المغرب لا يخاف

عبد السلام المساوي

المغرب قرر لنفسه مسارا خاصا واستثنائيا ومتفردا، ولن يضيع فرصة واحدة لإثبات هذا التفرد وسط عديد النماذج المتهالكة التي تحيط بنا، والتي تحاول تقديم نفسها لنا باعتبارها ضرورية الاحتذاء…
المغرب، عبر تاريخه العريق، لم يقلد بلدا ولا أحدا، كان نسيجا وحده، وسيظل هكذا، لذلك يستطيع دوما أن يبهر حتى العاجزين عن الانبهار، ولذلك يستطيع كل مرة أن يقدم لمن يريدون أن يلقنوه الدروس دروسا مضادة يتلقونها صفعات على الخد الأيمن ولا يستطيعون تقديم الخد الأيسر إلا حين الضرورة والاحتياج لذلك فعلا …
المغرب تخلص من عقدة الخوف من المؤسسات الأوروبية، البرلمان الأوروبي الذي أزعجته التحالفات الديبلوماسية الجديدة للمغرب، ونزعته التحررية من عقيدة الماضي الاستعماري، وأيضا تدبيره المختلف لشراكاته الاقتصادية…
لم يتبق لنواب القارة العجوز في البرلمان غير أساليب الابتزاز، وتقرير البرلمان الأوروبي سياسي بخلفيات جيواستراتيجية، يستعمل بحقارة قضايا «حقوقية»، وهو عبارة عن توجه سياسي مناهض للمغرب .
والمغرب تخلص من عقدة الخوف من منظمات تدعي الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام ومن منظمات تدعي أنها صنعت للدفاع عن حقوق الإنسان…
المغرب تخلص من عقدة الخوف من هاته المؤسسات التي تحكمها عقيدة ماض استعماري وهاته المنظمات الكاذبة منذ سنوات عديدة، بعد أن اقتنع وآمن بأن إقناع ذوي النيات السيئة بنيتك الحسنة أمر مستحيل ، وأن هاته الهيئات التي تدعي أنها حقوقية أو تهتم بحرية الإعلام هي عبارة عن «شركات» هدفها الربح المادي أو المعنوي…
يكفينا هنا في المغرب أن نواصل، على المنوال ذاته، الإيمان بحقنا في العيش الكريم، وفي إصلاح أخطائنا، وما على المستقوين علينا بالأجنبي إلا أن يواصلوا هذا الاستقواء، فقد سمى أجدادنا من كان يضع يده في يد المعمرين قديما «الخونة»، ولن نشذ عن هاته القاعدة التي ورثناها عن الأجداد الذين حرروا البلاد، ولن نغير سنة لله التي لن نجد لها تبديلا…
اليوم صدق المغاربة والمغربيات، اليوم تحققت نبوءات من سكنهم المغرب قبل أن يسكنوه، اليوم الكل يقول شكرا جلالة الملك.
هو المغرب الذي يسري في العروق مسرى الدماء، وحين العروق وحين الدماء لا يمكنك ان تكذب أو تنافق أو تكتب تحت الطلب مثلما يدعي الكئيبون، حين الحب الحقيقي لا يمكنك التمثيل، ويشهد لله اليوم أننا جميعا نحس بها هاته الأيام: المغاربة لا يمثلون حين حب المغرب، هم يحبونه وانتهى الكلام…
إن بيت المملكة المغربية متين بقيادتها وشعبها، والأجدى بالمتطاولين على شعبنا وقيادتنا، أن يكنسوا أمام بيوتهم، ويتأملوا في هشاشة بنيانهم، لأن ناطحات السحاب لا تجدي نفعا ما ما دامت أعمدتها على رمال متحركة تذروها الرياح…
فخورون بهويتنا الوطنية وانتمائنا لشعب عظيم بقيادة ملك عظيم….
درس مغربي متواصل على امتداد الأزمنة والأمكنة يجدد نفسه دوما وأبدا ويمنح إمكانية الاستفادة منه لمن كان ذا عقل سليم.
حدثان رئيسيان عرفتهما دولتان أوروبيتان سنة 2021، دون أن يخلقا أي «بوليميك» سياسي فارغ ودون أن تتطاول ألسنة المعارضين المياومين للتشكيك في مؤسسات القضاء والأمن:
الحادث الأول يتعلق بالحكم على جورج ترون، عمدة برافيل الفرنسية السابق، بثلاث سنوات حبسا بسبب جريمة الاغتصاب والاعتداء الجنسي في حق مساعدته .
أما الحادث الثاني فيتعلق باعتقال بابلو هاسل، فنان الراب الإسباني بسبب إهانة المؤسسة الملكية والإشادة بالارهاب عبر تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أنه أقدم على الاعتصام منذ بداية الأسبوع الجاري لتجنب اعتقاله.
لنقلب الصورة ونفترض أن الحدثين وقعا بالمغرب، وأن سياسيا وفنانا ارتكبا تصرفا مخالفا للقانون سواء الجنائي أو كان فيه إساءة لشخص الملك أو للمؤسسات، طبعا كنا سنعيش لحظة للتباكي الجماعي والتشكيك الممنهج من تجار العدمية ورموز دكاكين حقوق الإنسان، وبلا شك كان سيتحول مرتكب الجرم إلى بطل قومي ورمز حقوقي من حقه الدستوري أن يغتصب من يشاء ويسب ويبيض الأموال فقط لأن صفته كناشط سياسي أو حقوقي أو إعلامي فوق القانون وأعلى من المؤسسات .
والمؤكد أن حناجر كانت ستتهم المؤسسات الأمنية «بفبركة» الملف لتحجيم الحق في التعبير، والنيل من الحياة الخاصة للمجرم، وباختصار كنا سنكون أمام يوم من أيام القيامة السياسية.
هذا بالضبط هو الفرق بيننا وبينهم، في بلد الآخرين لا أحد فوق القانون والرموز السيادية للدولة محصنة من العبث، فلا يمكن اعتبار النيل من رئيس الدولة حرية في التعبير، ولا يمكن جعل ضرب المؤسسات سلوكا ممنهجا، واعتبار ذلك من مشمولات حقوق الإنسان، هناك دائما في الدول مهما بلغ نجمها في سماء الديموقراطية سقف لا يمكن خرقه وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، لسبب بسيط، أنها تشكل ضمانة العيش المشترك بين الجميع داخل الدولة، وإلا سنصبح أمام غابة يأكل فيها المحصن بالبرلمان الأوروبي والحركة الحقوقية والمنبر الإعلامي المواطن الضعيف دون أن تتدخل قوة مشروعة لردعه مهما بلغ شأنه.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 24/01/2023