المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي . . تجديد الهوية الاتحادية واستمرار المشروع الديمقراطي الحداثي

حمزة إبراهيمي
منذ مؤتمره الوطني الاستثنائي و المصادقة على التقرير الأيديولوجي قبل 50 سنة من الآن ، ظل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مدرسة في الفكر السياسي التقدمي، ومختبرا دائمًا للرؤى التي تتجاوز اللحظة الآنية نحو المستقبل. واليوم، مع انعقاد مؤتمرنا الوطني الثاني عشر نهاية هذا الأسبوع، تحت شعار «مغرب صاعد: اقتصاديا و اجتماعيا ومؤسساتيا»، يجدد الحزب التزامه التاريخي بتأطير المواطنات والمواطنين في زمن التحولات الكبرى، ويؤكد أنه ما زال في قلب معركة بناء مغرب ديمقراطي حداثي تسوده العدالة الاجتماعية والمساواة.
إن انعقاد المؤتمر الوطني الثاني عشر يأتي في مرحلة دقيقة من تاريخ البلاد، حيث تتقاطع الإصلاحات المؤسساتية مع تحديات اقتصادية واجتماعية متسارعة، من ارتفاع تكاليف المعيشة إلى التحولات في سوق العمل، مروراً بتغير طبيعة المشاركة السياسية. فأمام هذا الواقع، ينهض الاتحاد الاشتراكي بدوره المحوري والتاريخي في ترسيخ الوعي الجماعي، باعتباره رافعة أساسية لمواكبة هذه التحولات واستباق آثارها، عبر قراءة نقدية بناءة للسياسات العمومية والخيارات التنموية.
فالمؤتمر الوطني الثاني عشر يشكل أكثر من مجرد محطة تنظيمية؛ إنه موعد لتجديد الهوية الاتحادية وإعادة وصل الحزب بجذوره الاجتماعية التي منها انطلق وإليها يعود كلما اشتدت الأوضاع. ففي زمننا تتسارع التحولات الاقتصادية والاجتماعية وتتعاظم الفوارق الطبقية والمجالية، يجب أن ينهض الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمسؤوليته التاريخية كصوت للعدالة الاجتماعية، ومدرسة جامعة وموحدة لإنتاج فكر يساري مغربي متجدد، يستلهم تاريخه العريق وينفتح على رهانات الحاضر والمستقبل.
وفي هذا المسار، تبرز التحالفات البناءة كرافعة استراتيجية لترسيخ المشروع الاتحادي وتجديد دوره الميداني، وفي مقدمتها التحالف القائم بين الحزب والفيدرالية الديمقراطية للشغل، باعتبارها فضاء نقابيا ديمقراطيا تعدديا يستمد قوته من قيم التجربة الاتحادية الأصيلة في الدفاع عن حقوق العمال والموظفين والمأجورين. إنه تحالف يقوم على قسم الاشتراكية الاجتماعية والديمقراطية، لا كشعار، بل كمنهج في النضال والترافع من أجل الكرامة والإنصاف، ومن أجل صون المكتسبات الاجتماعية للطبقات الكادحة والمتوسطة التي تشكل عماد الاستقرار والإنتاج في وطننا.
ولأن الاتحاد الاشتراكي حزب حي بقراراته ومؤسساته، فإن شؤونه شأن داخلي سيادي، لا يقبل الوصاية ولا يتأثر بتدخلات العدميين. قراراته تصنع داخل البيت الاتحادي، في فضاءات الحوار الديمقراطي التي يضمنها نظامه الداخلي، من اللجنة التحضيرية إلى المجلس الوطني، وصولا إلى المؤتمر نفسه، الذي يظل المصدر الأعلى للتشريع الحزبي ومصدر الشرعية السياسية والتنظيمية. والحق في الاختلاف والتعبير مضمون لكل الاتحاديات والاتحاديين، في احترام تام للضوابط التنظيمية، لأن قوة الاتحاد تكمن في تعدد أرائه ووحدة إرادته.
لقد استخلص الاتحاديون والاتحاديات دروس الماضي، ولن يسمحوا بإعادة إنتاج الصراعات التي عطلت المسار وبددت الجهود. اليوم، الكلمة للعقل التنظيمي الجماعي، والميدان مفتوح لكل من يريد أن يشتغل ويناضل من داخل الحزب، لا من هوامش فضاءات التواصل الاجتماعي. فالمرحلة تتطلب تعبئة شاملة لتجاوز الذواتية والأنا السياسية المتضخمة عند بعض في المنصات و على المواقع بالعالم الافتراضي الى خدمة المشروع الاتحادي في بعده الوطني والتقدمي – الاجتماعي.
و مع اقتراب موعد المؤتمر الوطني يبرز الرهان الكبير على تجديد مسار الحزب في سياق وطني دقيق يتطلب قيادة مجربة قادرة على التوفيق بين الإصلاح والاستقرار، وفي هذا الإطار لا يمكننا إلا أن ندعم ترشح الأستاذ إدريس لشكر لقيادة المرحلة القادمة، إيماناً منا بأن التجربة التي راكمها خلال ولاياته السابقة جسدت رؤية إصلاحية متبصرة أعادت للحزب مكانته كقوة اقتراحية فاعلة، وأن استمرار قيادته يشكل ضمانة لاستقرار التنظيم وتماسكه، واستمرارية المشروع الاتحادي الذي يضع الشباب في صميم التغيير المنشود استعداداً للاستحقاقات المقبلة.
إن لنا من خلال المؤتمر الوطني الثاني عشر موعدا لتجديد العهد مع التاريخ، وإعلان انبعاث جديد للاتحاد الاشتراكي كقوة فكرية ونضالية، قادرة على حمل هموم الوطن وتطلعات طبقاته الشعبية، نحو مغربٍ ديمقراطيٍ عادل، يضع الإنسان في صلب التنمية، والكرامة في قلب السياسة.
الكاتب : حمزة إبراهيمي - بتاريخ : 17/10/2025