المخاطر الاقتصادية غير المرئية في مشروع قانون المالية… وسبل المعالجة !

فادي وكيلي

 

يعد مشروع قانون المالية أحد أهم الوثائق التي تحدد توجهات الاقتصاد الوطني، ليس فقط من حيث توزيع الموارد والنفقات، بل أيضا من خلال القراءة العميقة للفرضيات التي تبنى عليها السياسات العمومية للسنة المقبلة. ومن خلال تحليل بنية المشروع، تبدو عدة مخاطر اقتصادية لم تحظ بالقدر الكافي من اليقظة والتدقيق، مما يستدعي نقاشا علميا وأكاديميا وسياسيا يستحضر المعطيات الدولية والوطنية والواقعية لعموم المواطنات والمواطنين .

أولًا: مخاطر مرتبطة بفرضيات النمو وبنية الإيرادات

تعتمد الحكومة في مشروعها فرضية نمو متفائلة مقارنة بالسياق الدولي والإقليمي المتسم بعدم اليقين. فاعتماد معدل نمو مرتفع دون احتساب احتمال تقلب الطلب الخارجي، وتداعيات الأزمات الجيوسياسية على أسعار الطاقة والمواد الأولية، يجعل الإيرادات المتوقعة عرضة للانكماش عند أول صدمة غير محسوبة. هذا الخلل قد يؤدي إلى فجوة تمويلية تربك التوازنات الماكرو-اقتصادية خلال السنة وهو ما يمكن اعتباره ضعف على مستوى تدبير المخاطر والأزمات في عهد هذه الحك
كما أن جزءا من الإيرادات يبقى رهينًا بـ«موارد ظرفية» أو «آليات تمويل غير دائمة»، وهي أدوات تلجأ إليها الحكومات عادة لتغطية ثغرات آنية، لكنها لا تصلح كأساس لبناء سياسة مالية مستدامة.

ثانيًا: ارتفاع النفقات الجارية على حساب الاستثمار

تشير المعطيات المرافقة للمشروع إلى استمرار ارتفاع كتلة الأجور والنفقات الجارية، وهو توجه يحدّ من القدرة على تعبئة الموارد نحو الاستثمار المنتج. فحين ترتفع النفقات غير القابلة للتقليص، تصبح قدرة الحكومة على تمويل البنية التحتية، ودعم المقاولات، وتشجيع الابتكار محدودة، وهو ما يبطئ دينامية الاقتصاد الوطني ويقلل من أثر الاستثمار العمومي على التشغيل والنمو.

ثالثا: ضغوط مالية ناتجة عن مشاريع البنية التحتية الكبرى

في ظل استعداد المملكة لاحتضان كأس العالم 2030، يزداد حجم المشاريع المهيكلة في مجالي النقل والتهيئة الترابية. ورغم أهمية هذه الاستثمارات في تعزيز صورة المغرب الاقتصادية، إلا أن عدم تحيين الكلفة النهائية بدقة، وتقدير مخاطر الانحرافات المالية خلال التنفيذ، يمكن أن يخلق التزامات إضافية غير مبرمجة. وإذا لم تتمّ موازنة هذه المشاريع برؤية مالية واضحة، قد تتأثر المديونية ومصادر تمويل باقي القطاعات الاجتماعية الأساسية.

رابعا: هشاشة سوق الشغل والبعد الاجتماعي

لا يزال الجانب المرتبط بالتشغيل بحاجة إلى صيغ أكثر واقعية. فالاقتصاد الوطني يواجه معدلات بطالة مرتفعة في صفوف الشباب، خاصة في العالم القروي. ومع ذلك، لم يتضمن المشروع إجراءات هيكلية قادرة على خلق فرص شغل مستدامة، أو دعم النسيج المقاولاتي المحلي ليصبح شريكًا فعليًا في توطين القيمة المضافة.
إن استمرار فجوة التشغيل دون حلول عملية قد يفاقم من التوترات الاجتماعية خاصة بعد خروج جيل Z وعدد من مسيرات القرى، ويضيف ضغطًا جديدًا على المالية العمومية من خلال برامج الدعم والتعوي
كيف يمكن معالجة هذه المخاطر؟
استحضار هذه التحديات لا يهدف إلى نقد من أجل النقد، بل إلى فتح نقاش وطني مبني على العلم والواقعية، ولأجل ذلك يمكن تقديم مجموعة من المقترحات:

1- اعتماد تقديرات أكثر تحفظًا للنمو
وضع سيناريوهات متعددة (متفائل، واقعي، وتشاؤمي) مع اعتماد السيناريو الواقعي كأساس للميزانية، يسمح بتحصين التوازنات المالية ضد الصدمات.

2- عقلنة النفقات الجارية
العمل على ضبط كتلة الأجور وتحسين مردودية الخدمات العمومية، يتيح إعادة توجيه جزء مهم من الموارد نحو الاستثمار العمومي المنتج.

3- تدبير عقلاني لمشاريع البنية التحتية
ضرورة إخضاع المشاريع الكبرى لدراسات جدوى مستقلة، واعتماد تقييم دوري للتكلفة والآجال، لضمان عدم انحراف الالتزامات المالية عن التقديرات الأصلية.

4- بناء احتياطي مالي للطوارئ
تكوين صندوق احتياطي من الفوائض الممكنة في السنوات الجيدة، يخفف من حدة الصدمات خلال الأزمات ويمنح الحكومة هامش تحرك أكبر.

5- سياسة تشغيل موجهة للشباب والمقاولات
دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة عبر الولوج للصفقات العمومية، وتحفيز الاستثمار المحلي، وربط برامج التكوين بسوق الشغل، كلها حلول قادرة على خلق فرص عمل مستدامة.

6- تعزيز الشفافية والرقابة المالية
نشر تقارير فصلية حول تقدم المشاريع الكبرى والتزامات الدولة، وتحسين حكامة الاستثمار العمومي، يسهمان في بناء الثقة ويوفران رؤية واضحة للمستثمرين
إن مشروع قانون المالية ليس مجرد أرقام تظهر بها هذه الحكومة نجاحات وهمية؛ بل هو رؤية اقتصادية تحدد مسار المغرب لسنة كاملة. واستحضار المخاطر في خلفية هذه الوثيقة ليس تشكيكًا في التوجهات الحكومية بل تنبيها لها وخاصة في ظل الأوراش الكبرى التي تقبل عليها بلادنا ، وهي دعوة إلى مزيد من الدقة واليقظة والواقعية. فاقتصاد يتعرض لتقلبات عالمية متسارعة يحتاج إلى ميزانية مرنة، قابلة للتكيف، وقادرة على حماية الاستقرار الاجتماعي وتحفيز النمو.

الكاتب العام للشبيبة الاتحادية

الكاتب : فادي وكيلي - بتاريخ : 22/11/2025