الصين البارحة، اليوم والشراكة الاستراتيجية

مراد علمي
تقدّم جمهورية الصين الشعبية اليوم عروضًا مناسبة للدول الإفريقية في الوقت المناسب، لذلك فمن الصعب مضاهاتها في هذا المجال. كما ترتبط علاقة الصين بإفريقيا ارتباطًا وثيقًا بتاريخ القارة المؤلم، حيث تعود هذه العلاقات الوطيدة إلى كفاح إفريقيا ضد الاستعمار وتشكيل حركة عدم الانحياز في باندونغ، إندونيسيا، عام 1955. في ذلك الوقت كانت الصين قد حققت انتصارها على القوات الصينية المحافظة، بينما كانت الدول الإفريقية لا تزال تُحارب القوى الاستعمارية الغربية آنذاك.
تألقت الصين كشريك بارز في الكفاح ضد الاستعمار خلال تلك الحقبة، خاصة بعد تدهور العلاقات مع الاتحاد السوفيتي وجولة رئيس الوزراء آنذاك، تشو إن لاي، في القارة الإفريقية في أوائل الستينيات. لم يقتصر هذا الدعم على تدريب وتجهيز فصائل المقاومة الإفريقية فحسب، بل بلغ ذروته أيضًا بإنشاء خط السكة الحديدية بين زامبيا وتنزانيا، مما سمح لزامبيا، الدولة غير الساحلية، بتجنب ما كان يُعرف آنذاك بروديسيا وجنوب إفريقيا إبان حقبة الفصل العنصري، والتي كانت تسيطر على السكك الحديدية والموانئ، اكتمل بناء خط السكة الحديدية تازارا عام 1975، تقريبًا في نهاية عهد ماو تسي تونغ، بعد ذلك تضاءل دور الصين في إفريقيا شيئا ما.
والدافع وراء عودة الصين إلى إفريقيا هو استراتيجية «الذهاب إلى الخارج» التي تبناها دنغ شياو بينغ، والتي دفعت الشركات الصينية المملوكة للدولة إلى تطوير أسواق خارجية ومصادر للمواد الخام. ركّزت الشركات الصينية في البداية على قطاع الصناعات الاستخراجية لتأمين النفط والموارد الأخرى لقطاع التصنيع المزدهر في البلاد. هكذا استجابت الدول الإفريقية لمطالب واحتياجات الصين، التي كان العديد منها لا يزال يعاني من سلسلة من التعديلات الهيكلية.
بعد هذه الحقبة، تطورت العلاقة بسرعة، وتم إضفاء الطابع الرسمي عليها في عام 2000 من خلال منتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك). وقد شكّل فوكاك لاحقًا منصةً للتوسع السريع في العلاقات. وسرعان ما أصبحت الصين شريكا رئيسياً للبنية التحتية في القارة، وبحلول عام 2009، أصبحت أكبر شريك تجاري لإفريقيا، بينما ركز الشركاء الصينيون بلا شك على نطاق ضيق نسبياً من الأنشطة، استخدمت الدول الإفريقية منتدى التعاون الصيني الإفريقي كأداة لتعزيز أولوياتها الخاصة، بما في ذلك زيادة التركيز على حفظ السلام والتدريب ونقل المعرفة.
إن مكانة الصين كشريك إنمائي تتجاوز اليوم بكثير دورها كموفر لرأس المال فقط. فقد تفوقت الشركات الصينية اليوم بشكل كبير على منافسيها الغربيين في تعزيز الاتصال بالإنترنت وقطاع الخدمات في إفريقيا. ويتجلى هذا بوضوح في إثيوبيا. فقد اعتمدت الدولة الواقعة في شرق إفريقيا بشكل كبير على نموذج النمو الصيني المتمثل في قطاع منخفض الأجور يركز على التصنيع في مناطق اقتصادية خاصة. وقد مكّن الاستثمار الصيني في صناعات الأحذية والملابس الإثيوبية البلاد من ترسيخ مكانتها كمصدر إلى الاسواق الأوروبية، وإن دل هذا على شيء فهو يدل على ارتفاع تكاليف العمالة الصينية، مما يدفع قطاع الأجور المنخفضة في الصين إلى مغادرة البلاد.
تتفوق الصين أيضًا على منافسيها الغربيين في السوق الاستهلاكية الإفريقية الناشئة التي يبلغ عدد سكانها 1،4 مليار نسمة. تحقق شركة «ترانشون هولدين» الصينية لتصنيع الهواتف المحمولة أرباحًا باهظة من بيع الهواتف منخفضة التكلفة المصممة خصيصًا لاحتياجات المستهلكين الأفارقة. كما أطلقت خدمة بث موسيقى تتفوق على مقدمي خدمات أوروبيين مثل سبوتيفاي وديزر. كما يعرف توسيع الإنترنت في القارة من قبل شركات مثل هواوي تطورا هائلا.
لقد منح انخراط هواوي في جميع مستويات سلسلة توريد الإنترنت، من الكابلات البحرية إلى مبيعات الهواتف المحمولة، حضورًا كبيرا في المملكة وجميع الأسواق الإفريقية، مدعومًا بشكل أكبر بعلاقاتها الوثيقة مع المؤسسات المالية الصينية المملوكة للدولة. ببساطة، لا يوجد منافس راغب أو قادر على تولي أدوار هواوي المتنوعة في إفريقيا. وهذا يُفسر أيضًا سبب تصدّي الحكومات الإفريقية لضغوط واشنطن لقطع علاقاتها مع الشركة بسبب مزاعم التجسس، بدون جدوى، لأن جميع الدول الإفريقية ترفض أي نوع من الوصاية، التهديد، التخويف أو التركيع.
دور الصين الحالي كشريك تنموي فريد من نوعه، حيث من المحتمل أن يتجاوز التبادل التجاري بين المغرب والصين هذه السنة عتبة 10 مليار دولار، فهذا مؤشر قوي على نجاعة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. كما يعكس هذا النمو التكامل المتزايد بين الاقتصادين ويُبشر بإمكانيات أكبر للتعاون الاقتصادي والتجاري في المستقبل القريب، مما يعود بالنفع على كلا البلدين.
ولكن لا يزال التحدي قائما، لهذا يجب على الصين أن تقلص من حدة العجز التجاري، لأن الواردات الصينية تفوق بكثير قيمة الصادرات المغربية إلى الصين، لذا من الضروري جذب استثمارات صينية مهمة قصد التصدير نظرا لمحدودية طاقة استيعاب جميع السلع المصنعة في المغرب، ولكن بصفة عامة يمكن القول إن آفاق الشراكة الاستراتيجية، التعاون البناء، بين المملكة المغربية والصين جد مشرقة، يمكن لنا في هذا الإطار ذكر: قطاع السياحة، الخدمات، اللوجستيك، الاقتصاد الرقمي أو الصناعات الدوائية، من المحتمل أن عرق الشخص الواحد يبلل الأرض، أما عرق الاتحاد يروي المستقبل.
الكاتب : مراد علمي - بتاريخ : 25/09/2025