القطار انطلق .. كيغالي محطة
بديعة الراضي
في الوقت الذي يعود فيه المغرب إلى مكانه الطبيعي في الاتحاد الإفريقي، بمشروع واضح في معالمه، ومنسجم مع كافة التحولات التي يعرفها المحيط الإقليمي والدولي، يقدم فيه المغرب مشروعه نحو إفريقيا متضامنة وتشاركية، تعمل البوليساريو ومعها محركوها، من ورثة أفكار الحرب الباردة، البحث عن ثقب توسعت في غفلة منا، لإعلان عن فتح دكان صغير، يعمل تجار السوء فيه على الحفر في المنطقة العازلة، وهي الخطوة الشبيهة بنعرات الكركارات، وتيفاريتي، كما كل خطوط التماس، لإثارة الزوبعة التي يبدو فيها إبراهيم غالي منتشيا بالاقتراب، أمام الأيادي النظيفة، التي أبت إلا أن تجعل حمقه بردا وسلاما، من أجل شعبنا الصحراوي المغربي، والذي فرقت فيه الإخوة والأعمام وأبناء الأعمام والأخوال، الأجندات المطبوخة في دهاليز الباحثين عن ممر مريح إلى الساحل الأطلسي لصحراء يريدونها أن تتوسع حد اللقاء بالماء خدمة لمرور ذات واحدة، تعتقد أنها قائمة ومنتصرة بسقوط الذوات الأخرى. وهو التفكير الذي لم يعد مقبولا حتى في تجمعات إفريقيا نفسها، والمغرب واحد منها، كما هي دعوة كل خبراء العالم وقراء المستقبل، كون النهوض بإفريقيا هو رهين بتوحدها وتضامنها وتقوية أجنحتها في الغرب والشرق والجنوب والشمال، من منطلق التحديات الكبرى التي تواجه المنطقة، وتعني كرة أرضية بكاملها، تحديات المناخ، والطاقة، والتلوث، كما تحديات الأمن الغذائي والمائي والأمني، والقرصنة والإرهاب، وتهريب البشر والسلاح.
كل ذلك قائم، وابن» فخذة ولاد طالب»، قابع في التلذذ برئاسته الوهمية، لفئة من شعب تواق للخروج من النفق الضيق، محاصرة بالفعل والقوة، في انتظار ساعة الهروب الكبير في اتجاه الوطن، الذي يكافح من أجل السير على درب التنمية، فاتحا الباب لكافة مواطنيه في الداخل والخارج للإسهام في المشروع التنموي الجديد، دون عقد أو وهم بالكمال، بقناعة أن موارده البشرية ورأسماله اللامادي، قادر على صناعة التغيير، كي نكون جميعا صفا إلى جانب الدول المتقدمة.
مشروع، يعيه ويناقشه أبناؤنا هنا وهناك، التواقون لساعة الصفر من أجل الإعلان عن رفضهم لكل هذا الخراب، الذي قتل الحياة فيهم وجعلهم، مشروع أجساد متفحمة مستشهدة، حاملة للسلاح في اليقظة والمنام، لا هوية لها ولا مستقبل، هاربة بين المنطقة العازلة في البئر لحلو وتيندوف، مرددة أطروحة الزمن الذي ودعنا توجهاته، نحو طي صفحة الماضي، بوضع مشروع الحكم الذاتي ، في إطار جهوية موسعة، انسجاما مع التحولات الكبرى في العالم والتحديات التي تطرحها، وإيمانا من المغرب أن إفريقيا اليوم «تمر بمرحلة حاسمة تتسم بتعدد أبعاد، ما تشهده من تحولات ترسم معالم قارة إفريقية تموج بتغيرات متسارعة وتنأى بنفسها تدريجيا عن كل التصورات النمطية والصور السلبية المغلوطة التي ظلت لصيقة بها» كما جاء ذلك في الرسالة الملكية السامية التي وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في منتدى كرانس مونتانا المنعقد مؤخرا بمدينة الداخلة، عروس وادي الذهب والساقية الحمراء المغربية.
وهي الرسالة التي جاءت منسجمة مع الكثير من البحوث والتصورات التي قدمها خبراء وشخصيات من مواقع القرار المختلفة في افريقيا والعالم، والمنشغلة بمفاهيم لا مكان لها عند المؤمنين بالدول القزمية، أو التواقين إلى مزيد من إشعال فتيل التوترات، والنزاعات المفتعلة، كما هي المفاهيم التي تدور في قلق تحديات المرحلة التي تشكل خطرا على الإنسان، وعلى المجال بصفة عامة، خطر زحف الرمال والفيضانات والأمراض الفتاكة، وارتفاع منسوب المياه، وفقدان يابسة بكاملها و ندرة المياه الجوفية، والعطش المحيط بالبشر والشجر.
كل هذا وإبراهيم غالي، منشغل بشبابه الذي كان، منتشيا بانتصارات وهمية حققها في دفاعه بتوليه وزارة في حقيبة، وممرا من تندوف الجزائرية نحو عواصم استحلى فيها ما جناه من العملة الصعبة، متاجرة بهؤلاء النساء والأطفال والشيوخ، في سوق البشر بامتياز، وفي لعبة كلما طال زمنها ، دام كرسي أصحابها، حد التغوط من فوق أرجله المهترئة.
كرسي يدعو فيه رئيس نفسه – الممتطي لطائرة حاملة الوهم إلى قمة الاتحاد الإفريقي الاستثنائية بالعاصمة الرواندية كيغالي – «مواصلة وتكثيف الجهود الرامية إلى تقوية جيش التحرير الشعبي الصحراوي وتنويع برامج التكوين والتدريب العسكرية المتخصصة، ودعمه المستمر بالطاقة الشابة والنوعية، وجعله في أقصى درجات الجاهزية والاستعداد لكل الظروف والاحتمالات بما فيها الكفاح المسلح»، في الوقت الذي يدعو المغرب في الرسالة الملكية إلى منتدى كرانس مونتانا، الأفارقة إلى» حشد كل الطاقات وإقامة شراكات مبتكرة تعود بالنفع على جميع الأطراف المنخرطة فيها» كما دعوة شباب القارة الإفريقية للتعبئة الجماعية والتحلي بالعزم والإصرار من أجل رفع التحديات الجسام التي تواجهها إفريقيا والانخراط الفعلي في الدينامية الإيجابية للنمو المشترك.
وإن كان المغرب يدفع في اتجاه التعاون والتشارك، فهو يقدم عصارة النهج الذي قاده نحو إفريقيا على مدى خمس عشرة سنة، وحقق فيه مشاريع على الأرض في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والأمنية والروحية والمدعومة باتفاقيات تضع العنصر البشري في مقدمة انشغالاتها.
وهي انشغالات، نؤكد من خلالها أننا عاقدون العزم على مواصلتها من كافة الواجهات الإفريقية، حاضرون كدولة تملك جغرافيتها بناء على معطيات تاريخية ووثائق، تجعلنا في موقع القوة الذي نختار ألا ندافع عن الحق فيه، بلغة الدم، ولكن دفاعنا الصلب هو الدفاع عن السلم، عن الحق في الحياة لأبنائنا هنا وهناك، فوق التراب الجزائري، الذي ضاق مشروعه اليوم، في نية مبيتة تسعى إلى جر أبنائنا من قفاهم نحو المنطقة العازلة ببئر لحلو، في مشهد ندرك جيدا أبعاده، لكننا لا نهاب تطوراته، لأننا أصحاب وطن وقضية.
الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 22/03/2018