الفقيه والصوفي

  محمد بوبكري

 

يلاحظ دارسو الفكر الإسلامي، أن الفكر الصوفي قد تعرض للإهمال والإقصاء والإلغاء، من قِبل الفقهاء المنغلقين. فقد قام هؤلاء بتصوير الإنسان الصوفي في متخيل عوامهم بطريقة سطحية تقدمه بكونه شخصا منعزلا فاقدا للتوازن النفسي، يرتدي خرقة بالية، أو لباسا رثا، ويقيم في كهف أو مغارة. لكن الواقع التاريخي يكذب هذا التمثل الكاذب، حيث نجد أن الصوفي يمكن أن يكون كاتبا مبدعا، أو مفكرا أو فيلسوفا…. هكذا، فإن هؤلاء الفقهاء وعوامهم لا يعرفون أن محيي الدين بن عربي والنفري وشمس التبريزي وجلال الدين الرومي والسهروردي وغيرهم، كانوا من رجالات الصوفية الكبار الذين خلفوا وراءهم تراثا صوفيا عظيما، يتسم بالانفتاح والعمق الفكري والجمال الروحي….
أما الفقيه، فإنه شخص له مصالح شخصية، كما أنه يعمل على مأسسة الدين، أي تحويله إلى كهنوت، وذلك رغم أن الإسلامَ يرفض الكهنوت، لأنه جعل من الإيمان شأنا شخصيا، حيث لا يقبل وجود أي واسطة بين الخالق والمخلوق؛ فالله يقول في القرآن المجيد: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعانِ، فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون» (البقرة، 186). ويقول جل جلاله في موضع آخر: «ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد « (ق، 16). فلماذا يُنصِّب الفقهاء أنفسهم واسطة بين الخالق وعبده؟ أليس في هذا خروجا عن النص القرآني؟!
لماذا يحارب الفقهاء المتصوفة؟ يعود ذلك إلى أن المتصوفين يضربون مصالح الفقهاء في العمق. وقد وُجدتْ هذه الظاهرة عبر التاريخ الإسلامي، حيث كان الفقهاء دائما يعملون على توظيف الدين لخدمة مصالحهم الخاصة، لأنهم كانوا يعتقدون أن امتلاك السلطة الدينية يخدمهم، حيث يمكنهم من امتلاك السلطة السياسية. ولذلك، كانوا دوما لا يخدمون الإسلام وقيمه ومبادئه ومقاصده في شيء، وإنما يخدمون سلطتهم دفاعا عن مصالحهم الخاصة. هكذا، تم تغييب البعد الروحي للدين. ونتيجة لتسييس الدين من قبل الفقهاء، فقد تم التخلي عن الأخلاق والقيم الإسلاميتين. ومن الغريب أن فقهاء الإسلام السياسي أرادوا اليوم خوصصة الإسلام بهدف الاستيلاء على السلطة السياسية. في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث حولوه إلى تجارة منظمة تدِر عليهم ملايين الدولارات، إن لم نقل أكثر. وعلى عكس ذلك، يرى الصوفي أن في كل واحد منا شيء من روح الله عز وجل، فكل الناس في سعي دائم نحو لقاء الله تعالى. ومن الخطير أن فقهاء الإسلام السياسي قد أفرغوا الإسلام من هذا البعد الروحي. فإذا كانت الصوفية تنهض على الحرية والخيال والطهارة والبراءة والطبيعة والخير والحب والأحلام والصفاء الروحي والرهان على الذوق الجميل، فإن الفقه المنغلق يكرس القواعد والقوانين بهدف التحكم في البشر وتلبية الرغبات السياسية والشهوات الحيوانية للفقهاء، وهذا ما أدى إلى الانحراف وغياب البعد القيمي والأخلاقي والجمالي للإسلام…. هكذا، تم تغييب البعد الروحي للإسلام نتيجة تسييسه من قبل الفقهاء المنغلقين، مما أدى إلى غياب الحب والانفتاح والحلم والخيال، ورسخ غياب القيم والأخلاق الإسلامية… لذلك، فإن غياب الحب جعلنا نعيش في أحقاد وصراعات وتطاحنات وحروب زجت بنا في بحار من الدم، كما أن غياب الانفتاح والخيال والحلم جعلنا نعيش بدون أفق، عاجزين عن الخلق والإبداع، وغير قادرين على تنمية ذواتنا ومجتمعاتنا…
هكذا، يبدو لي أن الفكر الصوفي قد يشكل لبنة نظرية في اتجاه تطوير فكر إسلامي جديد منقذ لنا من كل ما نعيشه اليوم من إهمال للحرية والحب والانفتاح والخيال والجمال، والتخلي عن البعدين الروحي والأخلاقي للإسلام. وقد يحدث ذلك عندما يعي المسلمون أنه يمكن أن نتطور عندما يختفي كل من يدعون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، ويدعون إلى التحجر، أولئك الذين يفرضون أنفسهم باعتبارهم أوصياء على الإسلام والمسلمين. هكذا، سيكون فهمنا. للإسلام منسجما مع ا لحداثة.

الكاتب :   محمد بوبكري - بتاريخ : 28/11/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *