الفقيد بنيونس المرزوقي ….مفرد بصيغة الجمع
عبد السلام المساوي
رحيل ليس ككل رحيل
ما كنت لأصدق ما جرى لولا حرقة الدموع التي آلمتني كثيرا، وأنا في زاكورة مساء يوم الاثنين 9 دجنبر 2024 ، عندما رن هاتفي وأخبرت بالخبر المفجع . خيل لي، في البداية، أنها كذبة . لكن سرعان ما تبدد التوجس والشك. سرعان ما استقر اليقين على يقينية الخبر عندما توالت الاتصالات الهاتفية واطلعت على تدوينات عدد من الرفاق التي كانت حصرا في نعي العزيز بنيونس المرزوقي.
حينها لم أجد ما أمني به النفس أو أتوسله لإبعاد النبأ الأليم عن دوائر اليقين التي تستعصي على كل عوامل اختراق الريبة والشك التي تحركت بقوة في نفسي فور سماع الخبر، من قوة الدهشة ومن هول الصدمة ربما. لكن، لا بد مما ليس منه بد، حتى ولو كان عبء النعي ثقيلًا وثقيلًا جدا، فلا مناص من التحمل، ولا سبيل إلى الهروب من مثل هذا العبء وهذا الثقل. لقد رحل بنيونس وليس رحيله أي رحيل.
هناك عدد كبير من الأعزاء، أصدقاءً وإخوةً ورفاقًا، رحلوا وهم يرحلون بوتيرة متسارعة مع تقدم عمري وأعمارهم أو بطريقة لا يعرف أسرارها العشوائية غير الموت ربما، لكنه مع ذلك رحيل يبدو من منطق الأشياء. رتابة الحياة الدنيا: ميلاد وفرحته ومرض وآلامه ورحيل ونصيبه المؤكد من الأحزان ومن الدموع. ولكن ذلك يظل ضمن منطق الأشياء. فمن سيدفن من؟ ومتى؟ هذا سؤال متواتر بين الإنسان ونفسه وبينه وبين أحبائه. يقال جهارًا مرات قليلة ربما، لكنه سؤال وجودي عميق ملازم للنفس لا يكاد يغيب عنها حقا إلا في ما ندر من الأحوال.
هذا قدر. هذا قضاء وقدر، نقول عبر لغاتنا المختلفة، استكانةً وخضوعا، تعبيرًا عن يقين عاجز حتى عن التفكير في تغيير منطق الرحيل المتواتر الأبدي بل وعن استعادة السكينة إلى رجة الأعماق وتوتراتها جراء وقع صدمة ساعة الرحيل.
لكن الرحيل الذي يبدو متماثلا في مواصفاته البادية بل والذي يمكن الاعتقاد بكونه وحيد جنسه بين بني البشر، ليس كذلك في الواقع. فكل رحيل فريد نوعه. وهذه الفرادة بالذات هي التي تقف حاجزًا رئيسًا أمام تقديم هذه الشهادة في حق بنيونس المرزوقي .
لا أريد الإيحاء بأن شهادتي في الفقيد مجروحة بحكم علاقات المحبة والرفاقية العالية التي جمعت بيننا لسنين طويلة وخلال منعطفات مصيرية من حياتنا النضالية المشتركة. فهذا ليس قصدي، على الإطلاق، بل أقصد دعوتكم أن لا تنتظروا مني شهادة الوقائع والأحداث، لأنها لا تفي بالغرض في هذا الرحيل، وفي هذا الراحل الكبير بنيونس المرزوقي بالذات. لذلك اخترت لشهادتي أن تكون شهادة الوجدان العميق، شهادتي الفريدة التي تتلاءم مع هذا الرحيل والفقد والمصاب الفريد.
قد تستغربون إذا قلت لكم اليوم إنني لم أكن أعرف بنيونس حقًا وعندما عرفته كذبت نفسي وهمها فيه، إذ أثبتت لي أنني أعرفه منذ زمن بعيد لا بداية له في وعيي وربما في لا وعيي العميق أيضا. لذلك يستحيل علي اليوم أن أقول الكثير حول ما أعرفه أو خبرته من بنيونس. لذلك اعذروني إذا قلت لكم إنه بنيونس وكفى.
لكن المناسبة تفرض طقوسها وكل الطقوس لها لغتها ورموزها الخاصة ولست هنا لأتهرب من منطقها لكنني سأحاول قدر الإمكان إخضاعها لما يتطلبه بعض الوفاء لروح رجل كبير وفي مقام مهيب مقام الرحيل ومشهد التأبين.
عرفت بنيونس المرزوقي بقلبي. استوطن الوجدان قبل أن تستقر عيني على عينه لذلك فأنا سأنطلق من وجداني في شهادتي المتواضعة هذه في حق فقيدنا الكبير.
ليس بنيونس متفائلًا كغيره من المتفائلين، ليس بنيونس حالمًا مثل غيره من الحالمين، ليس بنيوس أستاذا كغيره من الأساتذة ، ليس بنيونس أكاديميا كغيره من الأكاديميين، ليس بنيونس مفكرا كغيره من المفكرين وليس بنيونس ثائرًا كما غيره من الثائرين. هو تركيبة نوعية خاصة لكل ذلك، لأنه كان يميز دومًا وبدقة لا متناهية وبقدرة فائقة، بين تلك الحالات الوجدانية والنفسية عندما يكون التمييز بينها ضروريًا ودالًا أو موجهًا للفعل العلمي والنضالي والإنساني معًا. فلا تجد بنيونس في ذلك يتنكر لهذه الحالة ليعانق تلك، في قطيعة وهمية بينها وإنما يضع كلا منها في المكان المناسب في الوقت المناسب في أعماق أعماقه. لذلك تراها تتبادل البروز على السطح وتتخذ مركز الصدارة الذي يليق بها عند تعاظم منسوب كل منها ضمن البيئة التي هي بيئتها الخاصة بها وفي سياق قراءة بنيونس الخاصة والفريدة لعناصرها وما يريده منها أن تعبر عنه أو تقوم به من أدوار.
لذلك نادرا ما تشعر أن بنيونس قلق أو حزين أو يائس. بل تجده غاضبا في الحالات التي تدعو إلى القلق أو الحزن أو اليأس. فلكأن الغضب وسيلته لقهر أسباب القلق والحزن والقنوط واليأس. وفي ظني أن بنيونس بارع في إدارة معركة الغضب في وجه القلق والحزن واليأس. وهكذا انتصر على تلك الحالات جميعها فأعطى مثالًا حيًا على التفاؤل الحالم المتوازن وقدم أكثر من عربون على شيم الثائر النزيه، الثائر المتفاني في حب الوطن في خضم الشدائد: شدائد الوطن والشدائد على الوطن.
من هنا أصالة الرجل في حياته المفعمة بالأحداث الجسام خلال المنعطفات السياسية الكبيرة، تمامًا كما في الحالات الإنسانية الكبرى في حياته الخاصة وفي حياتنا العامة جميعًا. ومن هنا وجه الفرادة في رحيله المفعم بالعبر والدلالات وهو الذي أوحى لي لحظات بعد رحيله بكلمات بسيطة في حق هذا الرجل الأسطوري .
