المجاهد عبد الرحيم بوعبيد، مدرسة النضال من أجل وحدة الوطن
سعيد الخطابي
ونحن نخلد الذكرى 33 لرحيل الزعيم الوطني عبد الرحيم بوعبيد، تقف أمامنا سيرة عطرة من النضال والتضحية، وتجسد إحدى أروع صفحات تاريخنا السياسي ولحزبنا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. كان المرحوم بوعبيد بمثابة المنارة التي أضاءت الطريق في زمن الظلام، وأحد أعمدة الاتحاد الذي سار على درب الوطنية الحقة، التي لا تقبل المساومة.
لقد كان فقيدنا رمزاً للاحترام والمصداقية، صامداً في وجه التحديات، رافضاً لكل أشكال الاستبداد والفساد، مُعِدّاً نفسه لأن يكون صوت الشعب في لحظات الشدة، ومرشداً للمستقبل في زمن التحولات. لم يكن عبد الرحيم بوعبيد مجرد رجل سياسة، بل كان رجلاً ذا رؤية وطنية عميقة، تجسد فيها مبدأ الحرية والعدالة الاجتماعية كأسمى غاياته، مناضلاً ومربيا لأجيال الاتحاد المتقدين بروح الفكر الوطني وحاملي مشروع الفكر الديمقراطي الحداثي الساعي إلى بناء دولة المؤسسات وتحقيق التوازن الاجتماعي، وإرساء دعائم الديمقراطية الحقيقية، بعيداً عن أي تضليل أو تراجع عن المبادئ. تلك المبادئ التي دفع ثمنها غالياً، فكان في مقدمة من ضحوا من أجل استقلال مغربنا وبناء دولة عادلة.
في ذكراه، نستحضر كلمات بوعبيد التي كانت بمثابة خارطة طريق لكل من آمن بالحرية والديمقراطية، حيث قال: «إن ما قدمناه لم يكن من أجل مكسب شخصي أو ترف، بل كان محض خدمة لهذا الوطن الحبيب، الذي يستحق منا كل تضحية وكل جهد». فقد عاش وفياً لمبادئه، رغم كل المحن التي مر بها، ورغم التحديات التي واجهها.
لقد كانت حياته مليئة بالمواقف المشرفة التي تعكس نبل أهدافه، وكان من أبرز القادة الذين ساهموا في بناء الحركة الوطنية وجعلوا من الاتحاد الاشتراكي فاعلاً في رسم خارطة مستقبل هذا الوطن. وعبرها نسج حزبنا استراتيجية النضال الديمقراطي في مؤتمره الاستثنائي 1975 كمدخل لخوض تجربة التغيير من داخل العملية الديمقراطية وما توافيه إرادة الجماهير الشعبية عبر صناديق الاقتراع، في يوم رحيله، نعلم أننا فقدنا رجلاً استثنائياً، لكننا نعلم أيضاً أن إرثه الفكري والسياسي سيظل حاضراً في أجيالنا القادمة، وسنبقى أوفياء لتلك الدروس التي زرعها فينا.
اليوم، نستحضر التزامه العميق بالوطن والإنسانية، ونجدد العهد على أن نواصل السير على دربه في تعزيز قيم العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية. رحم الله عبد الرحيم بوعبيد، ورحم الله كل شهداء الوطن الذين استبسلوا من أجل أن يظل هذا الوطن عزيزاً، حراً، ومستقلا . عبد الرحيم بوعبيد أحد القادة الذين جسدوا معنى النضال الوطني بكل تجلياته، خاصة في مجال الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب. فقد كان يعلم أن الاستقلال ليس مجرد تحرير من الاحتلال الأجنبي، بل هو أيضاً استكمال لوحدة الوطن، التي كانت تحت التهديد من القوى الاستعمارية في المناطق الجنوبية.
