الهجرة تعيد التوتر إلى العلاقات الفرنسية الإيطالية

باريس: يوسف لهلالي
تأججت المواجهة الديبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا الأسبوع الماضي، بعد رفض هذه الأخيرة استقبال سفينة «اوسيان فيكينغ»، والتي دخلت بشكل استثنائي إلى ميناء تولون ليتم توزيع اللاجئين على عدة بلدان أوربية خاصة فرنسا وألمانيا.
هذا الرفض الإيطالي لن يكون هو الأخير، وهو ما يعني أن ملف الهجرة واستقبال بواخر الإغاثة سوف يعود إلى الواجهة وإلى المزيد من التوتر الديبلوماسي بين روما وباريس، وهو علامة على التحول في سياسة الهجرة بإيطاليا بعد وصول رئيسة وزراء جديدة تمثل اليمين المتطرف، الذي جعل من الهجرة أحد أعمدة سياسته الداخلية والخارجية، ودافعت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أمام الصحافة عن نهجها الصارم الجديد حيال قضية الهجرة مؤكدة أن «على متن هذه السفن، ليس هناك ناجون إنما مهاجرون».
وسمحت روما في البداية لجزء فقط من الناجين الذين حاولوا العبور من سواحل شمال إفريقيا إلى أوروبا، بالنزول إلى الرصيف، ما أثار استياء منظمات إنسانية. وفي نهاية المطاف سمحت لثلاث سفن إسعاف بإنزال كل ركابها الثلاثاء.
هذا التوتر مع روما رافقه توافق بين باريس ولندن حول تدبير الهجرة السرية، حيث قبلت فرنسا التوصل بتعويضات من 72 مليون يورو مقابل الرفع بنسبة 40 في المائة من عناصر قوتها الأمنية في السنة المقبلة لحراسة بحر المانش، بعد أن تمكن حوالي 40 ألف مهاجر غير نظامي بعبوره هذه السنة حسب السلطات البريطانية.
وإذا كان التوافق هو الذي يطبع العلاقة بين فرنسا وبريطانيا حول تدبير ملف الهجرة بعد الاتفاق الأخير، فإن إيطاليا غاضبة وتعتبر أنها لا تتوصل بالمساعدات المالية الكافية من فرنسا وأروبا لتدبير هذا الملف، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الإيطالي انتونيو تاجاني بالقول «إن النهج الجديد المتشدد لبلاده في مجال سياسة الهجرة هو رسالة لحض الدول الأخرى في الاتحاد الأوربي على لعب دورها».
الرد الفرنسي على هذه السياسة لم يتأخر، وأدان وزير الداخلية جيرار دارمانان «الخيار غير المقبول» والمخالف لـ «لقانون الدولي»، لإيطاليا التي رفضت بقيادة حكومة جديدة يمينية متطرفة استقبال السفينة. واعتبر ذلك واجبا إنسانيا. وهدد الوزير الفرنسي بوقف التضامن الأوربي.
في المقابل استنكر وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي القرار الفرنسي باتخاذ إجراءات انتقامية بحق روما لرفضها السماح لسفينة تقل مهاجرين بالرسو في موانئها.
وقال في بيان له «رد فعل فرنسا على طلب استقبال 234 مهاجرا، بينما استقبلت إيطاليا 90 ألفا هذا العام، غير مفهوم على الإطلاق».
مسؤولة منظمة «إس أو إس متوسط»، صوفي بو، اعتبرت في حديث للصحافة أن التمكن من الرسو في ميناء تولون يشكل «مصدر ارتياح مشوب بالمرارة»، ورأت أن رفض استقبال سفن المهاجرين وإبقائهم فترة طويلة في البحر «يظهر أنه من الملح أن تضع الدول الأوربية آلية توزيع دائمة للمهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر الأبيض المتوسط، بعد فرارهم من ليبيا بشكل عام على متن قوارب.»
وأثار استقبال القارب بفرنسا غضب اليمين المتطرف ولاسيما رئيسة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف مارين لوبن التي رأت في ذلك «علامة دراماتيكية على التراخي».
وكتبت لوبن على تويتر «بهذا القرار لم يعد (إيمانويل ماكرون) قادرا على جعل أي شخص يعتقد أنه يريد وضع حد للهجرة الجماعية والفوضوية».
التصريحات المتبادلة والعنيفة أحيانا بين المسؤولين الفرنسيين والمسؤولين الإيطاليين تعكس ارتفاع حدة التوتر بين البلدين حول هذا الموضوع، حيث تطالب باريس باحترام الاتفاقيات الأوربية، في حين ترى روما أن التضامن الأوربي غائب وأنها لوحدها تتحمل ثقل الأعداد الجديدة من الوافدين، وتحدثت عن وصول 90 ألف وافد جديد إلى الأراضي الإيطالية.
المفوضية الأوربية أمام هذا التوتر الفرنسي الإيطالي ذكرت البلدين أن إنقاذ الأرواح هو «واجب إنساني «كما أن «الواجب القانوني بإنقاذ الأرواح في البحر واضح ولا لبس فيه، مهما كانت الظروف التي قادت الأشخاص إلى المحنة»، داعية «الدول الأعضاء» إلى العمل سويا لإيجاد استجابة مشتركة».
ملف الهجرة هو أحد أكثر الملفات تعقيدا أمام بلدان الاتحاد الأوربي، والذي يثير الأزمات باستمرار بين باريس وروما حول قبول المهاجرين وتفعيل آلية التضامن الأوربي التي تنص على توزيع هؤلاء المهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا على باقي بلدان الاتحاد.
توقف إيطاليا عن استقبال بواخر الإنقاذ، تقول روما، هو وسيلة للضغط على الاتحاد الأوربي ليزيد من مساعداته إليها، وكذلك لتفعيل آلية التضامن الأوربي التي لا تطبق، حسب الحكومة الإيطالية.
رد فرنسا على القرار الإيطالي لم يتأخر، وقررت التعليق «الفوري» لمشروع مقرر باستقبال 3500 لاجئ متواجدين حاليا في إيطاليا. وأكد الوزير الفرنسي أنه «ستكون هناك عواقب وخيمة» جراء الموقف الإيطالي على «علاقاتنا الثنائية، وحرمان إيطاليا من الاستفادة من التضامن الأوربي.
تدبير ملف الهجرة يقسم البلدان الأوربية ويؤجج التوتر في ما بينها، وهو ما يتطلب تحييد هذا الملف وعدم استغلاله سياسيا، وهو ما عبر عنه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في بيان حول الموضوع» السياسة لا يجب أن تمارس على حساب أشخاص في محنة».
الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 22/11/2022