الملك محمد السادس… يُخَصِّب الانتصار الوطني في الديمقراطية المغربية
طالع السعود الأطلسي
أمام مجلسيْ برلمان المغرب، وَجَّه الملك محمد السادس خطابًا افْتتح به السَّنَة التشريعية الرابعة للولاية الحادية عشرة للبرلمان المغربي… بنَبْرةِ المُنتصر، خصّ العاهلُ المغربي خطابه لقضية الصحراء المغربية، مُثمِّنًا تَوَالي المكتسبات الديبلوماسية التي تُقِرُّ بالحق الوطني المغربي في ترسيخ مَغْرِبِية أقاليمه الجنوبيةالصحراوية… وبخطاب بَثَّ ملك المغرب نفَسه الانْتصاري في عموم شعبه… أرادَه خطاب الثقة في الفَعالية الوطنية التي أثْمرَت المكتسبات التي تُحصِّن مَغربيَّة الصحراء…
سيقول الملك محمد السادس بأنّ ما تحقَّق كان بفعل تضامُن جميع المغاربة، وفي مُقدمتهم أبناء الأقاليم الصحراوية، حُمَاة النفَس الوطني وهو يُنْعش حقائق التاريخ ويُنطقها ويُفَعِّلها… بما جعل للخطاب المَلكي دوِيَّ اسْتنهاض الحضور المركزي لقضية وحدة التراب الوطني، في الحياة السياسية المغربية… في الأصل، الإجماع الوَطني حوْل مغربية الصحراء والْتحام كافة القوى الوطنية في مَعارك تثبيتها وترسيخ اسْترجاع الأقاليم الجنوبية المغربية، أعاد صَوْغ المعمار السياسي المغربي… أنْتجذلك، ما كان يُسمّى بالهامش الديمقراطي، أواسط سبعينيات القرن الماضي… فِعْلُ الإجماع الوطني وحماس كل القوى السياسية، وسّع ذلك الهامش، إلى بِنْيات ديمقراطية مَتينة… لها روافعُها في الدستور، في القوانين التنظيمية، في مُجمل القوانين المُؤَطِّرة للحريات العامة والفردية في المغرب ولجميع مُؤسساته العامة ولحقوق الأفراد في حياتهم الاجتماعية… الديمقراطية في الدستور المغربي اختيار استراتيجي.
القضية الوطنية، مع الخطاب الملكي، تعودُ فاعِلة في الحياة السياسية المغربية… تعود متوهِّجة بالانتصارات الديبلوماسية… وتعود مُحَرِّضَةً على الحماس الوطني لتثبيت تلك الانتصارات وتفعيلها وتوسيعها… ومع كل ما تستوْجِبه من تظافُر الجهود والتحام القوى الوطنية، بكل مُسمَّياتها الحزبية والمدنية، إلى استكمال ما أنجزته، بديناميكية أقوى، تتناسب ونوْعية المكتسبات التي تحققت… بما يعني أن الفاعل الحزبي المغربي بخاصة، تعاظمت مسؤولياته ولا يجدُر أن يغفِل عنها في سياق تدافُعه الديمقراطي… لا بل إن المنجز الوطني يستدعي أن يسري في الحركية الديمقراطية، لتكريسه وتفعيله، وليُغذِّيها هي نفسها بوقود الفعالية الوطنية للفاعل الحزبي…
بعد حوالي نصف قرن من المسيرة الشعبية السلمية التي بادر بها المغفور له الملك الحسن الثاني، والتي أحاط بها الإجماع الوطني، الحزبي المجتمعي، وحققت مُكْتَسب استرجاع الأقاليم الجنوبية الصحراوية المغربية من الاستعمار… وقد كانت دِفَاعية ضد الهجمة الانفصالية، المدعومة من الجزائر ومعها الكثير من أصدقائها وأعداء المغرب… خطابُ الملك محمد السادس، في هذا الأكتوبر من سنة 2024، يفتح مسارًا وطنيا مغربيا