اللجوء إلى مزيد من القوة والتصعيد سيغلق أبواب السلام وسيفتح أبواب جهنم !!!

عبد الصمد بنشريف

أيها الغرب العقلاني الديمقراطي الحداثي العلماني المتقدم جدا، المدافع عن حقوق الإنسان وحقوق الحيوان.
أيها الغرب الإنساني جدا، أعتقد أنك تابعت وتتابع ما ارتكبته وترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلي من إبادة جماعية وجرائم حرب في قطاع غزة، في مسعى حثيث لمحو ومسح القطاع من الخريطة، وبصرف النظر عن المواقف الفكرية والأخلاقية إزاء حماس، وطبيعة العملية التي نفذتها تحت مسمى طوفان الأقصى، فالدول الغربية تعرف جيدا أن إسرائيل، منذ عقود، وهي تقتل وترتكب المذابح وتعذب وتهين وتعتدي على المقدسات والبشر والشجر والحجر، وفي مختلف السياقات والمحطات المأساوية ظهرت بمظهر عصابات فاشية مدججة بالسلاح والحقد والكراهية والعنصرية والتطهير العرقي.
تذكر أيها الغرب ما جرى مؤخرا في جنين والقدس ومدن أخرى من دمار وخراب وتقتيل وحصار وإهانات، وكيف استبيحت فضاءات المسجد الأقصى، أيها الغرب الشفاف الرهيف الرومانسي، هل خفق قلبك وأنت تشاهد حالة الهيستريا التي أصابت قوات الاحتلال في مشهد قيامي، مستعملا عشرات الطائرات المتطورة ومئات الآليات والدبابات والمركبات والمسيرات والحوامات لفرض حصار قاتل وشامل على سكان قطاع غزة، وتدمير المدينة تدميرا كاملا، دون مبرر معقول اللهم إلا الرغبة في الانتقام وارتكاب محرقة حقيقية يثبت بها جيش الاحتلال فعلا أنه أقوى جيش في العالم. ورغم كل هذه الترسانة فإن الجيش الإسرائيلي يستنجد بالولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، ويستقوي بحاملة الطائرات الأمريكية «جيرالد فورد» التي تقترب من منطقة الحرب .
هل يتطلب الانتقام والاقتصاص من حركة مسلحة تعبئة مئات الآلاف من قوات الجيش والأمن واستدعاء إسرائيليين من الخارج ؟ هل يستدعي ما لحق إسرائيل على خلفية عملية طوفان الأقصى من أذى معنوي ونفسي ومادي، كل هذا الاستنفار والجنون والحقد والعداء والتدمير والقصف المتواصل وغير المسبوق؟ وللتوضيح فإن المواجهة الحالية بين إسرائيل الدولة المحتلة وبين المقاومة  تشارك فيها الأجنحة العسكرية لمجموعة من الفصائل الفلسطينية بما في ذلك حركة فتح، علاوة على حالة من الانتفاض والغضب في مختلف مدن وقرى الضفة الغربية، حيث المواجهات ساخنة بين الفلسطينيين وأفراد الجيش الإسرائيلي، ولذلك فإن التركيز على حماس مقصود ومفكر فيه، والغرض منه تأليب الرأي العام الدولي وتسويق وتعميم سردية إسرائيلية  تتأسس على أن حماس حركة إرهابية مثل داعش، ولا تمثل الفلسطينيين المؤمنين بالسلام والتعايش مع الاحتلال، إنها حركة تدعو إلى تدمير إسرائيل،   فيتحول وفق هذه السردية الظالم إلى مظلوم والمحتل إلى كيان له حق الدفاع عن النفس.
طبعا الغرب العادل والديمقراطي والعقلاني والإنساني لم يتألم سوى لما وقع للمحتل ولم يشعر بالأسى والحزن إلا عندما شاهد صور القتلى والأسرى الإسرائيليين. أخلاقيا وإنسانيا لا أحد يقبل برؤية مشاهد القتل والسحل والإهانة في أي جهة كانت، ولا أحد يملك ذرة من الإنسانية يمكن أن يستسيغ استعمال الرهائن دروعا بشرية، المقاومة الفلسطينية ليست جيشا نظاميا، يتطلب كل هذا التجييش والتأجيج والتسخين، والزج بقوى عظمى غربية في مغامرة ربما لا تعلم جيدا مآلاتها على المدى البعيد، الحرب والقصف والقتل والحصار وتجاهل حقوق ومطالب الفلسطينيين ليست حلا، وانتعاش الكراهية وتسليح المستوطنين وتحريضهم ضد سكان عزل آمنين ليس مشجعا على أي خطوة للتهدئة .
لنسلم أن الجيش الإسرائيلي سينفذ الاجتياح البري لينتقم كما يشاء، وليدمر ويردم وينسف ويقتل أكبر عدد من المخربين وفق القاموس العسكري والإعلامي والسياسي الإسرائيلي، وليرتكب  أكبر عدد من المجازر في حق سكان قطاع غزة، حتى يشفي غليله ويشبع رغباته في القتل والفتك، هل هذا الخيار سينهي المشكل وكل تجليات المأساة التاريخية؟ لاشك أن اللجوء إلى مزيد من القوة والتصعيد وتحريض الغرب سيغلق أبواب السلام، وبالمقابل سيفتح أبواب جهنم!
ما سبب هذا المنعطف الخطير والمؤلم في تاريخ هذا الصراع؟هل البقاء تحت رحمة الصورايخ وصافرات الإنذار والملاجئ  والخوف والرعب يريح ويطمئن المجتمع الإسرائيلي؟
مقاومة الشعب الفلسطيني ستبقى ولن يستطيع أحد استئصالها أو إخماد لهيبها، فمنذ عقود والفلسطيني يدافع عن حقوقه ويواجه  الظلم والإهانة والقمع بشكل يومي. أيها الغرب: يكفي أن تتأمل وتتفحص جيدا مشاهد التدمير والقتل والإحراق والعربدة التي طافت العالم على امتداد سنوات، لتدرك، وبكيفية واضحة وجلية، تصرفات وممارسات موغلة في الهمجية و»البلطجة»، وغير مبالية بالقيم والقوانين والأعراف، ولتقف على حقيقة الاحتلال الإسرائيلي وليتحرك ضميرك ولو مرة واحدة لإنصاف الشعب الفلسطيني. وعليه يتعين على هذا الغرب القوي والمتحضر والمناصر للسلم والمدافع عن الأمن أن يبذل جهودا صادقة وحقيقية لاحتواء التصعيد والعنف، والحيلولة دون اتساع رقعة الحرب،  حتى لا تدخل المنطقة إلى نفق مجهول وقاتم، وحتى لا تتحول هذه الحرب إلى مأساة إنسانية وتفرز نكبة جديدة، وعلى هذا الغرب أن يعترف، بجدية وصراحة، بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ويعمل على إقناع إسرائيل بجدوى وأهمية هذا الحل، الكفيل وحده بإنهاء فصول ما نعيشه اليوم من قيامة حقيقية وجنون حربي غير مسبوق…

(*)صحافي وكاتب

الكاتب : عبد الصمد بنشريف - بتاريخ : 12/10/2023

التعليقات مغلقة.