نعلم أنك اختفيت لكنك
لم تمت
لقد حدث ما كان حتما سيحدث …وما كان مأمولا أن يتأخر حدوثه…حدث مساء يوم الاثنين 9 دجنبر 2024 ، أن جسد بنيونس المرزوقي أفرغ آخر ما استطاع من نفس، ليسلم أنفاس الإنسان العزيز لفضاءات التاريخ الرحبة والعطرة بأريج انبعاث النيات المخصبة لمشاتل، تولد الشمس في مستقبل التاريخ …
وهو اليوم لم يفعل إلا أن حلق إلى مثواه في البراري المزهرة لذاكرة الوطن ، وهي التي تصون ، برفق وفرح ، حيوات أمثاله من مولدي التدفق في المجرى العظيم للأمل في أوصال وطن يقاوم الارتداد ويراوغ المطبات …ويمضي بهدوء وثبات وبعزم نحو الامتلاء بالكرامة
بنيونس المرزوقي ممتد في المشترك المديد والعميق بيننا…
بنيونس المرزوقي، سيحفظ لك الوطن أنك كنت من أبنائه الأوفياء له، وقد بذلت من أجل تقدمه الكثير من الجهد بكفاءة وطنية ومواطنة، لذلك لن تذهب بعيدا تحت التراب، لأنك ستذهب بعيدا فوق التراب …
بنيونس المرزوقي ذكراك ستزهر وتولد أبدا نفحات الأمل في التقدم نحو حلمك بالوطن الزاخر بالكرامة لمواطنيه…
بنيونس المرزوقي، كنت معنا دوما وستظل معنا دائما…
الأرض أعطتنا بنيونس المرزوقي
نعم إن الأشخاص يمرون، لكن بصماتهم تبقى، نعم إن الأشخاص يعبرون، لكن الأفكار تبقى قائمة تراكم معطيات سيرورتها الخاصة، نعم إن فترة الحياة لا تتسع بالقدر الكافي لشخص ما كي يستكمل نموذجه المثالي، لكنه يمكن أن يطمئن على منجزه حين يصيب بعدوى أفكاره أناسا آخرين…
إن الأفكار مثل الأشجار تماما، تغرس وتعطي ثمارها بعد حين، فلا أحد –الآن وغدا- يمكن أن يجادل في أن أستاذا اسمه بنيونس المرزوقي قد أسس لكلية الحقوق بوجدة ألقها وتميزها، ديناميتها واشعاعها، وصالحها مع الطلبة، وأقام لها منبرا أكاديميا بمواصفات معرفية، منهجية وعلمية، متجاوبة مع طموح الطلبة، مع أحلام نخبة المستقبل ، ومتناغمة مع المجتمع بكل مكوناته…
يحق لنا أن نبتهج أن هذه الأرض أعطت مثل هذه الثمار، وإذا كانت المناسبة شرط، فإن الذكرى الأربعينية لرحيل فقيدنا العزيز بنيونس المرزوقي مناسبة للتكريم الرمزي، هذا حق الرجل الأسطوري علينا جميعا كمغاربة، لقد أعاد إلينا الفرحة والأمل بعد يأس قاتل في قاعة الانتظار مترقبين الانتصار على التفاهة والجهلوت …
هو رجل استثنائي بنجاحه، هو رجل نبت في تربة هذا البلد، خرج من قاع المغرب، من شرقه، من جرادة – حاسي بلال … الرجل الذي انسل منسحبا من الأضواء إلى التعدد في احترامنا له، هو من ملأ حياته بلا دوي، بالوقوف هادئا في مواجهة الصخب صخب الفكر يعارك موجه ليلا ونهارا …
كعادة الأنهار، تنزل من القمم لتسقي السهول، انحدر بنيونس من جرادة، من حاسي بلال، ليصبح منذ طفولته رجلا ممسكا بزمام مسار حياته، حمل في صدره كبرياء القمم وإصرار الأنهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك، يشق مجراه بصبر وثبات، إذ لم يكن من السهل على يافع مثله أن يلتحف أحلامه وينتعل طموحه، ويتعطر بوعيه الوطني المبكر، ويضرب في الأرض منتصب القامة مرفوع الهامة ، محصن أخلاقيا وفكريا … الكفاءة هي العنوان.
وطني خام ومواطن أصيل، وفي للمشروع والنشيد، للشعار والمبدأ، استثناء في زمن الكائنات المتناسخة، مترفع في زمن التهافت ، طموح ، وله من الكفاءات والقدرات ما يجعل طموحه شرعيا ومشروعا … ما أنجزه من دراسات عظيمة، كما وكيفا، ينشده كل يوم ويغنيه ويتصاعد في تناغم مع سمفونية حياة اسمها بنيونس المرزوقي .
وهو طفل، وهو ينمو، نما فيه حب الوطن والانخراط في تنميته، مستعد ليخسر كل شيء إلا وطنيته … مستعد ليتنازل عن كل شيء إلا أنه مواطن مغربي من جرادة .. إنه كالنهر يعود إلى نبعه والماء إلى مصبه الطبيعي … انخرط مبكرا في خدمة وطنه برؤية مستقبلية يرسم حدودها الالتزام والإخلاص وقيم المواطنة …
تربية نضالية نزعت من بنيونس وللأبد مهادنة التفاهة، تنفس عبق تاريخ وطني فرفض أن تكبح تمدده تضاريس تأت في جغرافية السياسة … لم يستثمر نبوغه وإبداعاته للتباهي وتضخيم الذات… مؤمن بأن الاجتهاد التزام ووعي …
مايسترو بحضور قوي في الفضاءات المعرفية، صاحب كاريزما، سلطة الفكر لا فكر السلطة، هذا هو بنيونس المرزوقي الذي يستحق ألف رحمة…
منذ بداية البدايات عشق الحياة… عز عليه أن يسقط فيستجيب للفاشلين… لم يطق له سقوطا لهذا اقتحم قطار الإبداع …
مغزى الميلاد
اقتحم بنيونس المرزوقي الوجود بكثير من الإرادة وبكثير من الأمل، أتى في زمن مغربي صعب وعسير، أتى ليبشر بعودة « السبع السمان « منتصرة على « السبع العجاف « ، لتملأ أرضنا خصبا، وبيادرنا حبا وحبا …يأتي ليهدي دفئا وجدانيا لشرق المغرب …جمعتنا الفرحة بولادته في زمن القحط والعقم، واحتفلنا بألحان النشيد الأنطولوجي …رقصنا مستقبلين ميلاد طفل سيمتلك فن صيانة الذات، الاعتماد على النفس، مقاومة كل الأنماط الاستسلامية الارتكاسية في الوجود، قد يكون الميلاد حلوا …إنما المستقبل أحلى …أتى بنيونس ليكسر الصمت ويحطم المألوف، ليخرج عن المعتاد ويدمر سلطان العادة الطاغي، ليرفض الجهل والخنوع ويناضل للعدالة والكرامة …ليسمو عن دونية الرعايا ويعانق شموخ الإنسان وكبرياء المواطن…
كتب صديقه وزميله الأستاذ المقتدر ، أستاذ حقوق الإنسان والعلوم السياسية بكلية الحقوق بوجدة، الأستاذ محمد سعدي « في البدء كان حاسي بلال والمنجم
مرزوݣي بنيونس مزداد بتاريخ 13 دجنبر 1954. كان من المفروض أن يزداد بجرادة لكن لصعوبات صحية ألمت بوالدته ازداد بمستشفى الفارابي بوجدة. من عائلة عمالية ونقابية، فوالده وبعض إخوته عمال منجميون.
يعتبر نفسه ابن منطقة حاسي بلال، ويعتز بالانتماء لها. اشتغل والده منذ 1936 بمنجم جرادة وتوفي في 26 ماي 1964 بمرض السيليكوز الذي نهش أجساد المئات من العمال المنجميين. أمضى جزءا من طفولته في الحي المغربي (حي الأهالي) بحاسي بلال، وهوعبارة عن مجموعة أحياء عمالية متناثرة، كل حي مخصص لقبيلة أو مدينة ما (ديور مراكش، ديور تازة، دبدو…). وحدث انصهار عجيب بين مجموعة مكوناته:السوسية،التازية، الصحراوية، المراكشية، الريفية،والمكونات القبلية المحلية العربية والأمازيغية.
عاش طفولته في زخم الحياة العمالية بالمنجم ومتأثرا بكفاح والده البسيط، الذي سكن في «باب السمار» أو «ديور الزنك» التي كانت بؤرة عمالية لا تخطئها العين. وهو طفل شهد الاعتصامات والإضرابات وتدخل القوات العمومية في بداية الستينيات، كان يقف بجانب والده مرات عدة خلال اندلاع مواجهات أو مناوشات مع القوات العمومية. واكتشف التمييز الطبقي واصطدم واتقد وعيه السياسي والنقابي في سن مبكر وهو يعاين الحياة البئيسة بالمنجم ويشاهد الشرخ الواسع بين الأحياء العمالية المغربية الفقيرة ومساكن الأوروبيين الراقية جدا في ما سمي بالحي الأوروبي . لم يكن هناك وجه للمقارنة، فالمدينة الأوروبية مشكلة من مساكن فيلات شاسعة مع نوافذ واسعة ووسط حدائق من الأزهار والأشجار أما مساكن الحي العمالي المغربي فكانت بئيسة ضيقة ولا تصلح للبشر.
