المنطق الشيزوفريني في السياسة

مصطفى خولال

تعاني دول الجوار المغربي من فصام فكري يقودها أحيانا إلى نوع من الاكتئاب الدبلوماسي. ففي كل مناسبة، وخاصة حين تتجدد مشاكل المغرب مع هذه الدول، سرعان ما تفيض هذه الشيزوفرينيا بمظاهر شتى، لا داعي للوقوف عليها مادام الجميع يتابعها في كل حالة تستجد، ينطبق هذا على الجار بشرق المغرب، مثلما ينطبق بصورة أقل على الجار بشماله، ذلك أن سلوكهما يحكمه ما يمكن تسميته اقتباسا بال(منطق السكيزوفريني) .
عبارة الـ ((منطق سكيزوفريني)) التي نوظفها هنا هي في الأصل عنوان فصل في كتاب أصدره المؤرخ والأديب والمفكر عبد الله العروي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي. والعروي كمفكر كبير ملتزم بقضايا الإنسان العربي عموما والإنسان المغربي خاصة لا ينطق إلا حين تمس القضايا الكبرى، مثل قضية اللغة مثلا، اللغة العربية تحديدا وما يرتبط بضرورة إصلاحها كي تنجح في وظيفة أساسية من وظائفها وهي التعليم بكل التشعبات والتعقيدات التي هي لهذا الإصلاح الذي لا أحد انتبه إلى دقة الطرح العروي فيه، ليس من المسؤولين عن السياسات التعليمية فقط بل وحتى من الباحثين المفكرين في ذات الموضوع، مِن هؤلاء وأولئك ومعهم مختلف النشطاء انتبه إلى ملاحظة العروي حين كتب في (خواطر الصباح) أن المشكلة في قضايا اللغة الأمازيغية مثلا هي مشكلة ((الكُلْفَة)).
أضف إلى مثال اللغة مثال ((وحدة التراب)) في ((قضية الصحراء المغربية))، وهي قضية كبيرة جدا بل إنها في وعي وروح المغاربة أم القضايا. ونحن نقصد هنا كتاب (الجزائر والصحراء المغربية). نشره العروي باللغة الفرنسية،- ولهذا الأمر قصد وهدف وغاية – جميعها لا تخفى على النبهاء- في العام 1976 في دار سيرار بالدار البيضاء. والكتاب غير ذي شهرة لدى عموم قراء العروي. وليس لهذا أهمية في نظرنا. ذلك أن الظن عندنا هو أن العروي يتوجه إلى من يعنيهم الأمر في المنتظم الدولي، ليس حصريا، لكن تحديدا المخاطب في هذا الكتاب هو ذاك المنتظم…
لقد أوهمت الجزائر أصدقاءها في العالم، في العام 1963، مثلما أوهمت نفسها، بأن كل ما يصدر عن المغرب ومن المغرب، هو بهدف الاعتداء على بلدها وعلى ثورتها. مرت اثنتا عشرة سنة كي يحل العام 1976 لنرى الجزائر لا تتوقف عن تسليح نفسها تحت غطاء ضرورة تقوية الجبهة العربية دون أن تشارك عمليا أبدا في معارك الشرق الأوسط، ودون أن تغادر عيناها ولو للحظة قمم جبال الأطلس بالمغرب الشامخ، وبالموازاة مع هذه السياسة حرصت على معارضة ومحاربة كل تعاون اقتصادي مغاربي وَهْماً منها أنها سَتُصَنِّعُ بلدها فتصبح ذات قوة تملي بها إرادتها على الأعضاء المغاربيين.
ونسجل نحن اليوم، بعد كل هذه العقود الطويلة، المصائر الداخلية التي آلت إليها الجزائر الدولة، مثلما نسجل فشلها الصريح في التصنيع وفي الاقتصاد وفي حلمها أن تقود البلدان المغاربية وتهيمن عليها. وفي كل معاركها الدبلوماسية لم تنجح سوى نجاحات باهتة في الحفاظ على حالة «الوضع الراهن». لقد طبع الفشل كل تحركاتها، وفي كل فشل تصاب ومعها إسبانيا، بالاكتئاب الدبلوماسي، هذا علما أنها تعود باستمرار إلى أطروحتها المكرورة التي تتلخص في أن كل ما يفعله المغرب إنما لهدف محدد وهو الاعتداء على بلدها وثورتها، وهو وهم ناتج عن منطقها الشيزوفريني ذاك.
فمتى ستعي الجزائر ومعها إسبانيا منطق الشيزوفرينيا السياسي هذا وضرره على الوعي الدبلوماسي لديهما، وهو المنطق الذي يصيبهما في كل مناسبة إن لم يكن دائما، بالعمى السياسي فلا ينتبهان إلى ما هو عليه المغرب، لا يعيان لا تاريخه القديم والممتد ولا تاريخه الحديث ولا واقعه الحالي الذي يريان بأم أعينهما أن القوى المغربية تصطرع من أجل إصلاحه دون أن يكون لأي من هذه القوى أي ميل لإلحاق أي شكل من أشكال الأذى لا بالجزائر ولا بإسبانيا، وذلك بدافع الانتقام مثلا، من سياستهما العدائية تجاه المغرب.

الكاتب : مصطفى خولال - بتاريخ : 15/06/2021