الفزع الزائد والخيارات الصعبة

د. إدريس الفينة

أمام الأرقام الجديدة والمتزايدة لجائحة كورونا أصبحت كل الخيارات المطروحة صعبة، فتشديد المراقبة على التنقلات ونشاط المقاولات يضعف مردوديتها، كما أن الاستهلاك يتراجع وبشكل كبير. كل هذا الشلل المسجل سينتقل تدريجيا ليشمل جل القطاعات الاقتصادية بشكل مباشر أو غير مباشر، بما فيها النظام البنكي. هذا سيترتب عنه بطبيعة الحال، تراجع قياسي في خلق الثروة وتراجع للمداخيل الضريبية ومنه استثمارات الدولة ومصاريفها، كما سينعكس على البطالة التي سترتفع هي الأخرى لمستويات قياسية أكثر مما هي عليه اليوم، وهو ما قد يهدد السلم الاجتماعي نتيجة لارتفاع الهشاشة بين صفوف شرائح واسعة من المجتمع.
الطريقة التي يتم بها اليوم تدبير جائحة كورونا عن طريق شل النشاط الاقتصادي تطرح أكثر من سؤال حول الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لهذا الأسلوب، وهل فعلا يمثل الحل الفعال والعقلاني؟ لا أعتقد ذلك، فجل الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعرف اليوم أرقاما قياسية في عدد الإصابات والوفيات بسبب جائحة كورونا، لا تلجأ لنفس الأسلوب والطرق لكبح الحركة وشل الاقتصاد، فكل الأنشطة الاقتصادية مفتوحة والحركة غير مشلولة، كما هو الأمر عندنا، والجميع مطالب فقط باحترام القواعد الصحية وخصوصا ارتداء الكمامات.
لقد كنا مجبرين، خلال الشهر الماضي، على تعديل القانون المالي لملاءمته مع المعطيات المالية والاقتصادية الناتجة عن الحجر الصحي، لقد كان هذا القرار الصعب هو الجواب المتاح لمواجهة آثار الجائحة على الاقتصاد وعلى ميزانية الدولة، السؤال المطروح اليوم هو هل سيتم مرة أخرى مراجعة هذا القانون المعدل بعد تراجع كل المؤشرات الاقتصادية والمالية نتيجة للطريقة التي يتم بها اليوم تدبير الجائحة؟ لقد تم كذلك إقرار برنامج طموح لإنعاش الاقتصاد بـ 120 مليار درهم، فهل سيصبح هو الآخر متجاوزا في حال ما إذا استمر شل الاقتصاد بهذه الطريقة التي نلاحظها اليوم.
فالانطباع السائد اليوم هو أن مواجهة الجائحة لا يتم إلا عبر شل الحركة ومنه شل الدورة الاقتصادية لأن الفزع أصبح يتحكم فينا بشكل زائد ولايسمح لنا باللجوء إلى عقلنا.
الوضع الاقتصادي جد صعب وهو أصعب من كل السيناريوهات المحتملة لتطور جائحة كورونا، والمطلوب اليوم من الجميع ليس شل الحركة بالتفنن في ابتداع أشكال غريبة من قرارات الكبح غير العقلانية للاقتصاد، بل علينا التحرك على كل الأصعدة لإنقاذ الاقتصاد عن طريق تفعيل مختلف القرارات التي سبق اتخاذها من أجل تنشيط الدورة الاقتصادية قبل فوات الأوان.

الكاتب : د. إدريس الفينة - بتاريخ : 02/09/2020