جرادة حاسي بلال، القلعة العمالية الكبرى وبلاد الرغيف الأسود، بصمت حياة الأستاذ مرزوݣي بنيونس للأبد، سكنته في أعماقه وأحبها حتى الثمالة وعشقها عشقا مؤلما، وشمته بندوب الألم وإشراقات الأمل والأحلام، منحته معنى الحياة وصقلت مسار حياته وحررت طاقاته.
شغف الموسيقى
ينتمي المرزوݣي لعائلة شغوفة بالموسيقى، شغفه بالموسيقى كان مبكرا، ويمتلك «الزعيم» حسا فنيا مرهفا في الموسيقى وهو عازف جيد للغيتار والسنتيتيزور ( جهاز المزج) ويعزف أيضا على آلة العود ولديه إعجاب شديد بالفرقة الغنائية الشهيرة البيتلز وبفرقة ناس الغيوان .
شكل في حاسي بلال منذ شبابه فرقة موسيقية غيوانية، مع إخوانه ومجموعة من أصدقائه، وبعد تيه كبير بين الأغاني الشعبية المغربية ، اختار النمط الغيواني. وبعد التحاقه بكلية الحقوق بوجدة وجد نفسه وسط أساتذة يجيدون العزف سواء على آلة العود أو القيثارة أو الناي …
مع منتصف سبعينيات القرن الماضي، وخلال حياته الجامعية في فاس كان معروفا بقيثارته، وكثيرا ما كان ينشط الأمسيات الطلابية بحي «ظهر المهراز»، ورغم أنه كان يحب آلة البانجو إلا أن ثمنها لم يكن في المتناول. واستمر اهتمامه بالعزف حتى عند الانتقال لمتابعة الدراسات العليا في الرباط. استمر الأستاذ بنيونس على عهده حين يضيق صدره يختلي بنفسه للاستمتاع بالعزف على البانجو .
حس حقوقي مبكر
انخرط بشكل مبكر في العمل الحقوقي، كان من أوائل أعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بعد تأسيسها عام 1979،وكان يحمل بطاقة انخراط رقم 17، واكب وشارك في العديد من الأنشطة والتكوينات والمحاضرات والندوات التي نظمتها الجمعيات الحقوقية المختلفة وبالخصوص الجمعية، والعصبة والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وكانت تهم مواضيع متعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الحقوق السياسية والمدنية، الحقوق الثقافية، قضايا المساواة ومقاربة النوع، الدستور وحقوق الإنسان، الانتخابات، الضمانات القانونية والقضائية للحق في الإضراب، والحق في تأسيس الجمعيات… كما نشر العديد من المقالات والدراسات والتقارير ذات الصلة الوثيقة بحقوق الإنسان. وكان «الزعيم» من أوائل الأكاديميين الذين أثاروا مسألة دسترة الأمازيغية، وعند تحضير مشروع دستور 1992 قام بجولة ألقى فيها محاضرات تحت عنوان «الحقوق اللغوية والثقافية في التجارب الدستورية العالمية»، وطالب فيها آنذاك بدسترة الأمازيغية. لكن بعد ازدياد الوعي بالقضية الأمازيغية بين 1996 و 2011 لم يعد يهتم بالموضوع.
الاهتمام بمجال الحقوق والحريات جعل الأستاذ بنيونس ينخرط في مختلف المبادرات الحقوقية بل ويساهم في أنشطتها، بغض النظر عن تحيزاتها السياسية. فإضافة للتنظيمات أعلاه، عمل مع مركز حقوق الناس، والهيئة المغربية لحقوق الإنسان، والمركز المغربي لحقوق الإنسان.كان صديقا ورفيقا للعديد من الحقوقيين، وبادر للمطالبة بإحداث المجلس الأعلى للمرأة ودسترته وتم تعيينه عام 2012 عضوا باللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لوجدة–فكيك التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
المرأة قاطرة التنمية
عرف «الزعيم» بدفاعه عن حقوق النساء، وكرس جزءا كبيرا من جهوده الأكاديمية والتكوينية للدفاع عن تعزيز تمثيلية النساء في مراكز صنع القرار وإنصاف المرأة المغربية، ونشر عدة دراسات تهم إشكاليات وقضايا المناصفة والمساواة والتمكين السياسي للنساء، ووضعية النساء في كل من مدونة الأسرة والقانون الجنائي وقانون الشغل.
شارك في تحرير أو تنقيح وتصحيح العديد من التقارير الدولية حول الحقوق النسائية، وخاصة من ذلك التقرير حول «القوانين والسياسات والممارسات المتعلقة بواقع مقاربة النوع الاجتماعي بالمغرب»، لصالح المركز الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية، إضافة لدراسات أخرى لفائدة هيئة الأمم المتحدة للمساواة، من قبيل دراسة موسعة حول مشروع قانون هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. كما أنه واكب أشغال لجنة مجلس النواب الخاصة بالمساواة والمناصفة.
مسار نقابي وجامعي وإعلامي زاخر
معانقة كلية الحقوق
حصل على الإجازة في العلوم السياسية سنة 1977من كلية الحقوق جامعة محمد بن عبد الله بفاس،وعلى دبلوم الدراسات العليا في القانون العام من جامعة محمد الخامس سنة 1984بعد شهادتي دبلوم الدراسات العليا في علم السياسة والعلاقات الدولية عامي 1978و1979. كما حصل على دكتوراه الدولة في القانون العام سنة 2022. غالبا ما يقدم نفسه كأستاذ باحث في القانون العام، ولكنه في الواقع أكثر من ذلك.
لا يمكن ذكر كلية الحقوق بوجدة إلا ويكون اسمه حاضرا، فقد كان من مؤسسيها عام 1979 مع أغلبية من الأساتذة الأجانب القادمين من مصر والأردن وسوريا والعراق والسودان وفرنسا التحق الأستاذ المرزوݣي بكلية الحقوق بجامعة محمد الأول في فاتح أكتوبر 1979. تفاجأ بأن كل طاقم هيئة التدريس كانوا في القانون من الأساتذة الأجانب العرب، وشعبة الاقتصاد كانت «مليئة» بالأساتذة الفرنسيين أساسا ! تأثير العيش بجرادة كان واضحا على نزعته النقابية، أول شيء قام به بعد التوقيع على محضر استلام العمل في فاتح أكتوبر 1979 هو البحث عمن يؤسس معه فرعا للمكتب المحلي للنقابة الوطني للتعليم العالي.وكان أول كاتب عام لأول مكتب محلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بكلية الحقوق، كان المكتب نشيطا ويعقد عدة لقاءات مع تعاضدية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بالكلية.
يمتلك قدرة هائلة وذاكرة قوية بتفاصيل التفاصيل، عبر حسابه بالفيس بوك والمواقع الإعلامية لم يتوقف عن تقديم مادة إعلامية وفكرية جادة يعلق فيها عبر حلقات عدة على الكثير من الوقائع الدستورية والأحداث السياسية الوطنية والدولية، وكذا على ذكرياته بجامعة محمد الأول. عضو في عدة هيئات علمية كالجمعية المغربية للقانون الدستوري، ومجموعة البحث في القانون والأسرة بكلية الحقوق وجدة،ومركز الدراسات والأبحاث حول الهجرة المغاربية، ومجموعة البحث في العلم والثقافة… شارك في ندوات دولية عدة بإسبانيا، الأردن، تونس،الجزائر، لبنان، …كما أنه كان عضوا في اللجن العلمية للعديد من المجلات الأكاديمية.
درس الأستاذ مرزوݣي بنيونس لأجيال من الطلبة، الكثير منهم أصبحوا أطرا عليا بالدولة (وزراء، دبلوماسيون، أساتذة جامعيون، برلمانيون…) مواد المصطلحات القانونية، الأنظمة السياسية للدول النامية، القانون الدولي العام، القضاء الإداري، المرافق العامة الكبرى المعاصرة، تسيير المقاولات العمومية، المفاهيم الأساسية للقانون العام،القانون الدستوري، الأنظمة الدستورية الكبرى. كان له دور مهم في تأسيس تخصص العلوم السياسية في كلية الحقوق في العقد الأول من هذا القرن. نشر المئات من الدراسات المتعلقة بالمجال الدستوري والانتخابات وحقوق الإنسان، إعداد التراب الوطني، الأحزاب السياسية. والتحق بالوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان عام 1998 وعين مكلفا بالدراسات بديوان السيد الوزير. ومن خلال هذا المنصب، عايش تفاصيل سير أشغال حكومة المرحوم عبد الرحمن يوسفي.
