الهجمة الهجينة على المغرب: بين تشويش الخارج وعجز النخب الداخلية

محمد السوعلي (*)

 

في زمن أصبحت فيه المعلومة أسرع انتشارًا من الحقيقة، يواجه المغرب موجة من التشويش المنظم، حيث يتم التلاعب بمشاعر الناس عبر أخبار كاذبة وشائعات مغرضة تهدف إلى زرع الشك في المؤسسات وضرب الثقة بين المواطن ودولته. هل هي مجرد مصادفة أن تزداد هذه الحملات كلما حقق المغرب تقدمًا دبلوماسيًا أو اقتصاديًا؟ ولماذا يجد البعض في الداخل متعة في تضخيم الأزمات ونقل الصورة الأكثر سوداوية، دون تقديم أي حلول أو بدائل؟
القضية ليست مجرد انتقادات عفوية هنا وهناك، بل هي حملة مدروسة تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي كسلاح رئيسي لصناعة رأي عام مضلل. المشكلة ليست في وجود قضايا اجتماعية تستحق النقاش، فالجميع يعلم أن الغلاء والبطالة تحديات حقيقية، لكن الخطر يكمن في تحويل هذه المشاكل إلى منصة لضرب استقرار البلاد، بدل البحث عن حلول منطقية. فجأة، نرى شخصيات هامشية تصبح رموزًا نضالية، وأخبارًا زائفة تنتشر كالنار في الهشيم، دون أن يتوقف أحد ليسأل: من المستفيد من كل هذا؟
كيف تُدار هذه الحملة؟ ومن يقف وراءها؟
ليس سرًا أن الإعلام الجزائري يتعامل مع المغرب كعدو افتراضي، إلى درجة أن نشراته الإخبارية تتحدث عن الوضع في المغرب أكثر مما تتحدث عن مشاكل الجزائريين أنفسهم. لا يمر يوم دون أن تُبثّ تقارير كاذبة عن «مجاعة» مزعومة أو «احتجاجات عارمة»، بينما يتجنبون الحديث عن الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود في بلادهم، أو عن الشباب الذين يرمون بأنفسهم في البحر هربًا من أوضاعهم المعيشية.
لكن المشكلة الحقيقية ليست في الجزائر وحدها، بل في الذين يتبنون هذا الخطاب داخل المغرب، سواء عن قصد أو عن جهل. بعضهم يبرر ذلك بحرية التعبير، لكن أين تنتهي حرية التعبير وتبدأ حرب التشويه؟ لماذا لا نرى نفس الحماسة في انتقاد من يستغلون الأوضاع لصالح مصالحهم الشخصية؟ ولماذا تصمت بعض النخب أمام هذه الحملات، أو تكتفي بمواقف رمادية، بدل التصدي لها بوضوح؟

الحكومة بين ضعف التواصل وانعدام الرؤية

في مقابل هذا الهجوم المنظم، نجد حكومة تتصرف وكأنها غير معنية بما يحدث. المواطن يواجه صعوبات يومية حقيقية، لكنه لا يجد إجابات واضحة. لماذا ترتفع الأسعار؟ لماذا تتأخر بعض الإصلاحات؟ ماذا تفعل الحكومة لمواجهة هذه التحديات؟ عندما تغيب الأجوبة، يملأ الفراغ خطاب التشويش، ويصبح من السهل التلاعب بالرأي العام. حتى عندما يتم اتخاذ قرارات إيجابية، مثل دعم الفئات الهشة، لا يتم شرحها بالشكل الذي يضمن وصول المعلومة إلى المواطن العادي، فتضيع في زحام الإشاعات.
هذا الضعف في التواصل يُفاقم المشكلة بدل حلها، ويفتح المجال أمام كل من يريد الاستثمار في الفوضى. وهنا نصل إلى نقطة جوهرية: هل المشكلة في الدولة نفسها أم في الطريقة التي يتم بها تسيير الأمور؟ المواطن لا يريد خطابات مطمئنة فارغة، بل يريد حلولًا ملموسة، يريد أن يرى أثر السياسات على حياته اليومية، لا أن يسمع عنها في تصريحات المسؤولين فقط.
استراتيجية المواجهة: حلول عملية لتعزيز المناعة الوطنية

