العقوبات البديلة قراءة عامة

جلال الطاهر (*)

يناقش البرلمان مشروع قانون رقم 43.22 الذي يتعلق بالعقوبات البديلة، حيث نص على نسخ وتعويض أحكام الفصل 14 من مجموعة القانون الجنائي، الذي ينص على أن: «العقوبات إما أصلية، أو إضافية».
فأصبح الفصل المذكور يعتبر أن العقوبات، إما «أصلية أو بديلة أو إضافية».
والتساؤل الطبيعي الذي يطرح هو: ما هي دواعي وضع تشريع يضيف للعقوبات التقليدية عقوبات بديلة؟
هذا التساؤل، يطرحه غياب مقدمة للمشروع الحكومي المذكور، تشرح وتبرر وتبرز أسباب وضع هذا المشروع، هل هي أسباب، حقوقية، أم اقتصادية، أم اجتماعية … أم كل هذه الأسباب مجتمعة؟
المرجح الآن، أن دواعي وأسباب هذا المشروع متعددة، ذلك أن التقارير والبيانات الصادرة عن مؤسسة السجون، تنذر بأن الوضعية لا تحتمل، وقد تتطور إلى كارثة بشرية، يضاف إلى أن هذه الأحوال، تتعارض مع التزامات المغرب، باحترام وضمان حقوق الإنسان المكرسة في الدستور، الذي نص بصراحة على احترام الحقوق المذكورة المكرسة في المواثيق الدولية.
لعل هذه بعض الأسباب والإكراهات، التي حفزت الحكومة على تقديم المشروع المذكور، إلى المؤسسة التشريعية، بغاية تخفيف وطأة تكديس البشر في السجون، في ظروف أقل ما يقال عنها إنها تتنافى مع الكرامة البشرية في حدودها الدنيا، هذا الواقع المختل داخل السجون، قد يبرر البحث عن إيجاد بديل أو بدائل لتجاوزه، أو للحد من تبعاته ومضاعفاته المتعددة.
لكن هذه الرغبة الحميدة مبدئياً، ليست كافية، ولا حتى النية الحسنة للسير فيها، فكثير من المبادرات والأفكار النبيلة والاختيارات الصحيحة مبدئياً، يفسدها التطبيق العاطفي غير المدروس.
ذلك أن مشروع العقوبات البديلة، تضمن عدة مقتضيات ومساطر، مختلفة لتطبيق هذه العقوبة، معقدة إلى حد بعيد، وخاصة في إجراءات تنفيذ ومراقبة تنفيذ هذه العقوبة البديلة، فهناك عدة مساطر وجهات تتداخل مسؤولياتها، والمدد التي عليها أن تقوم بها، والتقارير الملزمة بإنجازها، وضرورة تبليغها أحيانا، لجهة أخرى، تتقاسم معها مسؤولية التنفيذ، واتخاذ القرار وتبليغه أحيانا لأكثر من جهة.
هذا التعدد في ممارسة وظيفة المراقبة والتنفيذ لأكثر من جهة (النيابة العامة، قاضي التنفيذ، قاضي الأحداث، إدارة السجون، قاضي تطبيق العقوبات)، قد تعقد تنزيل تشريع ((العقوبات البديلة))، رغم ضرورته ووجاهته، وتفقده الوصول للغاية المثلى التي وضع لها، والتي قد تبرر أسباب تنزيله.
قد لا يختلف اثنان على أن إيجاد العقوبات البديلة، أو على الأصح تدابير بديلة عن العقوبة السجنية التقليدية، اختيار فرضته الضرورات الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية، إلا أن هذه الضرورات لا يجب أن تحجب الإمكانيات البشرية التي يجب توفيرها، لإخراج هذا الاختيار للواقع وضمان نجاحه، وبغير ذلك يمكن أن يصبح مشروع هذا القانون وسيلة للتهرب من جزاء الإجرام، والإفلات من العقاب، عن طريق القانون، من طرف ((البعض)) الذي لا يعدم الوسائل للوصول لغاياته، في الأحوال التي لا يوجد فيها هذا المشروع، إما وأن الإمكانية أصبحت متوفرة للإفلات من العقاب، فحدث ولا حرج، الأمر الذي يتنافى مع الدستور الذي نص في فصله السادس على أن: (( القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع أشخاصاً ذاتيين واعتباريين بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له…)).
هذه قراءة أولية وسنعود بتفصيل للموضوع لاحقا.

(*) محام بهيئة الدار البيضاء

الكاتب : جلال الطاهر (*) - بتاريخ : 23/09/2023

التعليقات مغلقة.