أنجز دراسات قانونية وسياسية عدة وقدم مشاريع نصوص تهم القوانين التنظيمية والقوانين العادية، كما أنه عاد مرة ثانية لنفس الوزارة كرئيس ديوان انطلاقا من سنة 2009، ومرة أخرى إلى مجلس النواب كخبير استشاري انطلاقا من سنة 2016. خلال هذه المراحل كلها، لم ينقطع عن التدريس الجامعي. وكثيرا ما تم الاستماع إليه كخبير خلال إعداد الكثير من التقارير الصادرة عن المؤسسات الدستورية.
إعلامي متميز
على مستوى الإعلام، في سجله ما لا يعد من مقابلات، استجوابات ومساهمات إعلامية عدة، وهي في الغالب ذات نفحة أكاديمية. كتب بشكل منتظم في الدوريات:الصحيفة، المغرب الجديد، البيضاوي، أنوال، الوطن الآن، العالم الأمازيغي، المشعل، الاتحاد الاشتراكي، العلم، والسياسة الجديدة…، كما كان يتم الاستشهاد بمساهماته في جرائد عدة من قبيل الصحراء المغربية، السياسة الجديدة، Aujourd’hui le Maroc, Tel Quel, l’essentiel، أو تغطية الأنشطة التي يقوم بها من قبل جرائد كالأسبوعية، بيان اليوم، الاتحاد الاشتراكي،جريدة المستقلة اللندنية.
أسهم في الصحافة الجهوية كفاعل مهم في النهوض بها في الجهة الشرقية، وقد أسهم في جرائد الشرق، الحدث الشرقي، الحياة المغربية، الحدود، البلاغ، المنبر، الجهة الشرقية. كما كان وراء جريدة وطنية وجهوية ومحلية تحت اسم»السند «.
نشيط جدا في الإعلام السمعي البصري، سواء عبر المشاركة في برامج مختلفة ذات النفس الأكاديمي في القناة الأولى والثانية والقناة التلفزية ميدي1، والإذاعة المركزية بالرباط والإذاعة الجهوية بوجدة، وقنوات إذاعية وتلفزية خاصة (الحرة،كازا ف م، أتلنتيك، كاب راديو…). كثيرا ما يتم استدعاؤه للقنوات التلفزية للمشاركة في برامج حوارية أو تحليل أحداث أو مستجدات أو إشكاليات قانونية ودستورية. وقد كان عضوا بمجلس المؤسسة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال.
الخبير الدستوري
ارتبط الأستاذ مرزوݣي بشكل كبير بالقانون الدستوري، وليست صدفة أن أول حصة تدريس جامعي في حياته همت الدروس التطبيقية لمادة «القانون الدستوري والأنظمة السياسية»، ومنذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة وتعاقبت وقائع دستورية حافلة انسابت تحت جسر رحلة مسار دستوري دامت 44 سنة.
عرف بنشاطه الحزبي وحضوره الأكاديمي المتميز في النقاشات المتعلقة بالمسألة الدستورية خلال بداية التسعينيات في إطار بداية «الانفتاح السياسي» و»الانفراج السياسي والحقوقي».
في يوم السبت 22 فبراير 1992 كان حضوره لافتا خلال الندوة الشهيرة تحت عنوان « الإصلاحات الدستورية» التي نظمتها آنذاك الأحزاب الثلاثة المعارضة: منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، حزب الاستقلال، الاتحاد
الاشتراكي للقوات الشعبية، وذلك بمقر المركز العام لحزب الاستقلال بالرباط، والتي خلصت إلى ضرورة الإصلاح السياسي الديموقراطي كخيار وحيد. شارك في هذه الندوة التي شكلت حدثا وطنيا متدخليْن اثنين عن كل حزب: عبد الكريم غلاب، وامحمد خليفة، عن حزب الاستقلال؛ عبد الرحمان القادري وعبد القادر باينة عن الاتحاد الاشتراكي؛ عبد الله ساعف وبنيونس مرزوݣي عن منظمة العمل الديموقراطي الشعبي. أثار العرض الذي تقدم به الأستاذ بنيونس مرزوݣي نقاشا واسعا لأنه اقترح سقفا مرتفعا من الإصلاحات بعضها لم يجد له مكان حتى دستور 2011. يروي الزعيم عن هذه اللحظة: « كانت القاعة غاصة بجمهور من حوالي 300 شخص، من أعضاء القيادات الوطنية للأحزاب الثلاثة، تم تكليفي بتقديم اقتراحات لتعديل مقتضيات دستور 1972. يمكن القول على أن «اقتراحاتي» التي لقيت تجاوبا واسعا، استحسنها الجمهور الحاضر، ولقيت تجاوبا وتم نشر معظم مقترحاتي في الصحافة الوطنية. سرني جدا تهنئة قيادات الأحزاب المنظمة، وخاصة المرحوم عبد الرحمان يوسفي، واليازغي، بوستة، وبنسعيد. طيلة وجبة الغذاء ومناقشات المساء، كان النقاش حول مقترحاتي».
من بين الاقتراحات التي قدمها في عرضه آنذاك:ضرورة النص في الديباجة على احترام الدولة لحقوق الإنسان وفقا للمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب؛ النص على معاقبة القانون على التعسف في استعمال السلطة وخرق حقوق الإنسان؛ ضرورة دمقرطة الإعلام الرسمي؛ تحويل الغرفة الدستورية لمجلس دستوري؛ إقرار الاقتراع اللائحي وفق أكبر بقية؛ إنشاء المجلس الأعلى للمرأة؛ المجلس الأعلى للأمن والدفاع؛ المجلس الاقتصادي والاجتماعي، المجلس الأعلى للإعلام، المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ دسترة المجلس الأعلى للحسابات؛ توسيع صلاحيات البرلمان مع اقتراحات ملموسة؛ تنظيم العلاقة بين البرلمان والحكومة بشكل أفضل…هذه المقترحات وغيرها، تضمن دستور 1992 جزء منها، وجزء آخر في دستور 1996، والباقي وجد مكانه في دستور2011.
لم يتوقف انشغاله بالقضايا الدستورية عبر المشاركة في الندوات العلمية الأكاديمية إلى جانب الندوات واللقاءات العامة. ظل مرتبطا في الجامعة بالدرس الدستوري، حيث درس القانون الدستوري المعمق في قسم الدراسات العليا بكلية الحقوق وجدة؛ ومادة الأنظمة الدستورية الكبرى التي تم فصلها عن مادة القانون الدستوري. وقد مكنتنه التجارب المهنية بالوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، وبمجلس النواب، من تطوير تصوره للمسألة الدستورية، كما توسع اهتمامه ليشمل القانون البرلماني.
كانت له مساهمات عديدة عند التحضير للمراجعة الدستورية سنة 2011، من خلال المداخلات، والمقالات، والمساهمات الكثيرة في الإعلام السمعي البصري، والمكتوب، واللقاءات الحزبية والندوات الأكاديمية.وتم تكليفه لمدة شهر كامل للتحضير والإشراف على البرامج والنشرات الإخبارية بالإذاعة الوطنية، في كل ما له صله بالدستور، خلال حملة الاستفتاء.بالموازاة مع هذا الاهتمام بالمجال الدستوري والبرلماني، تخصص بشكل موسع في موضوعين اثنين: أساليب الاقتراع، وتمثيلية النساء في المؤسسات المنتخَبَة.
وإضافة إلى الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني، ساهم في أنشطة مؤسساتية كثيرة، وخاصة من ذلك: أنشطة مجلس النواب: مشروع تعديل النظام الداخلي، مواكبة أشغال مجموعة العمل «برلمانيات من أجل المساواة»، إنجاز أعمال لصالح لجنة العمل الموضوعاتية حول المناصفة، وأنجز ونشر في هذا الإطار حصيلة النساء البرلمانيات بمجلس النواب لأربع ولايات تشريعية 2002-2019. وكان في آخر أيامه بصدد الترتيبات النهائية لإصدار أول مجلة أكاديمية محكمة متخصصة في القضايا الدستورية والسياسية، وهي تحت اسم «المغرب الدستوري».
