجاح مؤتمرها الوطني الثامن و هو المؤتمر الذي جاء بعد نجاح المؤتمر التاسع للحزب و قدوم قيادة سياسية قوية راهنت مرة أخرى على مواجهة شبيبة البوليساريو داخل المنتظم الدولي لكن باستراتيجيات أخرى و رغم ان الرأي السائد حينها داخل الحزب كان شبه مجمع ان محاولة تغيير الوضع داخل اليوزي هو أمر مستحيل بل هو تضييع للوقت و المجهود و الامكانيات و لكن رأي القيادة السياسية جاء مغايرا و حاسما و هو نفس توجه الدبلوماسية الرسمية حينها حيث قررت انه لا مكان لسياسة الكرسي الفارغ داخل المنتظم الدولي الإشتراكي و انه رغم كل الصعوبات الا ان اسماع صوت المملكة داخل هذه المنظمات لا بديل عنه و انه السبيل الوحيد للدفاع عن قضاياه حتى داخل أصعب إطار دولي موازي .
لقد انطلقت اولى بوادر التغيير في مؤتمر تيرانا بألبانيا سنة 2016 حيث تمكنت الشبيبة الاتحادية و عبر تنسيق افريقي و عن طريق استغلال فرصة مبدأ المناصفة من تقديم ترشيح مضمون لمجلس رئاسة اليوزي المعروف اختصارا بالپريزيديوم حيث كانت المقاعد المخصصة لافريقيا أربعة مقاعد ترشح لها أربعة مرشحين كما ان شرط المناصفة ضمن انه و حتى في حالة اضافة ترشيح ذكوري لا يمكن إلا أن يكون المقعد اتحاديا داخل الپريزيديوم الذي كان مضمونا لشبيبة البوليساريو لسنوات دون مجهود يذكر و لمدة زادت عن 30 سنة ، و كم كانت فرحة الشبيبة الاتحادية كبيرة عندما اقفل اجل الترشيح دون إضافة أي مرشح آخر ، لكن صدمة الشبيبة الاتحادية كانت كبيرة عندما قامت الكاتبة العامة للمنظمة Evin incer (سويدية من اصل كردي) بفتح الترشيح داخل المؤتمر ضدا على القانون و بقرار من المجلس الدولي فقط حيث اضافت ترشيحا وحيدا داخل قارة أفريقيا جالبة benidecta lasi من غانا على حسابها الخاص و تقديمها كمرشحة 5 لضرب كل عمل الشبيبة الاتحادية بشكل وقح و فج حيث انه الترشيح الوحيد الذي انضاف الى لائحة الترشيحات في كل قارات العالم ما استدعى مناواشات و احتجاجات وصلت حد الاشتباك بالأيدي و قد نعود لتيرانا هذه بالتفصيل في مقالات أخرى لتوضيح حقائق كثيرة من المهم ان يطلع عليها الخلف الاتحادي بالتدقيق .
بعد عودة الشبيبة الاتحادية من ألبانيا كان لزاما عليها ان تعيش نفس نقاش البقاء او الانسحاب و هنا اؤكد مرة أخرى على قوة و بعد نظر القيادة السياسية فرغم العاصفة التي واجهتها داخليا الا ان القيادة اختارت البقاء و العمل على تغيير الوضع من داخل اليوزي .

بنما 1

لقد قررت الشبيبة الاتحادية بعدها الانتقال الى استراتيجية خلق منظمات و شبكات خارج تأثير اليوزي للتواصل مع اعضاء اليوزي في إطار اخر لا يخضع لسطوة شبيبة البوليساريو و داعيميها و من هنا جاءت فكرة إنشاء شبكة المينا لاتينا للتواصل خاصة مع منطقة امريكا الجنوبية دون ضغط اوروبي و هو ما تحقق سنة 2019 بعد مجلس دولي استثنائي من حيث اداء الشبيبة الاتحادية في سوسة بتونس سنة 2019 كما تمكنت الشبيبة و عن طريق الرهان المبكر على قيادات الأجهزة المستقبليين للمنظمة من استثمار علاقات طويلة و قوية معهم قبل وصولهم لمركز القرار في عمل كان يشبه لعبة رهان طويلة المدى ، كما لا يمكن تجاوز حالة القوة التي وصل اليها الحزب داخل الأممية الإشتراكية بالإضافة إلى الانتصارات الدبلوماسية الرسمية و التي سمحت بدخول مرحلة جديدة بمساحة اكبر و قدرة أكبر على التأثير للشبيبة الاتحادية.
كل هذه المتغيرات وضحت في مؤتمر بنما ما قبل الاخير حيث ان الشبيبة الاتحادية حصلت على ما يفوق 60 صوت في سباقها نحو الپريزيديوم و رغم انها لم تتمكن من اخد المقعد الا انها كانت صدمة كبيرة لشبيبة البوليساريو التي حصلت على ما يفوق 90 صوت ، لكن الغريب كان هو ظهور التوتر على وفد شبيبة البوليساريو التي كانت غير متأكدة لأول مرة في تاريخها من عدم فوز الشبيبة الاتحادية و الذي تجلى في فرحته الهستيرية ليس بفوزه بل بخسارة الشبيبة الاتحادية

