المغرب: عضوية مجلس الأمن
نوفل البعمري
في مقال سابق نشرناه على هذه الجريدة، أشرنا إلى رغبة الأمم المتحدة في إصلاح مجلس الأمن وتوسيع قاعدة الأعضاء الدائمين. وقد يشمل ذلك تخصيص مقعد واحد على الأقل، وربما مقعدين، للقارة الإفريقية، وسواء تعلق الأمر بمقعد واحد أو أكثر، فإن المغرب يظل، في جميع الأحوال، الأكثر أهلية لشغله، نظرا لمساره الطويل وجهوده البارزة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وعمله الدائم على حل النزاعات بالوساطة وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة.
لقد أصبحت مبادرات المغرب تحظى بدعم أممي واسع، من أبرزها مبادرته المتعلقة بالأزمة الليبية، حيث تبنت الأمم المتحدة اتفاق الصخيرات الذي وقعته أطراف الصراع الليبية، وكذلك دوره البارز في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، حيث اضطلع المغرب بدور محوري في الحفاظ على السلم. وقد برز هذا الدور بشكل خاص خلال مرحلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث شدد على ضرورة وقف العدوان، مع التأكيد على أهمية استئناف الحوار والعودة إلى طاولة المفاوضات استنادا إلى حل الدولتين.. يتجه المغرب نحو تبني استراتيجية دبلوماسية واضحة تهدف إلى تأهيله لشغل المقعد المخصص لإفريقيا في مجلس الأمن. تقوم هذه الاستراتيجية على بناء دعم دولي قوي، لا سيما من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والصين، بالإضافة إلى بريطانيا التي باتت اليوم أقرب اقتصاديا وسياسيا للمغرب مقارنة بجنوب إفريقيا، التي تعد الدولة الوحيدة في القارة القادرة على منافسة المغرب على هذا المقعد. ما يعزز حظوظ المغرب في الفوز بهذا المقعد، متى تم تخصيصه، هو الدعم الواسع الذي يحظى به داخل القارة الإفريقية. هذا الدعم تعاظم بشكل ملحوظ منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي، حيث لعب دورا بارزا في دفع الاتحاد نحو تبني قضايا القارة ودعم شعوبها.
ما سيدعم حظوظ المغرب في نيل هذا المقعد، متى تم تخصيصه، هو مبادراته الرائدة التي قدمها للقارة وباقي الدول، والتي تهدف إلى إعادة ربط المناطق التي كانت تشكل مصدر قلق للأمن الدولي بالتنمية والديمقراطية. من أبرز هذه المبادرات “المبادرة الأطلسية”، التي تحظى بدعم غير مسبوق من دول الساحل كافة، فضلا عن تزايد الدعم لها على المستوى الدولي، مع إعلان عدد من الدول في أوروبا والأمريكتين تبنيها. وقد أسهمت هذه المبادرة في تحويل منطقة الساحل إلى نموذج يُنظر إليه كفرصة واعدة لتحقيق التنمية المستدامة.
المغرب داخلياً حسم اختياراته السياسة والمؤسساتية بقيادة ملك البلاد، حيث عمد إلى إدخال إصلاحات دستورية عميقة حتى بات الخيار الديموقراطي جزءا من ثوابته المؤسساتية، ودسترة المبادئ الكونية لحقوق الإنسان في ديباجة الدستور ومواده، ويعمل على مراجعة شاملة لتشريعاته لتكون مواكبة للإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بحيث فتح نقاشا حول إصلاح مدونة الأسرة، مدونة القانون الجنائي، وغيرها من التشريعات التي تحتاج اليوم للملائمة، وانخرط بشكل واعٍ وبرغبة ذاتية في الآليات الدولية الأممية وتصحيح وضعيته تجاهها، فكان آخر إعلان متعلق بعقوبة الإعدام…وهي إصلاحات مرتبطة بمشروع كبير يقوده الملك يستمد مرجعيته من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
المغرب يعتبر من أكثر الدول قدرة على المساهمة من داخل مجلس الأمن في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، خاصة وأن اختياراته الدبلوماسية كانت دائمة متوازنة وغير منحازة وأثبت استقلالية قراره الدبلوماسي الدولي من عدة نزاعات إقليمية، بل لعب فيها دوراً إيجابياً، وهو اختيار استراتيجي للمغرب غير مرتبط بظرفية معينة، بل بمسار حدد فيه المغرب توجهاته الدبلوماسية الكبرى من خلال خطب الملك التي تعتبر مرجعية وتوجيهية في هذا الباب، وواحدة من اختصاصاته الاستراتيجية.
المغرب قدّم نموذجا قويا في هذه المرحلة التي يترأس فيها مجلس حقوق الإنسان، وهي من كبريات المؤسسات الأممية التي تُعنى بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وهي مهمة يقودها المغرب بالكثير من التبصر والوعي بأهمية تجربته الحالية، وبدقتها على مستوى الرهانات الحقوقية الكبيرة، التي تفجرت سواء من خلال قضايا حقوق أثارها العدوان الإسرائيلي على غزة، أو القضايا المرتبطة بالجيل الجديد لحقوق الإنسان وغيرها من الملفات التي يديرها المغرب على مستوى رئاسته للمجلس، والخطوة التي قام بها أثناء تنظيمه للخلوة بالمغرب كانت تسير في هذا الاتجاه الذي أظهره بمظهر الدولة التي تتعامل بشكل مسؤول مع هذه المهمة الأممية، مما سيجعل نجاحه فيها يؤهله لمهام أكبر داخل الأمم المتحدة تقوده نحو أن يكون جزءاً من مجلس الأمن.
سيكون المغرب قيمة مضافة للأمم المتحدة عند فوزه بهذا المقعد يوم يتم فتح الباب لذلك، ولحين الوصول إلى تلك اللحظة يجب اعتبار مهمة دعم الدبلوماسية المغربية من المهام ذات الأولوية الكبرى في أجندة مختلف القوى والفعاليات المدنية والشخصيات الفاعلة في مجال الدبلوماسية، وهي مهمة وطنية ستدفع المغرب إلى أن يكون متموقعاً داخل أعلى مؤسسة أممية تنضاف لسجله الإيجابي الذي حققه في مختلف الملفات الدولية.
الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 16/12/2024