مسار أكاديمي وتكويني متنوع ومتميز …إنه كفاءة
منذ بداية البدايات عشق الكلمة وداعب القلم …عز عليه أن يسقط فيستجيب لطيور الظلام، عز عليه أن يخفي تمرده وثوريته بأقنعة قذرة …لم يطق له سقوطا لهذا اقتحم قطار الدراسة مهما غضب السيد والجلاد …أصر على أن تبقى الراية مرفوعة والوردة مزهرة حتى وإن كان الزمن زمن جهل ورداءة، إذن فلا خوف علينا إذا ادلهمت بنا الآفاق من أن لا نجد مناضلا صامدا ينبهنا ويهدينا …فإن بنيونس الذي أطلق في زمن الصمت صرخة، قادر على جعل الناس يعشقون الورد…
مسار تعليمي ناجح ومتميز، بنيونس منتوج تربوي مغربي جيد، ابن المدرسة العمومية حصل على شهادة الباكالوريا – الآداب العصرية بثانوية عبد المومن بوجدة سنة 1973 …والتحق بجامعة سيدي محمد بن عبد الله – كلية الحقوق ، ويتوج مساره الأكاديمي …
تعلم لغة موليير ، ثقافة وفكرا ؛ إيمانا منه بوحدة اللغة والفكر …اللغة هي التجسيد المادي للفكر.تشبع بنيونس بالعقلانية الديكارتية ؛ هذه العقلانية التي ستتجلى في تفكيره وسلوكه، من هنا حرصه على الدقة والتدقيق والنفاذ إلى العمق…إيمانا منه بأن الحقيقة هي انسجام الانسان مع فكره ، والصدق هو التماسك المنطقي بين المقدمات والنتائج …
ما يسجل لبنيونس هو تكوينه المتعدد الأبعاد، وهذا التكوين الغني والمستمر هو الذي أهل بنيونس للاتصاف بكل خصال الإطار الأكاديمي والقائد السياسي التواق إلى النجاح ؛ بخصال نظرية وسلوكية كاليقظة العالية والاحتراز ، والتقدم بخطوات محسوبة، دون تسرع ودون تهور، وتجنب السقوط في الاستفزاز ورد الفعل، ورفض الانسياق وراء العواطف والأهواء مهما كانت نبيلة، وتأهب دائم للمبادرة والفعل مسلحا برؤية واضحة، وبمنهجية علمية واقتراح حلول ومخارج ناجعة، وامتلاك الحدس الذي يتجاوز ما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون …
بنيونس عقلاني فكرا وتكوينا،…من هنا كان النجاح في المسؤولية والقيادة..
وعي سياسي مبكر
ينتمي بنيونس إلى جيل « الحركة الديموقراطية « الذي رسم ولا يزال يرسم إلى اليوم علامات وضاءة، ليس من السهل، كما يرى باحثون ومتتبعون، أن يأتي الزمان بها، فهو جيل القيمة والقوة الفاعلة الذي حقق معه المغرب الشيء الكثير، بل إن المغرب قد ضيع فرصة الاستفادة من قوة ذلك الفريق، على اعتبار أن حصيلة ما تحقق اليوم ، هي دون ذلك الذي كانت تعده به إمكانات وقدرات تلك النخبة المناضلة…
من هذا الجيل المناضل، الوطني والديموقراطي، إذن ، الذي كان يضم مناضلي اليسار، يستمد بنيونس وسائله وأغراضه وأدواته السياسية، فالمرزوقي يختزل المرحلة الحرجة من تاريخ المغرب، فهو النقابي والسياسي والحقوقي والخبير …يعتبر نموذجا حيا لظاهرة المثقف العضوي…
لقد وعى بنيونس على أسرة ترعرعت في مدرسة سياسية وطنية، إنها « مدرسة الحركة الوطنية « ، التي تركت للتاريخ واحدة من أجمل وأحسن التجارب النضالية، هي تجربة « ثورة الملك والشعب «، الثورة التي خط بها أحرار المغرب بزعامة الراحل محمد الخامس، معنى لنضال الدولة والشعب المغربيين، من أجل مطلبين فقط وهما الحرية والاستقلال، ثم الديموقراطية والحداثة…
تعطر بوعي سياسي مبكر، وضرب في الأرض في مرحلة حرجة من تاريخ المغرب …في سن مبكرة بدأ تشكل الوعي السياسي والانخراط في الاختيار الصحيح …اختار أن يكون يساريا ؛ اختيار النضال المؤسس على الإيمان بالمشروع الاشتراكي الديموقراطي الحداثي، والمؤسس على نكران الذات والانفتاح على العالم …انخرط في العمل السياسي وهو فتى ؛ والفتى عندما يعانق السياسة يصبح ثوريا بالضرورة، وإذا عانقها في حزب يروم التحرر من الجمود والتخلف فإنه يبلغ سقف الالتزام المؤسس على جروح الوطن…بنيونس المرزوقي منتوج يساري، ارتشف السياسة في مدرسة الحركة اليسارية مناضلا وقائدا…
عانق النضال وهو بالكاد شاب.. شكل قيمة مضافة لحزب الاتحاد الاشتراكي …تحاصره أسراب البوم كليالي النفاق طالعة من جحور القبيلة فتلقاه معتصما باختياره …المناضل صاحب قضية، وعلى بنيونس أن يواجه الأمواج والإعصار، فهذه قناعته وهذا واجبه، وهذه مهمته..وإلا فليرحل من هذا العالم الذي في حاجة إلى العواطف النبيلة وشيء من التضحية …هكذا نرى المناضل بنيونس يرى الأشياء، وهكذا نتصوره يتصور العالم الذي نحن فيه …فليخجل من أنفسهم أولئك الذين يحصدون ونحن الزارعون، شافاكم الله ! لكم التين ولنا الزيتون، وبين التين والزيتون، آمن بنيونس أن النضال ليس شعارا يرفع ولا صفة للتزيين، ليس موضوعا للتوظيف الإيديولوجي والاستهلاك السياسوي، بل إنه قناعة انطولوجية تشكل قناعة فكرية والتزاما سياسيا …هذا جوهر كينونته وعنوان هويته …التحدي هو سيد الميدان …وقف بنيونس فوق خشبة الحياة وأعلن رفضه للذل والمهانة.إنه صاحب إشكالية ملحاحة، وملح في اقتراح الحلول لها، إشكالية تنمية المغرب ودمقرطة مؤسساته….
اعلن انتماءه العضوي لقضايا الانسان …مناضل فاعل ومبادر ؛ مشاركته في العديد من المؤتمرات الدولية و الندوات الفكرية والتوعوية تجسد المبدأ والرؤية …وحضوره في الميدان …في الفضاء …في المجتمع…يؤكد سمو الفكر ورفعة الأخلاق …إنه ديموقراطي…إنه حداثي …والحداثة عنده ليست بالمعنى المبتذل ، اللاواعي واللامؤسس ، بل الحداثة النابعة من فكر الأنوار …الحداثة المؤسسة على العقل ؛ عقلنة التفكير …عقلنة المجتمع …عقلنة السلوك …ألام المرحلة حاضرة في وعيه …هو بنيونس ، إذن ، حداثي بموروث ثقافي …حداثي بموروث مغربي أصيل.. مناضل بقناعاته …وما اسهل تاقلمه في المجال إذا اراد بمحض إرادته ، دون أن يخضع لأي أمر او قرار …يحب الحرية بمروءتها ومسؤوليتها …ويقول لا للوصاية والتوريث ، لا لإعطاء الدروس بالمجان …لم يسقط سهوا على الاتحاد الاشتراكي …هو اتحادي إيمانا واختيارا …اكتسب شرعية الانتماء بالقوة والفعل ، وانتزع الاعتراف والتقدير بالنضال والتضحية والابداع …انطلق من القاعدة ….تدرج صعودا في صفوف القوات الشعبية إلى قائد فاعل في المكتب السياسي ..
