الكمامات بين ارتباك الحكومة واستهتار المواطنين
![](https://alittihad.info/wp-content/uploads/2020/04/aziz-elhalaj.jpg)
عزيز الحلاج
إن المتتبع لكورونا، يقف على ارتباك واضح لمنظمة الصحة العالمية في التعاطي معه، الشيئ الذي كانت له تداعيات مدمرة، وعواقب وخيمة على سائر دول العالم.
عندما كان كورونا في مرحلة الحَبْو، كانت المنظمة تنظر إليه على أنه مجرد فيروس محلي سرعان ما يتم تطويقه، وهدّأت من روْع الدول،ورأت أنها ليست بحاجة إلى استخدام الأجهزة الطبية من أقنعة وكمامات.. وبسبب هذا الاستخفاف، وعدم اللجوء إلى تدابير احترازية تقضي عليه، كبُر حتى استحال وباءً اشتد فتكُه، وأصبح عسيرا احتواؤه.
وكما قالت المنظمة العالمية للصحة: لا، للكمامات،لأنه لا وجود لدليل محدد يثبت أنها تحمل منفعة محتملة، وأنها موجهة للمصابين بالفيروس فقط درءا لنقل العدوى إلى غيرهم، ردد المغرب خلفها: لا، للكمامات لأنها لاتفيد الأشخاص غير المصابين.
وعادت المنظمة العالمية للصحة ثانية لتقول: نعم، للكمامات، بعد أن أمّنت مايكفي منها للأطقم الطبية والتمريضية التي توجد في الصفوف الأولى لمواجهة كورونا. وردد المغرب وراءها أيضا:نعم للكمامات. هكذا من غير اعتذار الحكومةِ للمواطنين أو تقديم استقالة بسبب التصريحات المُطمْئنة/المُرْبكة، المتناقضة وغير المسؤولة.
ولقد، تم إيقاف مواطنين في الحي المحمدي بالدار البيضاء، في إطار فرض الحظر المنزلي، والسماح بالخروج من البيت بموجبٍ، مع حمل ترخيص مدموغ من طرف المقدم أو الشيخ بذلك، وتم نهرهم، لأنهم لايتوفرون على الكمامة، فكان ردهم سريعا وغاضبا، أن المسؤولين السياسيين، صرحوا أن الكمامة لاجدوى منها،وأنها لاتنفع سوى المرضى. وقد هز هذا الارتباك الملحوظ،وهذا التذبذب في التصريحات، مصداقية الدولة لدى المواطنين، وعزز شكوك البعض حول صحة وجود هذا الوباء، وقدرته المزعومة على هلاكهم وإبادتهم.وتوزَّع الناس بين مستخف وقدريّ ومغرض..بالرغم من انتشار حملات التوعية والتحسيس.
وتتدخل الدولة بقوة لفرض قرار استخدام الكمامات، وتبشر كل المخالفين بغرامة تتراوح بين300 درهم و1300 درهم والملاحقة والحبس من شهر1 إلى3 شهور. وتوزع بالسوق نحو15 مليون كمامة، لكن تشيع أنها اختفت هكذا ! وطُرح الموضوع في قبة البرلمان.وتم استدعاء موزعي المنتجات الصيدلانية لمناقشة مصير تلك الكمية الكبيرة التي لم تتوصل بها الصيدليات. وارتفعت الشكاوى من أن الكمامات محدودة ولاتفي بالغرض بنقط البيع، وردت الحكومة بأنها على علم، وأن تغطية السوق ستتم بطريقة تدريجية، مشيرة إلى أنه تم إنزال 5.4 ملايين كمامة في السوق في اليوم الأول.