لمواجهة هذه الحملة الهجينة، لا يكفي الردّ عبر بيانات رسمية أو بلاغات مقتضبة، بل يجب بناء استراتيجية متكاملة تشمل أبعادًا متعددة:
تعزيز الإعلام الوطني التفاعلي: بدل الاكتفاء بالإعلام التقليدي، يجب تطوير منصات رقمية حديثة تعتمد على التفاعل السريع، وتفكيك الأخبار الزائفة بطرق إبداعية ومقنعة.
إنشاء مرصد وطني للرصد الإعلامي والتفنيد: مؤسسة مستقلة تتولى مراقبة وتفكيك حملات التضليل، عبر تقارير دورية موجهة للرأي العام.
إصلاح آليات التواصل الحكومي: عبر توظيف وسائل حديثة لشرح السياسات العامة بلغة مبسطة، بدل ترك المواطن فريسة للتأويلات المضللة.
دعم التعليم الإعلامي: إدماج التربية الإعلامية الرقمية في المناهج الدراسية، حتى يتمكن الشباب من التمييز بين الأخبار الحقيقية والمغلوطة.
تطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية: عبر تسريع وتيرة الإصلاحات التي تلامس الحياة اليومية للمواطن، ومحاربة الاحتكار، وضمان توزيع أكثر عدالة للثروة الوطنية.
ماذا بعد؟ كيف نحصن المجتمع من التشويش؟
ليس الحل في الغضب أو الإنكار، بل في ترسيخ وعي مجتمعي يحصّن الأفراد من الوقوع في فخ التضليل. تبدأ هذه المهمة من المدرسة، حيث يجب أن يتعلم الجيل الجديد مهارات التحقق من المعلومات وعدم الانسياق وراء كل ما يُنشر على الإنترنت. ثم يأتي دور الإعلام، الذي ينبغي أن يكون أكثر دقة واحترافية في كشف الأكاذيب وتقديم الأخبار بموضوعية، لا أن يكتفي بإعادة نشر ما يتداوله الناس على مواقع التواصل. وأخيرًا، تتحمل المؤسسات الرسمية مسؤولية التواصل المباشر والشفاف مع المواطنين، بدل أن تتركهم عرضة للشك والتأويلات المغرضة.
المواجهة الحقيقية لا تحدث فقط في الفضاء الرقمي، بل في قدرة الدولة والمجتمع على تحويل الأزمات إلى فرص، وإعادة صياغة نموذج تنموي يجعل المغاربة أكثر ارتباطًا بوطنهم وأقل عرضة لحملات التشويه التي تستهدف استقراره. المغرب لا يحتاج إلى تبريرات فارغة، بل إلى إجراءات عملية وإصلاحات حقيقية تقطع الطريق أمام المزايدات وتُعيد الاعتبار للمواطنة الفعالة والواعية.
من الضروري إعادة النظر في كيفية إدارة الأزمات، والتفاعل بشكل أكثر قربًا من هموم الناس بدل الاكتفاء بلغة الأرقام والتقارير الجافة التي لا تلامس واقعهم اليومي. فالاستقرار لا يُفرض بالقوة، بل يُبنى بالثقة. والمغاربة، رغم كل محاولات التضليل، يدركون جيدًا واقعهم، لكن ضعف التواصل الرسمي وغياب دور النخب الفاعلة يتركان فراغًا يسهل استغلاله من قبل الحملات المشبوهة. عندما تتخلى المؤسسات عن مسؤوليتها في الشرح والتوضيح، وعندما تصبح القضايا الحقيقية مجرد وقود لحروب إعلامية، فمن الطبيعي أن تتفاقم حالة التشويش.
اليوم، المعركة ليست مجرد مواجهة إعلامية، بل هي معركة وعي وإدراك لما يُحاك ضد المغرب. فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن جاهزون للتعامل معها بذكاء وواقعية؟

(*)عضو اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات بالحزب

الكاتب : محمد السوعلي (*) - بتاريخ : 06/03/2025