كتب الأستاذ محمد سعدي «عبر مسار سياسي حافل من تنظيم «23 مارس»، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لغاية الاندماج في الاتحاد الاشتراكي، كان الأستاذ بنيونس مرزوݣي شاهدا على منعطفات سياسية مفصلية عاصر خلالها كبار السياسيين والإعلاميين المغاربة. ذاكرة حية زاخرة بتفاصيل عدة عن الحياة السياسية والدستورية المغربية منذ ثمانينات القرن الماضي، ذو معرفة عميقة ودقيقة بالكثير من محطات التاريخ الراهن للمغرب.
وجه مألوف في القنوات التلفزية والإذاعية الوطنية والجهوية، ذو فكر موسوعي، متعدد المواهب، موسيقي موهوب منذ شبابه؛ ومتذوق للسينما وممارس للمسرح. علمته دروب الحياة دروسا عدة، حياته لم تعرف فراغا ولا مللا، هي مملوءة بزخم من الأنشطة التدريسية الأكاديمية والسياسية والجمعوية والنقابية. مناضل يساري ،عُرف بفصاحة الفكر وتفاؤل الإرادة.
الاسترسال في تبادل الحديث معه يجعلك تنغمس في عبق زمن السبعينات والثمانينات، فهو شاهد وجزء من العديد من التجاذبات والصراعات والحروب الإيديولوجية والفكرية خلال توهج الفكر اليساري.
هو نافذة واسعة مفتوحة تطل على الكثير من التفاصيل الدقيقة للتاريخ الراهن للمغرب، والتي لن تجد لها أثرا في أي كتاب أو مذكرة،خصوصا المرحلة الحرجة للصراعات السياسية والتدافع الإيديولوجي الحاد بالمغرب.لديه قصص مثيرة وطريفة مع العديد من الشخصيات السياسية والفكرية، ويمتلك قدرة على الحكي بنفَس السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع السياسي.
تمرس وخبر العمل الصحفي والنقابي والجمعوي والنشاط الحزبي السياسي، راكم تجربة طويلة وثرية في تقريب الجامعة والبحث العلمي من القضايا الضاغطة للسياسة والمجتمع، وجعل الجامعة في صلب المجتمع والتدافع السياسي وخدمة قضايا الوطن. ولم يبخل يوما في الإسهام في أنشطة الجامعات والجمعيات والأحزاب في كل الربوع، كرس جزءً كبيرا من حياته لربط الجامعة بمحيطها الاجتماعي والسياسي، فكان دائم الحضور في العديد من الندوات، متتبعا نهما وفاعلا لمختلف المسارات السياسية والدستورية المفصلية في تاريخ المغرب الحديث.
بمثابة ذاكرة مرجعية لا محيد عنها بخصوص تاريخ مدينة جرادة حين حين كانت مدينة عمالية كوسموبوليتية زاخرة بزخم نقابي وسياسي وثقافي وفني فريد من نوعه في التاريخ الحديث للمغرب. فضلا عن كونه أحد أفضل من له إطلاع واسع على ذاكرة جرادة، فإنه أيضا الحارس الأمين الحافظ لذاكرة كلية الحقوق بوجدة منذ عام 1979 ، وعلى معرفة دقيقة بأساتذتها وأحداثها ، ولديه سجل توثيقي وأرشيف ضخم ومرتب بشكل احترافي، معزز بالصور حول الأنشطة العلمية والنقابية التي عرفتها كلية الحقوق منذ بداياتها «
اشتراكي ديموقراطي
و منذ طفولته كان بنيونس رجلا ممسكا بزمام مسار حياته، حمل في صدره كبرياء القمم وإصرار الأنهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك، تشق مجراها بصبر وثبات…
بعد طفولة هادئة باللون الأبيض والأسود، بالجدية وشيء من الشغب، يصطحب ظله لمواجهة المجهول…لمجابهة المثبطات، لعناق الأمل، ودائما يحمل في كفه دفاتر وورودا، وفي ذهنه أفكار ومبادرات، وعلى كتفه مهام ومسؤوليات، فهو يكره الفراغ…إن الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه …وحين يكون الشعور هامدا والإحساس ثابتا ، يكون الوعي متحركا …وعي بأن الحياة خير وشر ..مد وجزر…مجد وانحطاط …ولكن هناك حيث توجد الإرادة ويكون الطموح …تكون المبادرة ويكون التحدي، تكون الطريق المؤدية إلى النتائج …ويقول بنيونس :» لا تهمني الحفر ولا أعيرها أي انتباه « …منذ بداية البدايات كشف عن موهبة تمتلك قدرة النجاح، في التفكير والنضال ، ويظل دائما ودوما متمسكا بطموح النجاح في الثالوث الذي يؤثث مساره؛ الفكر، السياسة، التواصل…
يكره اللغة السوداوية والنزعة العدمية، يكره الأسلوب المتشائم ولغة اليأس والتيئيس …لا…هو رجل جد متفائل ، والعينان تعبران بالابتسامة عن هذا التفاؤل، وهذا الطموح …وهذا الحب اللامشروط للمغرب رغم الكآبة في السماء والأسى لدى الآخرين، قد يكون الماضي حلوا إنما المستقبل أحلى…
ارتشف ثدي الاشتراكية الديموقراطية ونهل من حليبها، وتشبع بمبادئها وقيمها الإنسانية …
مبدأ الانتماء
تقوم فلسفة بنيونس في الأداء الأكاديمي والحزبي والحقوقي على مبدأ الانتماء، فهو مشبع بهذا المبدأ ويرى أن الشعور بالانتماء هو مكمن الإحساس بالمسؤولية ومحرك المردودية وحافز الغيرة على الوطن وبطارية المبادرة والتفاني في القيام بالمهام المطلوبة، بل إنه يعتقد واثقا أن الانتماء الحقيقي للوطن يبدأ من الانتماء الصادق للمؤسسات التي تمثل حقل خدمة الوطن…
ينتمي مطاوعة لكنه لا يرضخ
إن السياسة هي فن المراكمة الصبورة وتحضير الطفرات النوعية بالعمل الطويل النفس الخاضع للتقييم الدوري، لا الأستاذية المتعالية على واقع السياسة المعطى تاريخيا، هنا والآن، وعبرة السياسة الحقيقية هي بنتائجها وليس بالنيات وإن كانت للنيات وجاهتها الأخلاقية.
لحسن حظنا لم يعد هناك ذو عقل بعد كل هذا، أن يعلو كرسي الأستاذية ليفتي الفتاوى ويوزع النقط والميداليات ويقرر في لائحة الفائزين والراسبين في مسار بناء الديموقراطية ..وبالنسبة لبنيونس، فرغم « الكبوة « التي مست الاتحاد الاشتراكي، فإن من الخطأ الاعتقاد بأن إضعافه يخدم الديموقراطية والتحديث، وهذه إحدى الخلاصات التي لن تبرح فصائل اليسار المشتت أن تقر بها على اعتبار أن خيارات التحديث والديموقراطية لن تتحقق بدون حزب من وزنه …
إن حصيلة تطور الحقل السياسي المغربي تفضي إلى تأكيد حقيقة مفادها أن الاتحاد الاشتراكي ملك لكل الديموقراطيين وليس ملك نفسه، وهو بذلك معني، من وجهة نظر التاريخ، ليس بمصيره الخاص فقط، بل بمصير العائلة الديموقراطية كلها والعائلة التحديثية، بشكل عام، وعلى هذا الأساس ينظر إليه كرقم أساسي في أجندة البلاد…
بنيونس مناضل اتحادي ومواطن وطني…إنه اتحادي ينتمي مطاوعة لكنه لا يرضخ، اختيارا لا قسرا، ينسجم بيد أنه لا يذوب …هو ذات فرادى واختلاف، يحوم في سماوات العالم الرحاب ولا يهيم، ويعود مثقلا بالتجارب والمعارف ليبشر بغد جميل لمغرب جميل، لا يمكن أن يحشر في زمرة السياسيين الكسالى، فهو ليس منهم، لأنه محصن، ولكنه كان يعرف أن الطريق ألغام وكوابيس، وقائع وانفجارات، دسائس وإشاعات …لهذا كان يمضي بحكمة وثبات، يفضح الكوابيس وينبه إلى صخبها …ينبه إلى الإغراءات ويحذر من مخاطرها، ليرتفع إلى مقام المسؤولية الملتزمة، وليس منهم لأنه رضع الأناقة والأنفة في معبد الشجعان …فاسمحوا لي أن أعلنه أعظم أستاذ…
بنيونس سمفونية
لبنيونس حضور نضالي قوي، حضور ينشده كل يوم ويذكرها، بل ويغنيه ويتصاعد في تناغم مع مسار نضالي، هو أصلا تربى ضد الصمت ..تربى على كره النفاق والغدر، وهو طفل، وهو ينمو، نما فيه كره الاختفاء وراء الأقنعة، مترفع في لحظات الهرولة، واثق في زمن التيه، مؤمن بأن النجاح اجتهاد وعمل، وأن النضال اختيار والتزام …
تلقى تربية نزعت منه للأبد الإحساس بالخوف والاستسلام، وزرعت فيه الإمساك بزمام مسار حياته مهما كانت العراقيل والعوائق، تربية زرعت فيه الصمود والتصدي. تنفس عبق تربية هادفة ومسؤولة. تربية تعتمد الجدية والصرامة مرات وتعلن الليونة والمرونة مرارا.تمطر حبا حينا ونارا أحيانا…
بنيونس يتصف بكل خصال المناضل الملتزم، بسيط ومتواضع، كريم وصادق، مخلص ووفي؛ وفي للوطن، وفي للتاريخ، وفي للأصدقاء. نزيه فكريا وأخلاقيا. طاقة جبارة على التعبئة والنضال في مختلف الواجهات….