وخوفا من الإجراءات الزجرية والتأديبية، يهرول الناس في كل اتجاه،وخارج دوائرهم الترابية لاقتناء الكمامات لكن عبثا، حيث يتبين أنها غير موجودة لا في الأسواق الكبرى ولا في المتاجر النموذجية. وتستمر عملية اللهث وراء الكمامات، ويطول انتظار المواطنين أمام نقط البيع، حتى إذا ما جيئ بالكمامات وتم وضعها بالرفوف، يتخطفونها، ولاتبقى كمامة واحدة لرجل عجوز أو مريض أو امرأة، فيعودون أدراجهم إلى بيوتهم خاويي الوفاض مستائين خائفين من العقوبات الزجرية،والحال أن هذا الوضع ما كان ليكون، لو أن عملية البيع كانت منظمة،بل لو كان هناك فعلا ما يكفي لتلبية احتياجات الناس، فلا يكون الطلب أكثر من العرض.وإذن ، من المسؤول الحقيقي عن هذا الهلع والجشع والفوضى للحصول على الكمامات؟ وهل الكمامات موجودة بالقدر الكافي أم غير موجودة؟ وإذا كانت غير موجودة في السوق، فلِمَ الإسراع بحملات الزجر والتأديب ضد كل من لايتوفر عليها؟
ولقد استبشرنا حين سمعنا بعض المواطنين الفرنسيين يلومون دولتهم عن تقصيرها في تدبير موضوع الكمامات، ويضربون المثل بالمغرب، الذي يقولون إنه طرح 5.4 ملايين كمامة بالسوق في اليوم الأول، وأنه تمكن من تأمين حاجاته من الكمامات عبر التصنيع المحلي، لنفاجأ من بعدُ بتصريح وزير الصناعة والتجارة، مفاده أن المخزون الذي تم طرحه، استنفد في ظرف ساعة ونصف الساعة بسبب لجوء المواطنين إلى اقتناء كميات بشراهة.
وتقدم المواطنون بشكاوى إلى رئاسة الحكومة، التي أكدت أن»السوق يعرف تعقيدات، وأنه رغم دخول الصيدليات على الخط تظل الكميات التي تتوصل بها غير كافية، إذ لا تتجاوز مئة كمامة» !!! وكلفت الدولة10مصانع من أجل إنتاج كمامات واقية للسوق المحلية تسد الخصاص المهول، وتعوّض فشل توزيع الكمامات من لدن المحلات التجارية الكبرى ومحلات القرب.
وهذا الواقع المرير،خلق واقعا أكثر إيلاما، تمثل في استهتار بعض المواطنين.إذ انتدبوا أنفسهم لصنع الكمامات بالبيوت أو كاراجات أو معامل صغرى، وبيعها أو إهدائها أو التصدق بها على الأقارب. وهاته الكمامات عبارة عن قطعة قماش ملفوف على «ميكة» تمنع تسلل الرذاذ وغيره إلى الفم والأنف. وهي أقل تكلفة من علبة كمامات اصطناعية ب8 دراهم، التي يتم استعمال الكمامة الواحدة منها ورميها بعد 3 ساعات،مايرهق ذوي الدخل المحدود، ولاعيب فيها سوى أنه يمكن أن تسبب الحساسية ولاتحول دون تسرب أوخروج الجزيئات التي تحمل كورونا.تنضاف إلى هاته الكمامات الشعبية إن صح التعبير، كمامات مغشوشة .فقد أقدم أكثر من عشرة أشخاص مستهترين على عرض 15ألف كمامة واقية غير صالحة، للتداول بين الصيادلة والأطباء والممرضين، تحمل علامة تجارية مزيفة، ما يهدد السلامة الصحية ويفسح الباب أمام العدوى.
وما يحز في النفس ، أن نرى أناسا مستهترين من مختلف الأعمار من نساء وشيوخ وشباب ويافعين بالأسواق وقرب المتاجر الكبرى أو الصغرى أو محلات البقالة، و»بوعارة»، الذين ينقبون في الحاويات، أو الذين يبيعون الخضروات والفواكه .. أو الذين يدخنون، أو حتى بعض أعوان السلطة أثناء ملاحقاتهم مخترقي قانون حظر التجول، يجعلون الكمامة تحت الأنف أو تحت الذقن، أو يضعون منديلا من ثوب أو كاغيط على الفم والأنف، أو لايحملون الكمامة إطلاقا، حتى إذا ما احتج أحد، كان الرد بما يلي: «دخل لسوق راسك»، «لبسها غير انت»، «علاه أنا كلب ندير الكمامة؟» «واش أنا مريض؟»..
وما يشفع لاستهتار كثير من المواطنين، أنه لا نتوفر على ثقافة «الكمامات»، فشهران على قدوم كورونا غير المرحب به، غير كافيين أن يجعلانا نشبه في شيئ مواطني اليابان والصين وهونكونغ وكوريا الجنوبية وسانغافورة، الذين لايتضايقون من ارتدائها كل الوقت، ولهم معرفة كاملة بشروطها الصحية والوقائية وبسبل استعمالها وخلعها وكيفية التخلص منها .
الكاتب : عزيز الحلاج - بتاريخ : 24/04/2020