كان في طليعة من ناضلوا من أجل أن تظل الصحراء المغربية جزءًا لا يتجزأ من المملكة، وكان من المؤمنين والقادة السياسيين الذين جسدوا معنى النضال الوطني بكل تجلياته، خاصة في مجال الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب. فقد كان يعلم أن الاستقلال ليس مجرد تحرير من الاحتلال الأجنبي، بل هو أيضاً استكمال لوحدة الوطن، التي كانت تحت التهديد من القوى الاستعمارية في المناطق الجنوبية.
كان عبد الرحيم بوعبيد يرفض بشدة فكرة قبول الاستفتاء حول تقرير المصير في الصحراء المغربية، مؤمنًا أن السيادة المغربية على الصحراء غير قابلة للتفاوض. كان يرى أن أي خطوة في هذا الاتجاه قد تشكل تهديدًا لوحدة التراب الوطني وأنها قد تفتح الباب أمام ضغوط دولية تستهدف وحدة المغرب.
كان بوعبيد يعتقد أن حل قضية الصحراء يجب أن يكون قائمًا على الثوابت الوطنية، ومنها تعزيز حقوق المغرب في أراضيه دون اللجوء إلى استفتاء أو أي نوع من الحلول التي يمكن أن تشكك في السيادة الوطنية. لذا كان من أبرز السياسيين الذين عبروا عن معارضتهم لمبدأ الاستفتاء، حيث كان يرى أن أي تفريط في هذه القضية يمكن أن يؤدي إلى تقويض الوحدة الوطنية.
كان من المؤمنين بأن المغرب لن يكتمل إلا بعودة الصحراء إلى حضنه. هذا النضال من أجل الوحدة الترابية كان في صميم رؤيته الوطنية التي كانت تنبض بالحب للوطن والتفاني في خدمته. وفي هذا السياق، قدم بوعبيد تضحيات جسيمة، وثمن ذلك النضال في السجون، وخاصة في سجن «ميسور». كان نضاله في هذا السجن مرآة لتضحيته العميقة. فبعد اعتقاله سنة 1981، ظل وفياً لمبادئه، وكان سجنه في «ميسور» ليس مجرد عقوبة، بل كان بمثابة محك اختبار لمدى عمق التزامه الوطني وأصالته النضالية. وبدلاً من أن يثنيه السجن عن مواصلة نضاله ظل مؤمنا برسالته من أجل الوطن أولا وأخيرا.
إن ما قدمه عبد الرحيم بوعبيد من تضحيات في سجن ميسور كان شاهداً على إخلاصه المطلق لقضية وطنه. ويُثبت فيها أنه لا يوجد ثمن أغلى من كرامة الوطن؛ حيث قال في المحكمة هذه المحاكمة سيكون لها تاريخ، فأنتم لكم الأمر، ونحن نقول: رب السجن أحب إلي من أن ألتزم الصمت وألا أقول رأيي في قضية مصيرية وطنية».
لقد كانت تلك الفترة من السجن مليئة بالدروس، فكان بوعبيد يؤمن أن ما قدمه في سبيل وطنه لم يكن ترفاً أو شيئاً من التمنيات، بل كان قناعةً عميقة بأن التضحية بالحرية من أجل الوطن هي أسمى قيمة يمكن أن يقدمها أي مواطن مخلص. وكان يؤمن أن هذا النضال لن يكون أبداً عبثياً، بل سيكون جزءاً من المسار الطويل لتحرير الوطن وحماية وحدته الترابية.
إن تضحيات عبد الرحيم بوعبيد في السجون، وفي مقدمتها سجن «ميسور»، ستظل علامة بارزة في تاريخ نضال المغرب من أجل الوحدة والاستقلال. وقد أثبت أن النضال الحقيقي لا يتوقف عند الحدود الجغرافية أو السياسية، بل يستمر في الداخل وفي المعتقلات وفي كل زاوية من زوايا الوطن، حتى وإن كان الثمن غالياً.
الكاتب : سعيد الخطابي - بتاريخ : 10/01/2025