عقلاني فكرا وممارسة، العقل معيار الحقيقة، العقل منهج لمحاربة التضليل والتشكيك …يمقت الانفعالات والتفكير بالعاطفة والانسياق وراء الشعارات والوقوع سجين الحماس المرضي …آمن بان التاريخ يصنع، ولا ينتظر المنتظرين والمتفرجين، فإما أن ننخرط فيه، وندقق كيفية وطريقة الانخراط وإلا أصبحنا متجاوزين، سلبيين وعدميين….
صفة الشباب لازمته أينما حل وارتحل، فاعل ديناميكي، كان يتمتع بخاصية فريدة في التواصل والمرح التي لا تخفي جديته وصرامته، كان يتميز بحسن الدعابة بالرغم من أنه كان يقتصد في ابتسامته…عنيد مثل جغرافية المغرب….
إنسان بشوش في طيبوبته، وطيب ببشاشته، قوي بهدوئه، وهادئ بقوته، هكذا كما نعرفه، اسمه بنيونس المرزوقي …اجتماعي بطبعه، وما أسهل تأقلمه في المجال إذا أراد بمحض إرادته، دون أن يخضع لأي أمر أو قرار …كان يحب المبادرات والأعمال التضامنية، ويقول « لا « لإعطاء الدروس بالمجان…
كان يتميز بأنه متعددة الميزات، ولا فرق بين مميزاته، إنه يعترض ولا يعارض، يفعل ولا يقول، يواكب ولا يساير…ينضبط ولا يخضع، ضمير لا يدعي الحكمة، رافض لا يدعي الثورة، وطني خام ومواطن أصيل…
شخصية فريدة، ترعرع وعاش على البساطة وقساوة الحياة والطبيعة، مما جعل الجدية تعلو محياه. حياته حافلة بالأحداث والوقائع، رافق تحولات سياسية مفصلية شهدها المغرب منذ سبعينيات القرن الماضي.
كتب عنه الصحفي علي تزلكاد في يونيو 2000 مقالا « بجريدة ماروك إيبدو أنترناسيونال تحت عنوان « زعيم بالرباط» بعد تعيينه في مهام وزارية استشارية، ويصفه على الشكل التالي : « نشيط، ذكي، جذاب، ولد ليكون زعيما،قائدا للإضرابات والفرق الموسيقية والنقابة بجامعة محمد الأول، حيث جسد منذ 21 سنة متواصلة حركة سياسية يسارية ما يزال يناضل وسطها باستمرار».
خفيف الظل، يستقبلك دائما بابتسامة عريضة وبعبارة لا تفارقه أبدا، لا يتوقف عن ترداد «أهلا وسهلا» عندما يستقبل الناس أو يجيب على هاتفه. سريع البديهة، يمتلك ذاكرة قوية وقدرة عجيبة عل الاستذكار، يتذكر ويحفظ بسهولة أسماء الأشخاص وملامح وجوههم، ومختلف التواريخ والتفاصيل الدقيقة وأسماء الأماكن وعناوين الكتب.
لا يعبأ بالمظاهر كثيرا.رجل صلب الشكيمة،رغم سنه هو شاب الهمة، لا تفارق البسمة والبهجة محياه. يحب الدعابة وينثر خيوط السعادة والألفة والمؤانسة في كل جلساته، شديد الإحساس بمحيطه، وحسه الاجتماعي الذكي يجعله سهل المعشر، يتسع قلبه لجميع الناس. منذ أول احتكاك يزيح عنك المسافة والحذر والبروتوكول،فلا تشعر معه بأية كلفة لأنه إنسان بسيط يبتعد ما أمكن عن الشكليات والأضواء.
اختار العيش وسط المساحة غير الهادئة وبدون أقنعة، يمقت الملل، المعاني الجاهزة والوصفات السريعة والتفكير الخطي ويحتفي دائما بالحيرة والقلق والسؤال الذي ينحاز للحرية وإنسانية الإنسان، ويحب توجيه بوصلة التفكير دائما نحو الجدل وبناء الأمل التاريخي.
وهذه شهادة مؤثرة للكاتب للأول للاتحاد الاشتراكي ذ ادريس لشكر في حق الفقيد بنيونس المرزوقي
«القامة التي ودعنا اليوم، هي أكبر من الكلمات، عرفته طالبا وعرفته أستاذا جامعيا، وطالبته لمساعدتي لما شرفني صاحب الجلالة وعينني وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان، لم يتقدم بطلب ولم يتصل بي ، فقط من خلال آثاره في تلك الوزارة استدعيته وعينته، دون أن يكون في علمه أو يطلب أحدا في هذا الشأن، عينته مديرا للديوان، اشتغلنا ولي أن أعتز أنه بجانب اشتغالنا في هذا الإطار المؤسساتي اشتغلنا حزبيا ،وأعرف الرجل في كل المحطات التنظيمية الوطنية منذ المؤتمر الوطني السادس إلى المؤتمر الوطني الأخير… لابد أن يجد القارئ في وثائقنا الحزبية بصمة الفقيد بنيونس المرزوقي .الأستاذ بنيونس المرزوقي بصمته ، إما في البيان السياسي وإما في التقرير التنظيمي وإما ما يصدر عن الحزب من وثائق في هذا الشأن، كانت مساهمته ومشاركته مشاركة مهمة وكبيرة.
وأذكر للرجل زهده وعدم سعيه وراء المناصب والترقيات، وأذكر له مساهمته في كل المحطات الوطنية، في المحطات الوطنية، كل وسائل الإعلام أغلبية ومعارضة وكل المؤسسات تسعى وراء أفكاره واقتراحاته ومساهماته ويمكن الرجوع إلى مساهماته في مختلف الجامعات، في مختلف الأكاديميات وفي مختلف الإطارات وخاصة حزبه الذي انتمى إليه وهو الاتحاد الاشتراكي.
لا يجب أن ننسى، وأنا أتكلم تحت رقابة الأخ الكاتب الإقليمي، مساهماته الكبيرة في ما يتعلق بمؤتمرنا الإقليمي الأخير، وصدرت وثيقة من الوثائق التي ساهم فيها بشكل أساسي ولعب فيها دورا أساسيا.
فرحمة الله على فقيدنا والله يقدرنا ويقدر عائلته الصغيرة خاصة على الصبر والسلوان، فقدنا قامة كبيرة. «
لن أودعك حبيبي …
لا أطيق حضورا في غيابك …
كنا معا دائما …
كنا معا عن قرب وعن بعد …
صداقتنا صدقت منذ السبعينيات في ظهر المهراز بفاس ، حيث كنا طالبين في جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، أنت في الحقوق وأنا في الفلسفة…
جمعنا النضال في صفوف اليسار …
صداقتنا تجذرت في وجدة مذ 1980…
كنا معا دائما …
كنا معا في كل الأزمنة والأمكنة …
الأماكن كلها …كلها …تذكرني بك ..