بنما 2

بعد ما حصل في المؤتمر ما قبل الاخير داخل اليوزي كان منتظرا ان اخر مؤتمر ب بنما لن يكون كسابقه فقد تقوت روابط الشبيبة الاتحادية في عدة مناطق كان من المستحيل الولوج اليها و تقوت مكانة الحزب في الأممية الإشتراكية بالحصول على نيابة رئيس الأممية و حصولها على مقعد تنسيق شبكة المينا لاتينا و طرد كل توجه داعم للبوليساريو داخل بالإضافة إلى التغير العميق في موقف عديد الدول من قضيتنا الوطنية الأولى كل هذا مكن الشبيبة الاتحادية و بتنسيق مباشر مع 60 منظمة دولية و الكاتب العام للمنظمة Bruno Gonçalves من البرتغال و رئيسها Jesus Tapia و رئيسة لجنة مراقبتها من إعادة الشبيبة الاتحادية الى لجنة مراقبة اليوزي و هي الجهاز المنتخب الثاني و الأكثر أهمية حيت يحدد قانونية المساطر و القرارات المتخدة من مجلس رئاسة اليوزي بل و توقيفها كذلك كما تم اخراج شبيبة البوليساريو بالقوة من پريزيوم المنظمة في سابقة تاريخية دهش لها القريب قبل البعيد بعد 34 سنة من القتال داخل هذه المنظمة .
ان الشبيبة الاتحادية اليوم منتخبة داخل اليوزي و داخل قيادة المينا لاثينا كما أنها مساهم قوي في انشاء منتدى البرلمانيين الشباب و متواجدة عبر ذراعها البيئي Ittihadia green youth داخل منظمة global green youth كل هذا جاء بعد عمل سنوات تخللته خيبات و انتصارات حيث يحضرني موقف هزيمتنا في تيرانا و انا أرى مناضلات الشبيبة يبكين من شدة الحزن و في الجانب المقابل فرح مبالغ فيه كأنه انتصار في الامم المتحدة لكل من حمدي يوسف و طالب سالم و امنتو و عسيرية و هم اليوم كلهم اطر في الجبهة في الاتحاد الافريقي و في شتاتهم الاوروبي حينها توجهت اليهم قائلا لا تفرحو كثيرا فنحن مباشرة بعد عودتنا للمغرب سنذهب للاستمتاع بشواطئ الداخلة الرائعة و سنمارس كل أنواع الرياضات المائية فذهبت الابتسامة و الفرح من وجوههم هناك ايقنت ان التغيير قادم لا محالة و هناك اقسمنا ان الوضع لن يبقى على ما هو عليه

ان الشبيبة الاتحادية اليوم تعيش وضعا مخالفا عن الأمس يجب تقويته و تطويره و اعتقد ان وجودها داخل مجلس الرئاسة لن يتجاوز المؤتمر القادم فهي قد استقبلته لأول مرة في تاريخها في المغرب في سابقة من نوعها على مستوى المنطقة كما ان تمكن الحزب من منع البوليساريو من عضوية كاملة في الأممية و تنظيمه للمجلس الدولي للأممية لأول مرة في تاريخ الحزب و اللجنة الافريقية و المجلس الدولي للأممية الإشتراكية للنساء لا يمكن إلا أن يقوي موقع المنظمة داخل اليوزي بالإضافة إلى الاختراقات الهامة حزبيا و مؤسساتيا عبر المينا لاتينا و منتدى البرلمانيين الشباب.
لازالت الپوليساريو عضوا باليوزي و لا زال الصراع مستمرا و منه فلا غفلة و لا غفوة بل استمرار في العمل و التشبيك لكن المنظمة اليوم اصبحت تتحاشى ان تخوض في الموضوع او ان تصدر اي قرار ضد المغرب بل الاكثر من هذا و حتى في لجنتها الافريقية و حتى حين تنظيمها في جوهانسبرغ في جنوب افريقيا و هو ما أثار حفيظة شبيبة المؤتمر الوطني الجنوب افريقية كل هذا لم يكن ليحصل دون قيادة سياسية متبصرة و مناضلات و مناضلين عاهدوا الله و الوطن ان لا تفريط في قضية المغرب الأولى و في تضحياته حولها مهما كان و مها حصل .

الكاتب : أيوب الهاشمي - بتاريخ : 06/11/2024