جديدا وهُجوميا، منتصرًا بالمكتسبات الديبلوماسية والسياسية التي تحقّقت للمغرب، وقد دَحَرَ «زبَد» الانفصال والعداء للمغرب، وتحصّل على «ما يَنفَع النّاس» ليمكُث في الأرض المغربية… وقد كانت آيات القرآن الكريم في افْتتاح الجلسة مُقدمة لمضمون الخطاب الملكي برسالة واضحة لمن يعرف نفسَه، وأتْعَبَه العداء للمغرب وأفْقدَه صواب وبوصلة السّيْر في حقل العلاقات الدولية ومُنعرجاتها… خطاب الملك محمد السادس، وأمام المجلس التمثيلي للشعب المغربي، والمَركزي في الحياة الديمقراطية المغربية، فيه ترصيدٌ لما أثمره الحزْم المغربي، والوضوح والمبادرة في الفضاء الدولي، انتصارًا للحق الوطني… وعنوانُ ذلك الرصيد الانْحياز الفرنسي لحقائق التاريخ، والتي فرنسا على علْم بها، وبإعلان الرئيس الفرنسي عن تبَنّي فرنسا لمُقترح الحكم الذاتي، أساسا وحيدا لحل يُكرِّس السيادة المغربية على صحرائه… الدعم الديبلوماسي الفرنسي دفعٌ هامُّ لديناميكية الدعم الدولي للحق المغربي… الخطاب الملكي شكر الرئيس الفرنسي وباسم الشعب المغربي، وبما يحمله ذلك الشُّكر من إشعاع مُخصِّبٍ لحركية العلاقات المغربية الفرنسية، وفي أفق الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي للمغرب، المُرْتَقبة في آخر هذا الشهر… ولم يكن الملك محمد السادس هُنا ظَفْراويا… رغم صرامته الوطنية في قيادة عبورٍ عسيرٍ لفترة مُلتهبة في العلاقات بين فرنسا والمغرب… إنه مَلك للتاريخ… وَصلَهُ من تاريخ، وينسجه، يهمه المنجز ويتطلع إلى المستقبل…
لذلك المستقبل، كانت للملك محمد السادس في خطابه إشارات دالة،ثمَّنت موقف إسبانيا، لعلاقتها التاريخية بالصحراء المغربية، وأيضا للولايات المتحدة الأمريكية، ولعديد الدول العربية والإفريقية والأوروبية التي تُدعِّممُقترح الحكم الذاتي أساسا لحل النزاع حول الصحراء المغربية… في أفُق ذلك المستقبل ذكر ملك المغرب بأن الصحراء المغربية في مركز المُبادرات الاقتصادية الهامّة للمغرب مع امتداده الإفريقي، من نَوع أنبوب الغاز بين نيجريا والمغرب، وأساسا المبادرة الأطلسية، والتي تمنح لدُوَل السّاحل الإفريقية مُتَنفّسًا اقتصاديا ومَعبَرًا إلى المحيط الأطلسي… هنا الملك لا يُلقي على المُستقبل أمنيات أو شعارات، يضع أمامه مَسارًا ملموسا ونفْعًا مشتركا، ملموسا، في الحيوية الديبلوماسية وهي الحيوية التي يقول الملك محمد السادس، المغرب فيها مُنْفتحٌ على مُحيطه المغاربي… لمن أراد فيه أن ينْفَتح على المغرب…
خطاب ملك المغرب، أمام البرلمان، به يُطلِق برنامج عمل وطني، تُفَعّل فيه قضية الصحراء بمكتسباتها وبتطوراتها النّوْعية دخل الحياة السياسة المغربية… تسترجع وهج الالتحام الوطني وتستدعي كل المغاربة إلى تذوُّق طَعْم ثمرات المنجزات… وبها هم مدعوُون لشحذ طاقاتهم لتكريسها والذهاب بها إلى أفُقها التاريخي والمستقبلي…
الكاتب : طالع السعود الأطلسي - بتاريخ : 15/10/2024