منذ الصباح أهاتفك أو تهاتفني، أسألك أو تسألني « أينك ؟ « …وإذا لم نلتق يوما، أسألك أو تسألني « أين اختفيت اليوم ؟ « …
يبكي العالم …يبكي بحرقة …يبكي بنيونس المرزوقي …
يبكي الطلبة، كل الطلبة …يبكون أستاذهم … يبكون بنيونس …
يبكي الوطن مناضلا وطنيا …مناضلا وفيا للشعار والنشيد …
يبكي الوطن مفكرا سخر فكره وذكاءه وإبداعه خدمة للوطن ودفاعا عن القضية الوطنية الأولى – الصحراء المغربية …
يبكي اليسار، كل اليسار، مناضلا يساريا حكيما ومنظرا لليسار
يبكي الاتحاديات، كل الاتحاديات …يبكي الاتحاد الاشتراكي عقله وقلمه وأدبياته …
بنيونس أخي …رفيقي …حبيبي …أنت الحياة ونحن موتى بعدك … …لا جدوى من بقاء يفنى فيه بنيونس…
وفجأة ترحل …ترحل في غفلة منا …ونحن لا نطيق لك رحيلا …وجداننا بعدك عدم …ترحل وتترك لنا الفراغ العاطفي والخواء الإنساني والكسل الفكري …
كنت مفكرا كبيرا …
كنت فقيها دستوريا…
وكنت كبيرا …وكنت بسيطا ومتواضعا…
الكتب خرست وكانت بوجودك تنطق…
الحزن يخيم على الوجود بكآبة قاتلة…
نشهد الدنيا ألا أستاذا إلا أنت…
عزاؤنا واحد …بنيونس غاب …وتغيب شمسنا …ويختفي المعلم …
الصدمة كبيرة والفاجعة أكبر…
هل نبكيك ؟! وهل البكاء قادر على إطفاء النار التي اشتعل لهيبها في كيان الوجود ….لا …لن نبكي لأنك لم تمت …كنت …ستستمر…ستخلد…ستستمر جاثما في قلب كل طالب وطالبة …في قلب الأحبة والأصدقاء. في قلب كل من عرف أنك كنت تزرع الفكر …
بنيونس …اسمح لي فأنا آلمني عدم حضور جنازتك وأنت صديق عزيز…استحال علي أن أمشي في جنازة قلب الحياة …وهل استطيع أن أمشي في جنازتك ونعشي فوق كتفي….
اليوم يتعطل البكاء، لن نودعك ونبكيك، بل نقدر ونعتبر الخسارة التي لحقت الفكر والإبداع …
نعم لم ولن تموت…فأنت رمز الحياة …أنت أغنية حلوة وجميلة …
لن نبكيك … بل نبكي الفكر والتفكير…
بألم الإنسان وجرح الوجود، نطلب من الله عز وجل أن يرزقنا الصبر والسلوان …ونطلب لك الرحمة يا أستاذ الحياة….
رفيقي …صديقي …حبيبي
لن أرثيك بل أرثي نفسي
كنت أنا أنت
وجودي بعدك عدم
لن أرثيك بل أرثي أناي
كنت تسكنني دائما وستبقى
أنت الصديق والرفيق والأستاذ والمعلم
أنت المعنى
أنت الإنسان
أنت أعلى وأسمى من الفناء
كنت وستبقى عنوان الصدق والتواضع والابتسامة
لم تنافس أحدا على « مساحة « أو « تفاحة «
كنت قائدا للفكر والمنهجية
كاتب مبدع
إعلامي متميز
أستاذ أسطوري
فقيه دستوري
قانوني وحقوقي
فنان، مسرح، موسيقى، غناء، سينما
قائد سياسي
قيدوم اليسار بجهة الشرق
رمز
حكيم مؤمن بالقيم اليسارية الكونية
كنت معلما…
كنت معنا دومًا وستظل معنا دائمًا.
لن نتركك تغادر، فأنت في بؤرة وجودنا.
لا أريد أن أتذكر،
لأنني لا أريد أن أنسى
ولا أريد أن أنسى
لأن الوجود أبقى
حتى في الغياب.
بنيونس صنو وجود متعدد
وجود في الأعماق
وجود في الأماكن
وجود في الساحات
الضيقة والفسيحة
بنيونس المبادرات التي كثيرًا ما أثارت فضول تساؤلات عميقة
هو وحده يملك كيمياء الربط بين الواقع
كما يراه
كما يتمناه
كما يعمل من أجله
بكل وقواه
وبين تلك المبادرات
الكثيرة في لحظات
حساسة من نضالنا
المشترك
لن أقول وداعًا بنيونس
لأنك لا تودع
أنت ترحب دومًا
أنت لا تودع أبدًا
أنت باق هنا بنيونس
أنت في بؤرة وجودنا
جميعًا
في قلب كل رفيق
في قلب كل صديق
في قلب كل حبيب
في قلب كل طالب …أستاذ الأجيال
أنت باق بنيونس
كبيرًا
كما كنت كبيرًا
شهما كما كنت
مخلصًا كما كنت
ولم تبرح
أنت هنا
جمعنا النضال بأحلام يسارية رومانسية…
جمعنا التعايش الصوفي والمشاركة الوجدانية في التماهي مع أغاني ناس الغيوان، لمشاهب، جيل جيلالة، مارسيل خليفة، فؤاد نجم والشيخ إمام….جمعنا الحلم الجميل …
مناضل هادئ …حكيم ….إنسان…معلم
عندما يتكلم يفرض عليك الإنصات، يتكلم وهو يفكر، يمقت الانفعالات الطفولية والاندفاعات الحماسية…
كان عميقا وواعيا…كان مثقفا …كان وقورا …
لم يعد بنيونس على قيد الحياة …
ولن يقاسمنا الهواء المثخن بالغياب …
توقف الرجل عن التأمل في الأجواء …
وحمل همومه في سكون إلى مثوى السكون ..
لن ينازع أحدا في الزحمة …
تاركا الكلمات يتيمة ؛
تاركا الثقافة والمسرح والإعلام والقانون الدستوري؛
تاركا المحاضرات حزينة ؛
تاركا حزب الاتحاد الاشتراكي ؛
تاركا الأهل والأحباب ؛
تاركا الفكر والتفكير ؛
تاركا جبهة النضال من أجل « الخبز والديموقراطية والوطن « تشرح قلة اليد ؛
تاركا النخب لتستمتع بخيباتها …هاربة إلى تخصصها الجديد …
وهو التفوق الحقيقي في إحصاء الرزايا …
مات الرفيق الذي صاغ رفقة أخاذة في شخصيته …
بين الصرامة المبدئية والقدرة على استيعاب الرأي الآخر …
الجذب في اتجاه تخليق الحوار هي طاقة بنيونس المرزوقي …
في منازلة معاول الهدم وجرافات الاقتلاع …
لن أهيم في سرد مناقب أستاذ مناضل تقدمه فضائله …
أحرفي هذه هي في حاجة إلى شحنة من الشجاعة للاقتراب من قامة مهابة في حضورها وغيابها…
لا ينكر …حتى الذين اختلفوا مع بنيونس المرزوقي …مهاراته الجذابة في دفاعه الدائم عن توطين المشروع اليساري داخل منظومة إنسانية متعددة الصراحات …
قوة المشروع في تحديد صراحة الهوية غير المتعالية على معطيات المجتمع …
قوة جديرة بالاختراق الناعم …
محمولة على ذهنية ثقافية صادقة ترفض الإلغاء …لذلك كان يفضل أن يعنون المسار بـ « معركة الكلمة « …
وهي معركة مكثفة بالخصوبة …
اختار سليل شمس جرادة ممارسة السياسة بدون مساحيق …
لم يبحث عن بطولة يوما ولا عن « مقعد « …
لم ينعت أحدا بسوء في غمرة الانقسامات والانضمامات والتوترات …
لم يخن أحدا….
لم يشتبك مع أحد …
ولم يفبرك دسيسة …
بنيونس العزيز …
ذهب الراحل إلى نادي الكبرياء في التاريخ …
الصفاء في التاريخ هو القمة والرفعة …
رحم الله بنيونس المرزوقي .
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 18/01/2025