الشعبوية لا تصنع رجل الدولة الكفء‮ !‬

عبد السلام المساوي

ليس مقبولًا من قائد سياسي‮ ‬التصرف بمنطق دون مستوى منطق رجال الدولة‮. ‬إن الموقع الحزبي‮ ‬القيادي‮ ‬لا‮ ‬يكتمل إلا متى كان مقترنًا بالقدرة على تمثل مصلحة المجتمع برمته،‮ ‬بما‮ ‬يعنيه من شعب ودولة بطبيعة الحال‮. ‬
ممارسة السياسة من منطلق حزبي‮ ‬ضيق،‮ ‬بالنسبة للحزب المشارك،‮ ‬أو الذي‮ ‬يتطلع إلى المشاركة،‮ ‬في‮ ‬تدبير الشأن العام،‮ ‬ينم عن خصاص في‮ ‬الوعي‮ ‬الضروري‮ ‬بالنسبة لأي‮ ‬قيادة‮ ‬ينطبق عليها هذا الاسم‮.‬
أن تكون قائدا لحزب سياسي‮ ‬يعني،‮ ‬بالضرورة،‮ ‬أن تكون قادرًا على فهم مجريات العمل السياسي،‮ ‬في‮ ‬مختلف المجالات،‮ ‬وأن تكون ممن لديهم القدرة على القول في‮ ‬السياسات العامة للبلاد‮. ‬بل ومن بين من لديهم الأهلية لقيادة الشأن العام،‮ ‬عندما تدعو الضرورة إلى ذلك‮.‬

إن الشعبوية لا تصنع رجل
الدولة الكفء‮.‬

إنها تسقط في‮ ‬درك عبادة دغدغة مشاعر الناس‮. ‬وهو أسلوب فاشل بالتأكيد‮.‬
‮ ‬ليس رجل السياسة الناجح من‮ ‬يعرف ما لا‮ ‬يريد‮. ‬إذ هذا هو المستوى الأقل أهمية من الإدراك السياسي‮. ‬
بل ويمكن القول،‮ ‬بالمقابل،‮ ‬دون أدنى مجازفة أيضًا‮: ‬إن رجل السياسة الناجح ليس من‮ ‬يعرف ماذا‮ ‬يريد فحسب،‮ ‬إذ هذا قد لا‮ ‬يتجاوز مستوى الرغبة،‮ ‬غير الكافية وغير القادرة على استيعاب دلالات الفعل السياسي‮ ‬القابل للنجاح‮.‬
إن رجل السياسة الناجح هو القادر على الإمساك بنقطة التمفصل بين ما لا‮ ‬يريد،‮ ‬وما‮ ‬يريد‮. ‬وهي‮ ‬هنا،‮ ‬مجمل العوامل والظروف الذاتية والموضوعية المرتبطة بالممارسة السياسية،‮ ‬حيث تدخلها ضمن نطاق الممكن أو تخرجها منه‮. ‬أو بالأحرى تحصرها ضمن معادلة ما لا‮ ‬يريد أو ما‮ ‬يريد‮.‬
إذا كان سبينوزا‮ ‬يتحدث عن الحرية باعتبارها وعي‮ ‬الضرورة،‮ ‬فإن بالإمكان القول‮: ‬إن السياسة هي‮ ‬محصلة العلاقة بين ما لا نرغب فيه،‮ ‬وما نريده،‮ ‬مضروبًا في‮ ‬مجمل مكونات الواقع التي‮ ‬تشكل بيئة العمل السياسي،‮ ‬في‮ ‬زمن ما،‮ ‬وفي‮ ‬حقبة تاريخية بعينها‮.‬
إهمال أي‮ ‬ضلع من هذه الأضلاع‮ ‬يعني‮ ‬الدفع بالممارسة نحو المجهول حيث لا نجد تشخيصًا مطابقًا للواقع ولا استراتيجية تؤطر الممارسة كما لا نجد تكتيكًا‮ ‬يتوسط بينها وبين التشخيص‮.‬

‬النقد السياسي‮ ‬شيء،‮ ‬والتحامل شيء آخر تمامًا‮.‬

إذا كان النقد السياسي‮ ‬من مفاتيح العمل السياسي‮ ‬المثمر،‮ ‬فإن التحامل عقيم على كل المستويات‮. ‬وأول ضحاياه‮: ‬العمل السياسي‮ ‬الذي‮ ‬به‮ ‬يحاول تبرير اعتماده بالذات‮.‬
كلما كان هناك موضوع،‮ ‬اجتماعي‮ ‬أو سياسي‮ ‬أو اقتصادي،‮ ‬هام،‮ ‬بالنسبة للمجتمع،‮ ‬برمته،‮ ‬كلما كانت هناك وجهات نظر متعددة،‮ ‬في‮ ‬عملية مقاربته،‮ ‬تعكس تعدد المصالح التي‮ ‬تحرك أصحاب كل وجهة نظر منهم‮. ‬ويمكن اعتبار وجهات النظر المختلفة،‮ ‬هذه،‮ ‬نوعًا من النقد السياسي‮ ‬الضمني‮ ‬بعضها تجاه البعض الآخر‮. ‬ولا شيء‮ ‬يمنع من تحول ما هو ضمني‮ ‬إلى ما هو صريح،‮ ‬قد‮ ‬يتخذ شكل المواجهة السياسية المفتوحة بين الداعمين لهذا الموقف أو ذاك‮.‬
وما‮ ‬يميز،‮ ‬عادة،‮ ‬هذه المواجهة،‮ ‬انطلاقها من القضية المطروحة على جدول أعمال الممارسة،‮ ‬منظورًا إليها من محددات فكرية وسياسية خاصة بالاتجاهات المنخرطة في‮ ‬العمل السياسي‮. ‬ولأن هناك أساسًا موضوعيًا للمواجهة،‮ ‬فإن النقد السياسي،‮ ‬أو الاختلاف في‮ ‬وجهات النظر،‮ ‬يمكن أن‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى أرضية مشتركة‮ ‬يتم التفاهم حولها لتكون قاعدة انطلاق للممارسة في‮ ‬المستقبل‮.‬
أما‮ ‬غض الطرف عن المسألة المطروحة على جدول الأعمال للتركيز على ما لا‮ ‬يمت إليها بأدنى صلة،‮ ‬كأن تتم شخصنة الأمور،‮ ‬فلن‮ ‬يخرج،‮ ‬عند التأمل الموضوعي‮ ‬والتحايل‮ ‬غير المغرض،‮ ‬عن التحامل‮ ‬غير السياسي‮ ‬بالتعريف‮. ‬لذلك،‮ ‬فإنه‮ ‬يفتح الطريق نحو متاهات،‮ ‬لا أول لها ولا آخر‮. ‬وهذا ما‮ ‬يسم العملية‮ ‬بالعقم المطلق‮.‬

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 04/09/2025